أحمد فايق يكتب : صناعة تحتضر .. ووزارة ثقافة فى خدمة المرشد
عانت السينما المصرية طوال فترة حكم المخلوع من تجاهل ونظرة دونية أثرت عليها كثيرا، غابت الدولة ولم تغب السينما، جاهد صناع السينما كثيرا حتى ينجزوا أعمالهم، فهم يعلمون أن الأفلام هى الأفيون الذى يتعاطاه المصريون، أدركوا منذ عشرات السنوات قيمة ودور السينما المصرية فى بسط القوى الناعمة فى العالم العربى، فى تركيا وقفت الدولة وراء الدراما فحولتها إلى مشروع قومى يضخ المليارات للاقتصاد، لم نعرف المفروشات والأثاث التركى الذى غزا بيوتنا إلا من خلال “نور ومهند”، السينما المصرية بعد الستينيات ظلت بعيدة عن الدولة، فخسر اقتصادها المليارات، لكنها ظلت صناعة يديرها أفراد وكيانات إنتاجية خاصة تعلو لفترات وتخفت فى أوقات أخرى، موسم الصيف كان يحمل الخير لمصر وحده، فملايين السائحين العرب كانوا يقفون فى طوابير الأفلام يبحثون عن مقعد، وكالعادة الدولة خارج السياق، لم تقدم شيئا للسينما، كانت تحتقر صناعة الفن، ترى أن دورها ينحصر فى إطار الدولة البوليسية التى تراقب الأفلام وتقمع أفكار المبدعين وتمنع بعضها إن لزم الأمر.
المشهد كان فى نهاية 2011 بعدما فاز الإخوان المسلمين فى مجلس الشعب، حيث طلب منى المخرج عمر زهران رئيس قناة نايل سينما الظهور فى مناظرة ببرنامج ستديو مصر حول مستقبل السينما فى حكم الإخوان، جاء إلى الاستديو أحمد أبو بركة المستشار القانونى للجماعة وقتها، وفى يديه كتيب صغير مليء بمواد القانون، وكان يدون ملاحظات فى الكواليس مثل التلميذ المجتهد، المطلوب منه إعداد صيغ قوانين جديدة، قال لى فى الكواليس إن الجماعة لن تسمح لأى جهة إدارية بمصادرة أى عمل فنى أو أدبى، وتستطيع أن تضع تحت هذه الجملة ألف خط، فمشروع حزب الحرية والعدالة الجديد الخاص بالرقابة على المصنفات الفنية، هو عمل لجنة مكونة من السينمائيين أنفسهم يشاهدون الأعمال الفنية ويقرأونها، ثم يعطون الموافقة لها، وفى حالة الاعتراض على العمل الفنى أو الأدبى تختصم هذه الجهة الإدارية العمل، ولا يكون لها الحق فى المصادرة إنما من حقها رفع دعوى قضائية ضدها فى المحكمة المختصة والقضاء هو الذى يقرر منح الترخيص أو منعه، وقال أحمد أبو بركة إن القضاء المصرى العظيم هو المنوط له الفصل فى هذه القضايا، مؤكدا أن القضاء المصرى نزيه وأكثر حيادية من القضاء فى أوروبا وأمريكا...!
هذا هو تصور الإخوان المسلمين للرقابة على المصنفات الفنية، ولولا حل مجلس الشعب، لكان القانون مطبقًا الآن، وأعتقد أنهم سيتجهون إلى تشريعه فى 2013، وهو يمثل خطرًا كبيرًا لأنه يسمح للقضاء بالسيطرة على حرية الإبداع رغم عدم وجود ضمان لاستقلال القضاء، كما أن كلام أبو بركة حول القضاء النزيه الذى يتفوق فى نزاهته على قضاء دول أوروبية، ينضم إلى رؤية نظام مبارك للأشياء.
فى عام 2012 لم يتحقق للإخوان حلم وضع السينما تحت مقصلة القضاء النزيه...!، لكن تحققت لهم أحلام أخرى، فقد انخفض الإنتاج إلى 24 فيلما وإيرادات 161 مليون جنيه فقط، وفى عام 2011 ورغم كل أحداث الثورة فقد أنتجت السينما المصرية 27 فيلما وحققت إيرادات تقدر بـ220 مليونا، هذه الأرقام هزيلة مقارنة بعام 2008 الذى أنتجت فيه السينما المصرية 47 فيلما وحققت 480 مليون جنيه، وضاع الفيلم المصرى فى دور العرض، حيث كان يحقق 80% من إجمالى الإيرادات، والفيلم الأمريكى يحقق 20% فقط، الآن تقاربت النسبة لتصل إلى النصف، وهو مؤشر يؤكد أن الفيلم المصرى ينهار.
بعيدا عن الصناعة، ستشهد السينما المستقلة فى العام الجديد رواجا أكبر، فهؤلاء لا يقف أمامهم نظام أو كيان احتكارى، يصنعون أفلامهم بالجهود الذاتية، ستبرز أسماء كثيرة مثل إبراهيم البطوط وهالة لطفى ونادين خان وشريف مندور وفوزى صالح ومحمد حفظى وأحمد عبدالله وعمرو واكد وعمرو سلامة ومحمد دياب، فهم يبحثون عن وسائل تمويل لأفلامهم بعيدا عن الدولة والكيانات الإنتاجية، مابين منحة دعم سيناريو من مهرجان وجائزة من مهرجان آخر، لا تخضع أفلامهم لحسابات السوق أو الدولة أو الرقابة، يمررون أفلامهم فى الشارع، ويغيرون من ثقافة المشاهد بالتدريج.
على مستوى الدولة نجح صابر العرب وزير الثقافة أن يقدم للإخوان مالم يحلمون به، فقد ألغى كل مافعله عماد أبو غازى وزير الثقافة السابق لتحرير الفن من قيود الدولة، وحول ميزانيات وزارة الثقافة إلى أجور للموظفين، وحجم النشاط الثقافى، وأجهض معظم المهرجانات التى خرجت من جمعيات أهلية، وعاد بالمهرجانات إلى وزارة الثقافة كى يديرها الموظفون، وغير من مجالس إدارات مؤسسات الوزارة التى رشحها عماد أبو غازى، وعادت سطوة الموظف تنتصر على إبداع المثقف، سيكمل صابر العرب رحلته فى ذبح وزارة الثقافة بمباركة إخوانية.
إذا نجح الإخوان فى التمكين من حكم مصر، ستتخذ السينما المصرية طريق السينما الإيرانية، وهناك مغالطة كبيرة يروجها الإسلاميون أن نهضة السينما الإيرانية هى نتاج للحكم الإسلامى فى طهران، وهذا غير حقيقى فروائع السينما الإيرانية صنعت فى المهجر، فهناك نوعان من الأعمال يحقق نجاحا فنيا وجماهيريا، الأول هو المسلسلات التى تتعرض لسير الأنبياء والصحابة مثل «يوسف الصديق»، وهى أعمال ستمنع بالتأكيد من المرجعية السنية فى مصر، ويسمح بها فى إيران فى إطار المرجعية الشيعية، أما النوع الثانى فهو الأفلام التى غزت المهرجانات العالمية والتى بدأت بما يسمى بالموجة الجديدة فى السينما الإيرانية على يد المخرج عباس كايروستامى وآخرين، وهى أفلام تنتج فى أوروبا وتمنع من العرض فى ايران، ويطارد مخرجوها بأحكام السجن بتهمة التشهير بالنظام الايرانى.