منال لاشين تكتب: الأسئلة الحرجة فى أزمة مجلس الدولة
■ استقالة المستشار هى السيناريو الأقرب اعتراضاً على تجاهل مبدأ الأقدمية
■ فى 4 سنوات أهدرت الحكومة 18 مليار جنيه بإهمال «الصوامع»
هل يترشح المستشار الدكرورى لانتخابات الرئاسة فى حالة عدم اختيار الرئيس له؟
منذ أن اختارت الجمعية العمومية لمجلس الدولة المستشار يحيى الدكرورى مرشحا وحيدا لرئاسة الدولة، والأسئلة الحرجة الساخنة كثيرة ومعلقة حتى الآن.السؤال الأكبر والمتكرر هل يستجيب الرئيس السيسى لإرادة الجمعية العمومية ويعين المستشار الدكرورى رئيسا لمجلس الدولة، أم يستخدم الرئيس حقه القانونى ويختار مستشارا آخر من بين أقدم سبعة مستشارين. هذا سؤال مهم ومحورى فى القضية، ولكن هناك على الجانب الآخر أسئلة تتعلق بالمستشار الدكرورى نفسه، أسئلة على السيناريو الآخر ماذا سيكون رد فعل المستشار الدكرورى إذا لم يعينه الرئيس رئيسا لمجلس الدولة، هل يستقيل من مجلس الدولة اعتراضا على مبدأ الأقدمية الذى تمسكت به الجمعية العمومية، والسؤال الاخطر عن المسار الذى يسلكه المستشار حال استقالته.
إجابة هذا السؤال ربما تحمل مفاجآت من العيار الثقيل جدا، وربما تحمل الإجابة المستشار إلى مسار آخر فى حياته وتاريخ مصر كلها. إجابة هذا السؤال قد يخرج الملف من الدائرة القانونية إلى عالم السياسة.
فالأزمة تأتى فى وقت شديد الحساسية، عام على انتخابات الرئاسة، وثمة رغبة فى أن تشهد الانتخابات القادمة وجوها جديدة.. وجوه تمنح الانتخابات الرئاسية القادمة طعما آخر وزخما جديدا.
1- رجل الأحكام القوية
ولد المستشار الدكرورى فى ديسمبر 1947وتدرج فى سلك القضاء الإدارى، واكتسب احترام زملائه فانتخب مرتين متتاليتين رئيسا لنادى قضاة مجلس الدولة، ولعل هذا الانتخاب يفسر جزئيا إصرار الجمعية العمومية على اختياره منفردا لرئاسة مجلس الدولة، وذلك فضلا على إيمان الجمعية العمومية بفكرة الأقدمية المطلقة التى تعد أحد أهم تقاليد القضاء المصرى.
وكفاءة المستشار وخبراته تجلت فى اختيار مؤسسات مهمة للاستعانة بخبراته وكفاءاته، فقد ظل مستشارا لمحافظ البنك المركزى من عام 2001 إلى أن عين عضوا بمجلس إدارة البنك المركزى، كما كان مستشارا قضائيا لمجلس الشعب ولمجلس الوزراء.
ولكن شهرة الرجل بين المجتمع تعود إلى مجموعة من الأحكام الشهيرة التى أصدرها، آخر هذه الأحكام بالطبع هو حكم تيران وصنافير أو بالأحرى الحكم بمصرية تيران وصنافير.وحيثيات الحكم هزت المشاعر الوطنية لمصريين كثيرين فطروا على حب الوطن وترابه، كانت كلمات الحكم تتردد فى الكافيهات والمقاهى والمكاتب، واعتبر البعض حيثيات الحكم درسا فى حب مصر، لحظة صدور الحكم وبشكل تلقائى تجمعت عشرات السيارات الأجرة وبدأت فى الاحتفال بالحكم على طريقة الكلاسيكيات المصرية الشهيرة.. وحاول البعض بعد هذا الحكم أن يتهم المستشار الجليل بما ليس فيه، ادعى البعض أن المستشار الجليل إخوان، ولكن أحكام الرجل ردت على هذه الأكاذيب، فمن أهم وأشهر أحكام المستشار الدكرورى الحكم بحل مجلس الشعب الإخوانى فى عز قوة الإخوان، وفى ملف الانتخابات للمستشار أحكام مهمة فى انتخابات مجلس النواب الحالى، سواء فى تقسيم الدوائر أو الكشف الطبى على المرشحين.
وبعيدا عن السياسة فإن أحكام المستشار الدكرورى انتصرت للحريات، وذلك عندما ألغى قرار رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب بوقف عرض فليم «حلاوة روح»، كما أن له حكما بإلزام رئيس الوزراء بإغلاق المواقع الإباحية.هذا جزء صغير من أحكام المستشار يحيى الدكرورى.
ولكن لاشك أن حكم تيران وصنافير حظى من الاهتمام والقبول الكثير- خاصة لدى الشباب الرافض لاتفاقية تيران وصنافير، ولدى الناس العادية التى ترحب من حيث المبدأ ببقاء كل الأراضى ضمن التراب الوطنى.
بالنسبة للشباب الغاضب وهم كثر فإن حكم المستشار الجليل كان المنقذ الوحيد لاستعادة الأرض، ولذلك بدأ بعض الشباب والنشطاء ونسبة من أهل المعارضة يرون فى الرجل نفسه المنقذ.فمن يحقق العدل بأحكامه قادر من وجهة نظرهم على تحقيق العدل على أرض الواقع، ومن يحمى الأرض من خلال أحكام القانون قادر على حماية حقوق الناس فى حياتهم اليومية.
2- مرشح رئاسى
ولذلك بدأ البعض يحلم بأن يقبل المستشار الدكرورى الترشح للرئاسة، هذا الحلم الذى عبر عن نفسه فى جلسات مغلقة وبوستات على الفيس بوك وتويترات على تويتر سابق على أزمة قانون القضاة، وعلى إصرار البرلمان على إصدار قانون يمنح رئيس الجمهورية اختيار رئيس مجلس الدولة من بين ثلاثة من أقدم المستشارين، ولكن الحلم أو التساؤل أو الرغبة صار أكثر قدرة على تحدى الواقع مع تغيير القانون من ناحية، وإصرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة على ترشيح المستشار الدكرورى لرئاسة مجلس الدولة.
فقبل ذلك كان من المستبعد جدا أن يترك المستشار الدكرورى رئاسة مجلس الدولة أو بالأحرى يترك حياته القضائية كلها ليترشح للرئاسة، ولكن فى حالة اختيار الرئيس السيسى لمستشار آخر غير الدكرورى فإن الوضع أصبح مختلفا ومتوقفا على خطوة المستشار الدكرورى القادمة فى حالة عدم اختيار الرئيس له لرئاسة مجلس الدولة.
هل سيرضى المستشار الاستمرار فى مجلس الدولة أم يقدم استقالته اعتراضا على عدم الأخذ بالأقدمية وبرغبة الجمعية العمومية.
وإذا قدم المستشار استقالته فى أى طريق يختاره وهل يستجيب للدعوات والاقتراح بأن يتقدم مرشحا رئاسيا؟
كل هذه أسئلة مهمة وستجيب الأيام وربما الاشهر القادمة عنها، ربما تحمل الايام القادمة مفاجآت للجميع، ربما تحمل تغييرا فى مستقبل المستشار الدكرورى الذى لم يحلم يوما إلا بإقرار العدل من خلال منصة القضاء، ربما يترك هذه المنصة لمنصة أخرى، ولطريق آخر.
وفى حالة استجابة المستشار لفكرة ترشحه فإننا أمام رجل صنعت أحكامه شعبية لم يسع لها يوما ما، فمن الآن تستعد وفود من شباب وسياسيين لإقناع الرجل بالترشح للرئاسة حال عدم تعيين الرئيس له فى رئاسة مجلس الدولة.
فهناك من يرى فى المستشار صلابة واصرارا وقوة فى الحق وانه حمى التراب المصرى بحكم تيران وصنافير، وهناك من هم على استعداد لجمع التوكيلات واعداد البرنامج الرئاسى.
البعض يراهن على أن المستشار الدكرورى قادر على تجاوز تجربة المستشار هشام البسطويسى فى تجربة انتخابات 2012، حيث لم يحصل المستشار على أصوات كبيرة وذلك لكثرة المرشحين.وكان المستشار هشام قد ترشح فى انتخابات الرئاسة عن حزب التجمع، ولو ترشح البسطويسى امام مبارك وفى عز أزمته وقضيته لحصد اصوات المعارضة، ولكن انتخابات 2012 كانت ذات طبيعة مختلفة ولذلك يرون أن الاحتشاد وراء ترشح المستشار يحيى الدكرورى سيمكنه من تحقيق نتائج جيدة.
وهؤلاء يرون أن الاحتشاد وراء المستشار الدكرورى أفضل من ترشيح أو الاحتشاد وراء المستشار هشام جنينة.فثمة ظنون وشكوك حول علاقة جنينة بالإخوان، كما أن الأثر الذى أحدثه حكم تيران وصنافير أكبر أثرا وأهم من قضية مكافحة الفساد التى يرى البعض أن المستشار هشام جنينة أقيل بسببها، فالأرض عرض ولا شىء يفوق الحفاظ على التراب المصرى.
3- مفاجأة الرئيس
معظم الذين يرغبون فى ترشح المستشار يحيى الدكرورى يراهنون على أن الرئيس السيسى لن يختاره رئيسا لمجلس الدولة.ومن باب التمنى وليس الرهان فأنا أتمنى أن يفاجئ الرئيس هؤلاء باختيار المستشار الدكرورى رئيسا لمجلس الدولة، ليس من باب اعتراضى أو رفضى لفكرة ترشحه لانتخابات الرئاسة، ولكن من باب الحفاظ على حق الجمعية العمومية فى اختيار رئيس مجلس الدولة، أو أى هئية قضائية أخرى.
أدرك أن بعضا ممن حول الرئيس سيقولون له إنه يجب اعمال القانون ولابد من اختيار مستشار آخر لرئاسة مجلس الدولة.وأدرك أن هناك من يحاول تصوير الأمر كصراع بين الرئيس والجمعية العمومية لمجلس الدولة، وهو أمر غير صحيح على الاطلاق، ما حدث فى الجمعية العمومية أن كل قاض حكم ضميره فلم ير احق بالرئاسة إلا المستشار يحيى الدكرورى أقدم المستشارين، فلم يرضوا أن يخالفوا ضمائرهم.وتركوا للرئيس إما أن يختار المستشار الدكرورى أو يختار مستشاراً من بين أقدم سبعة مستشارين، لأن القانون عالج فكرة عدم التقدم بالمرشحين الثلاثة إما بالتأخر فى الترشيح أو ترشيح ممن لا تنطبق عليهم الشروط، ومنح رئيس الجمهورية الحق فى اختيار مرشح من أقدم سبعة. لم تسع الجمعية العمومية لمجلس الدولة إلى معركة أو أحداث فراغا، ولكن سعوا لإرضاء ضمائرهم، وخير انتصار للرئيس من وجهة نظرى هو احترام اختيار الجمعية العمومية لمجلس الدولة.