عادل حمودة يكتب: حكومة شريف إسماعيل تعالج أخطاءها بالخطايا
■ لم تستجب الحكومة لتحذيرات الخبراء بعدم الطعن على أحكام تعويضات الغاز وخسرت القضايا وخسرت ملايين الدولارات دفعتها للمحاماة
■ بيان وزارة الخارجية عن مناقشات الكونجرس للمعونة المصرية مثير للسخرية ويكشف عن جهل فى فهم صناعة القرار فى واشنطن
■ الصحفى جهاز استشعار عن بعد يحذر السلطات مما سيحدث مثل الرسول ما عليه سوى البلاغ لكننا نقتل الرسل إذا لم نشهر بهم
■ وزير الصناعة يرد على انتقادات فشله بتصريحات عما سيفعل لا عمّا فعل
1- قلنا "ثور" قالت حكومة شريف إسماعيل "احلبوه"!
يوم الجمعة 4 ديسمبر 2015 قضى مركز تحكيم غرفة التجارة الدولية فى جنيف ــ بعد جلسات استماع فى باريس استمرت ثلاث سنوات ــ بتغريم الشركة القابضة للغازات والهيئة العامة للبترول مليارا و67 مليون دولار لشركة كهرباء إسرائيل و288 مليون دولار لشركة غاز شرق المتوسط بالإضافة إلى الفوائد ومصاريف التحكيم بعد قرار المهندس، محمد شعيب (رئيس إيجاس) والمهندس هانى ضاحى (رئيس هيئة البترول) بإيقاف ضخ الغاز إلى إسرائيل فى 19 إبريل 2012 عقب طرد السفير الإسرائيلى بأسابيع قليلة.
فور صدور الحكم حذرت حكومة شريف إسماعيل من الطعن عليه أمام المحكمة التجارية فى لوزان، لأنها ستخسره بعد أن تكون قد دفعت عدة ملايين إضافية لمكتب المحاماة شيرمان آند ستانلى مما يزيد الطين بلة.
لكن.. الحكومة العنيدة التى تعتقد أنها وحدها على صواب أصرت وطعنت ودفعت.. وخسرت القضية.. ليصبح السؤال من يتحمل أتعاب المحاماة فى هذا القرار الخاطئ بالحسابات الدقيقة والمسبقة للخبراء فى قضايا التحكيم الدولى؟
أكثر من ذلك حذرت من الاستعانة بمكتب شيرمان آند ستانلى فهو مكتب المحاماة الذى أفتى بإيقاف ضخ الغاز وهو أيضا مكتب المحاماة الذى خسر القضية فكيف يمكنه كسب الطعن؟ إن الخطأ المزمن الذى لا يغتفر هو أن تفعل الشىء نفسه وتنتظر نتائج مختلفة.
ولكننا فى مصر لا نحاسب المخطئ بل نكافئه بتصعيده إلى منصب أكبر.. فقد أصبح هانى ضاحى وزيرا للنقل.. واختير محمد شعيب ــ الذى تحدى علنا بأن الحكم سيلغى، رئيسا لإحدى شركات الغاز.
لقد سمعت من شريف إسماعيل أن الفساد ليس فقط نهب المال العام وإنما أيضا عدم استكمال ما بدأ من مشروعات، حيث يهدر تعطيلها المال العام أيضا.. ولكن.. أليس فى قراره الخاطئ إهدار من نوع جديد للمال العام خاصة أنه بخبرته السابقة فى وزارة البترول يعرف جيدا أن الطعن لن يفيد؟.. هل يملك الرجل شجاعة الاعتراف بالخطأ الذى كان يعرف منذ البداية أنه خطأ؟
ولانشغال نواب فى البرلمان بكشف العذرية للبنات والقدرة الجنسية للرجال والبرنامج الذى ستقدمه سما المصرى فى رمضان لن نجد تحت القبة من يقدم استجوابا أو طلب إحاطة للحكومة فيما أوقعت نفسها فيه وهى تتصدى لتلك القضية.
والأهم.. ما الذى ستفعله الحكومة فى مواجهة القضايا الأربع المشابهة التى لا تزال قيد التحكيم.. نهدد فيها بدفع 8 مليارات دولار.. وهى مرفوعة هذه المرة ضد الحكومة مباشرة فى مركز فض المنازعات الدولية (الأكسل).. مما يعنى أن الحكم فيها ضدنا قد يؤدى إلى الحجز على حسابات وممتلكات وسفارات مصر فى الخارج.
هل ستظل الحكومة تخطئ ليظل الشعب يدفع الثمن؟
2- قلنا "ثور" قالت خارجية سامح شكرى "احلبوه"!
كان من السهل على أقل متابعى زيارة الرئيس إلى واشنطن خبرة أن يستشعر وجود عقبات أمام إقرار المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر مجددا.
نشرت قبل أن يعود الرئيس للقاهرة أن قضية آية حجازى ستنفجر بجانب ملف حقوق الإنسان فى مصر وقضية الجمعيات الأهلية المتهم فيها 11 أمريكيا يرفضون المثول أمام القضاء ويصرون على عدم محاكمتهم وأن هذه القضايا ستفرض نفسها على الكونجرس وهو يناقش المعونة التى تقدم لنا.
ونشرت فيما بعد أن اللقاء بين الرئيس وجون ماكين (رئيس اللجنة العسكرية فى مجلس الشيوخ) وليندسى جراهام (رئيس لجنة الاعتمادات الخارجية فى مجلس الشيوخ) كان لقاءً ساده التوتر وربما أكثر.
ونشرت على لسان وليد فارس مستشار الرئيس الأمريكى أن هناك حدودًا للبيت الأبيض لدعم مصر يصعب عليه تخطيها فى مواجهة الكونجرس وأن على شيخ الأزهر وبابا الأقباط ونواب البرلمان أن يسارعوا بشرح موقف مصر فى جلسات استماع تحت قبة الكونجرس.
لكن.. لم تتحرك وزارة خارجية سامح شكرى الذى لم يكن له صوت خلال رحلة واشنطن ربما بسبب النقد الذى وجه إليه لوجود تجاوزات مالية فى سفارة ألمانيا خلال سنوات السفير السابق وربما لتراجع دور الخارجية الأمريكية فى رسم السياسة الدولية وتزايد نفوذ الجنرالات لرسم الخرائط الجديدة.
وفى غيابنا شبه التام بدأ الكونجرس جلسة استماع يستطلع فيها رؤية عدد من الخبراء لما يجرى فى مصر وتفضلت الصحف المصرية بنشر تفاصيلها المؤلمة ومنها أن دور مصر تراجع فى العالم العربى وأن الحريات فى مصر تراجعت وأن السياسات الداخلية فيها تشجع على الإرهاب.
وخرج بيان خارجية سامح شكرى مثيرا للشفقة ــ لا أقول السخرية ــ فلم يتجاوز «الأسف» عمّا جرى فى جلسة الاستماع فى لجنة الاعتمادات الخارجية بمجلس الشيوخ واعتبر البيان وجود انتهاكات فى ملف حقوق الإنسان مجرد ادعاء بجانب أن الجلسة لم تكن محايدة.
وبصدور هذا البيان بهذه الصيغة الهزيلة نصل إلى نتيجة سهلة ومباشرة أن وزير الخارجية الذى كان سفيرا لمصر فى واشنطن لم يستوعب خلال وجوده هناك الطبيعة المعقدة لاتخاذ القرار ولا اللغة التى يفهمها أصحاب القرار غير كلمات الأسى والأسف والألم التى ربما تريحنا ولا تؤثر فيهم.
لقد تصورت مصر أن ترامب يملك وحده القرار فوضعت أغلب الرهان عليه وبالغت فى طلباتها.. زيادة المعونة العسكرية.. شراء أسلحة بالأجل.. حرية التصرف فى المعونة الاقتصادية دون تحديد مسبق لبنود إنفاقها.
لكن.. ما حدث فى الكونجرس أن بقيت المعونة العسكرية على حالها ( 1.3 مليار دولار ) دون الأخذ في الاعتبار زيادة أسعار الأسلحة والمعدات عشرة أضعاف منذ بدء المعونة.. تخفيض المعونة الاقتصادية بنسبة الربع لتصبح 112.5 مليون دولار بعد أن كانت 150 مليون دولار.. بجانب تحديد مجالات إنفاقها فى مجالات التعليم والمنح الدراسية الأمريكية وتنمية سيناء.
ولكن.. اشترط الكونجرس علينا تصفية محاكمة الأمريكيين المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية وحجز نسبة من المعونة الاقتصادية فى انتظار تقرير وزير الخارجية عن مدى تحقيق مصر تقدما فى مجالات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والأقليات والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومحاكمة رجال الأمن الذين ينسب إليهم التجاوزات فى معاملة المواطنين وإن سمح القانون لوزير الخارجية بتخطى كل ذلك لو كان من مصلحة الأمن القومى الأمريكى.
لكن الأهم أن إدارة ترامب سمحت لبنوك أمريكية بإقراض مصر بفائدة صغيرة وبضمان من البيت الأبيض مباشرة.
هل ينسى مجلس النواب الكثير من اهتماماته غير الشعبية ليأتى بسامح شكرى ليلقى بيانا يشرح فيه للرأى العام ما فى ملف المعونات الأمريكية من معلومات وملابسات غابت عن مساعديه وربما غابت عنه أم أن الوزير سيكتفى بتلك البيانات المضحكة التى لا تقنع من يكتبها ويصدرها فما بالك من يسمعها ويقرأها ويفحصها.
3- قلنا "ثور" قالت صناعة طارق قابيل "احلبوه"!
كتبت بأدب شديد عن عجز المهندس طارق قابيل فى حل مشاكل الصناعة التى يرأس وزارة مختصة بها بجانب ملف التجارة وهى حمولة ثقيلة عليه.. وتطوع تحرير «الفجر» بوصفه بـ «الفاشل» وهو ما آلمه وإن تصافحنا مرة ببرود فى واشنطن وتجنب كل منا الآخر فيما بعد.
وما إن نشر ما كتبت حتى وجدت سلطات عليا فى البلاد تشيد به دون أن تبرر الإشادة بما لا نعرف عن الوزير من إنجازات.. ربما.. لرفع معنويات الوزير.. ومنحه فرصة أخرى لإثبات نفسه.
لكن.. طارق قابيل الذى كان مشغولا منذ دخل مكتبه بإعادة هيكلة الوزارة لم يجد أمامه لدعم وجوده سوى الثرثرة فى مؤتمرات صحفية سارع بعقدها فى مبنى مجلس الوزراء.. خشية ألا يعرف الصحفيون عنوان وزارة الصناعة والتجارة.. وسارع مساعدوه بتوزيع مجموعة جديدة من الصور الرسمية وهو جالس مبتسما بجانب العلم.
ولأن التصريحات بلا إنجازات فإن معالى الوزير أفرط فى توصيف ما هو قائم الذى لا يد له فيه.. مثل حجم الاستثمارات الكويتية والبحرانية فى مصر.
كما أنه اكتشف ــ حسب تصريحه تحت قبة البرلمان ــ أن « زيادة المكون المحلى فى الصناعات المصرية هدف قومى ".. جاب الديب من ديله".. لكنه.. لم يقل لنا ما الذى فعله لتحقيق ذلك.
وعندما يفتقد المسئول أرضا صلبة يقف عليها وهو يتحدث فإنه لا يجد أمامه سوى استخدام لغة السين والسوف.. «سوف ننشئ مجمعا للصناعات الصغيرة فى الوادى الجديد».. «سوف ننشئ جهازا لتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر».. «نعمل على طرح 15 مليون متر مربع للمناطق الصناعية».. «نرغب فى تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول العربية».. و«نرغب فى تسهيل حركة التجارة البينية مع إفريقيا».. «نحرص على تطوير منظومة الإجراءات فى الهيئة العامة للقرابة على الصادرات والواردات».
وخذ عندك من هذه الكلمات الوردية التى تثير صخبا ولا تنتج طحينا الكثير.
وبصفته مسئولا عن حقيبة التجارة أيضا يبشرنا بنقص العجز فى الميزان التجارى وهو أمر متوقع بعد تعويم العملة وانهيار قيمة الجنيه وقوته الشرائية، مما رفع أسعار الواردات فى السوق المحلية وبالتالى انخفاضها مما أثر إيجابيا على الميزان التجارى.
لكن.. الملاحظ أن تصريحات معالى الوزير بدأت تفقد بريقها بعد أن فقدت حجمها.. فيوم جاء إلى الوزارة بشرنا بفرص عمل تقدر بالملايين لتصبح بعد شهور بالآلاف وإن كان ما نريده منه أن يوفر فرص عمل بالمئات.
4- قلنا "ثور" قال الغاضبون من الصحافة "احلبوه"!
منذ سنوات تقترب من الخمسين عاما ونحن نفهم أن الصحافة جهاز استشعار عن بعد يرصد للسلطات المختلفة اتجاه الريح واهتزازات الزلزال وموجات الحر والصقيع لتأخذ حذرها وتبدأ فى الاستعداد لمواجهتها.. لكن.. لا أحد يرى فى هذه المهنة سوى أنها عدو.. يقف بالمرصاد ضد كل نجاح.. ويكره لأسباب نفسية يعانى منها أصحابها كل إنجاز.
لا نحن نصطاد فى المياه العكرة.. ولا نحن زبائن عند الدكتور أحمد عكاشة.. نحن فقط نريد أن تحكموا بما يرضى الناس.. وأن تتجنبوا الأخطاء التى ننبه إليها قبل أن تصبح خطايا.
نحن مجرد رسول ليس عليه سوى البلاغ.. وفى كثير من دول العالم يتباهون بالرسول.. أما نحن فنقتلهم إذا لم نشهر بهم.