د. رشا سمير تكتب: أبو ظبى للكتاب 2017.. روعة افتقدها معرض القاهرة
■ المعرض أسسه الشيخ زايد فى 1981 وأصبح حدثًا سنويًا فى 1993
"الإنسانية..هى الرسالة التى تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة، فلا شئ يسمح بالإختلاف والتعدد والتثاقف والتعارف والتلاقى والسلام أكثر من الإنسانية".
حول هذا المفهوم وتعدد الثقافات وإحترامها دار البرنامج الثقافى لهذا العام فى معرض كتاب أبو ظبي الدولى للكتاب فى دورته لعام 2017 والذى يقام تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة..
ومن هذا المنطلق ورجوعا إلى مقولة الكونت كيسرلنج الشهيرة عن بلاد الصين، تستضيف هيئة المعرض فى نفس السياق دولة الصين لتكون ضيف شرف المعرض..يقول الكونت عن الصين:
"الصين القديمة أخرجت أكمل صورة من صور الإنسانية، وأنشأت أعلى ثقافة عامة عُرفت في العالم كله"..
وكما تعود معرض الكتاب أن تكون أحدى الدول هى ضيف الشرف، تعود أن يكون هناك نموذجا من المثقفين أصحاب الرؤية الإنسانية المتفتحة للندوات والحوارات كل عام، فيقع الإختيار على نموذج إبن العربي..وهو للأجيال التى لم تعرفه..أحد أشهر المتصوفين الذى لقبه أتباعه وغيرهم من الصوفيين "بالشيخ الأكبر" ولذا تُنسب إليه الطريقة الأكبرية الصوفية.
كان لى هذا العام شرف حضور معرض كتاب أبو ظبي، ليس فقط كقارئة ولكن كروائية، وشرفت بعمل حفل توقيع لروايتى الأخيرة (سألقاك هناك) ضمن فعاليات المعرض..
معرض أبوظبي الدولي للكتاب هو معرض سنوي يقام في إمارة أبوظبي منذ عام 1981.
أطلق الشيخ زايد رحمة الله عليه معرض أبوظبي الدولي للكتاب في العام 1981 تحت اسم "معرض الكتاب الإسلامي" ثم ما لبث أن تحول إلى "معرض أبوظبي الدولي للكتاب" في عام 1986.. وأقيمت أولى دوراته في مؤسسة قصر الحصن الثقافي قبل أن يصبح حدثاً سنوياً ثابتاً في عام 1993، ونُقل إلى مركز أبوظبي الوطني للمعارض عندما بدأ برنامج المحافظة على التراث الثقافي على نطاق واسع في المجمع الثقافي..
يتم المعرض تحت إدارة وإشراف السيد محمد عبدالله الشحى، مدير إدارة البحوث والإصدارات..الشاب الذى إستطاع بكل حزم وإبتسامة أن يقود تنظيم المعرض، بإستغلال الإيجابيات وتفادى السلبيات عام بعد عام..
كان لى لقاء مع المحترم محم الشحي لأسأله عن المعرض فأجابنى:
"المعرض تحت إدارتى منذ خمس سنوات فقط، والحمد لله أن المعرض فى تطور وتحسن تنظيمى وثقافى فى آن واحد..لا أنسب النجاح أبدا إلى نفسي، لأن النجاح لم ولن يكون أبدا عمل فردي فى بلادنا، النجاح منظومة ومجموعة تتعاون لإخراج أحسن ما فيها..الإستعانة بالأفكار الجديدة وبالشباب هو سبب نجاحنا..الثقافة منار لنا وهى تعكس إهتمام الدولة بالتنوير والتثقيف..نحن تربينا على حب مصر وإحترامها وشعورنا دائما أن مصر والإمارات نسيج واحد يصنعه الحب".
ويضيف: "أما لو عدنا إلى الإرقام..فهناك زيادة في المساحات المحجوزة لتصبح 35,148 متر مربع، بعدد إجمالي للعارضين بلغ 1320 عارضاً وبزيادة قدرها 60 عارضاً عن السنة الماضية، يمثلون 65 دولة من حول العالم، وبما يزيد عن 500 ألف عنوان من أكثر من 30 لغة..وبرنامج يضم أكثر من 800 جلسة حوارية وندوة وورشة عمل خلال دورة العام".
1- جائزة البوكر 2017:
من بين الإصدارات الست التى وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، وكان كُتابها ضمن المدعوين لحضور حفل إستلام الجائزة..فازت عن جدارة رواية (موت صغير) للروائى السعودى الشاب محمد حسن علوان..
إلتقيت بالروائى الفائز وهو شاب لم يتجاوز الأربعون من عمره..أخبرته أن من أهدتنى روايته ورشحتها لى كى أقرأها هى أمى وأنها أول من توقع له بالفوز..وسألته: "هل توقعت الفوز؟ وماذا جذبك فى شخصية إبن العربي؟"
رد بكل بساطة وعفوية: "سعدت به كثيرا ولكن أبدا لم أتوقعه، فكان معى بالقائمة القصيرة، ستة من أقوى الكتاب وروايات تستحق الفوز..فى الواقع إبن العربي هو رجل صوفى متسامح وجميل، لم أرد أن أكتب عن إبن العربي المُقدس الذى يغالى أتباعه وأنصاره والمولعين به عبر العصور فى تقديسه ولا الزنديق الذى يتفنن أعداؤه فى تكفيره وإتهامه بالفسوق..
بحثت عن سيرة الرجل الإنسانية التى لم تكتب، أردتُ أن أجعل ابن عربى يتحدث كما كان يتحدث ويفكر مثلما كان يفكر، ويكتب كما أراد أن يكتب، وكان طبيعيا أن تأتى لغة الرواية محملة بظلالها التراثية واللغوية المتصلة بتلك الفترة التى دارت فيها أحداث الرواية..الحقيقة وفى كلمة واحدة غير مزيفة..جذبنى فى إبن عربي الترحال..تفاصيله الكثيرة والغنية فى الترحال، أى أننى أردت أن أكتب سيرته فى الترحال".
2- أقسام المعرض:
ينقسم البرنامج الثقافى لمعرض كتاب أبو ظبي إلى أربع برامج أو أركان..ركن الإبداع/ ركن الرسامين/ البرنامج الثقافى/ البرنامج المهنى.
3- البرنامج المهنى:
هو المنصة التى يُطل من خلالها أقطاب صناعة النشر فى العالم، للتواصل وتبادل الخبرات، والعمل على تطوير صناعاتهم..كما يوجد فى الركن المهنى ورش عمل ولقاءات جادة تناقش أبرز قضايا النشر..
وأبرز العناوين التى يناقشها البرنامج هى: الأكثر مبيعا بين الحقيقة والوهم..الغلاف وتأثيره على البيع..ماهو مستقبل الكتب المدرسية المطبوعة..عقد النشر..معايير النشر، أسطورة أم وهم؟ وغيرها من المواضيع الشائكة..
4- البرنامج الثقافى:
هو البرنامج الأهم فى المعرض، وهو الذى كان لى شرف الوجود ضمن المشاركين به بحفل توقيع لأحدث رواياتى والتى قوبلت بحفاوة من الشعب الإماراتى..
هناك كوكبة من المتحدثون بندوات، كان للحضور المصرى بصمة واضحة، فشاركت كرم يوسف صاحبة دار نشر الكتب خان بندوة ثرية..والدكتور محمود الضبع الناقد والمؤلف..وكان من ضمن الحضور الروائية والناشرة رشا الأمير، والفنان التشكيلى العمانى على الجابري..والروائى السودانى أمير تاج السر..والإعلامى اللبنانى الشهير زاهى وهبي..والكاتب اللبنانى واسينى الأعرج..
وتصدرت حفلات التوقيع أيضا حفلة الروائى الفائز بجائزة البوكر محمد حسن علوان والروائية الليبية نجوى بن شتوان..وكان هناك مشاركة للروائية غدير حدادين برواية (سأكتفى بعينيك قمحا للطريق)..وأيضا حفل توقيع لرواية (السلبيات) لإسماعيل فهد إسماعيل..و(أولاد الغيتو، إسمى آدم) للروائى الفلسطينى إلياس خورى..وهما روايتان وصلتا للقائمة القصيرة للبوكر..
5- ركن الرسامين:
يمثل هذا الركن المحور الحيوى حيث الإبداع والخيال، فيعرض أنشطة متنوعة تظهر مدى الإهتمام الكبير بخدمة الكتاب والمشهد الثقافى العربي والدولى..مما يجعل معرض كتاب أبو ظبي يهتم بالمشهد الفنى بوصفه أحد أركان الثقافة..ويقدم هذا الركن مجموعة مختارة من الفنانين ذوى الموهبة المميزة الذين يمثلون كافة المجالات، مثل رسوم الكاريكاتير، وتصميم الرسوم التصويرية (الجرافيك) والرسوم التوضيحية..
6- ركن الإبداع:
أما الركن الأخير فهو كما أرى الركن الأكثر أهمية فى المعرض لأنه يعمل لصناعة الغد..هو ركن يهتم بالأطفال..ويقدم ورش عمل تجمع بين المهارات والفنون والحروف والألوان والصور لتصنع عالم الطفولة..فهناك جلسات عديدة لقراءة الأعمال القصصية الطفولية، جلسات قراءة بحضور المؤلفين..جلسات تتيح للطفل ليس فقط الإستماع بل والمشاركة بأسئلة وحوارات غنية..
إنها رحلة حُرة فى عالم الحكواتية المثير الذى تربت عليه أجيالنا وأجيال من سبقونا..إنها محاولة جيدة لإستعادته اليوم من خلال أنشطة المعرض..ومنحه فرصة للإنتعاش فى وقت أوشكت فيه الهوية العربية أن تندثر بسبب إنكسار اللغة وفقدانها..
لقد راقبت بنفسي إهتمام الأطفال وهم يفترشون الأرض أمام مؤلفة تحكى لهم قصة (القطة ذو القبعة) وهى ترتدى القبعة الطويلة الحمراء المخططة وهم بالمثل يجلسون أمامها مرتدين القبعات مستمعين بإهتمام أسعدنى.
ليت الإهتمام بالطفل بنفس الطريقة يكون ثمة الدورة القادمة لمعرض كتاب القاهرة الدولى، الذى أصبح حسرتنا على التردى الذى أصابه شئ محزن..على الرغم من أن القوة الشرائية بمعرض كتاب القاهرة هى قوة لا يمكن أن تنافسها أى دولة أخرى..وإقبال الشباب المصرى على إقتناء الكتب فائدة كبيرة يجب أن يستغلها القائمين على إدارة المعرض..
7- جائزة الشيخ زايد:
على هامش فعاليات المعرض أيضا كان لى شرف حضور حفل توزيع جوائز الشيخ زايد التى فاز بها كوكبة من الباحثين والكتاب..كان أبرزهم فى فرع الآداب الروائي عباس البيضون عن روايته (خريف البراءة) الصادرة عن دار الساقى للنشر.
أقيم الحفل فى مسرح كبير داخل أرض المعارض بأبو ظبي..وحضره لفيف من الشيوخ والأمراء والقائمين على رعاية الجائزة..
8- اتحاد الناشرين العرب:
على هامش المعرض إجتمع الوفد الصينى مع الأستاذ محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، حيث تمت مناقشة واقع النشر العربى، والفرص المحتملة التى تقدمها أبوظبى للناشرين، من خلال وجود بوتقة كبيرة من الناشرين العرب من مختلف البلدان..
وبجناح الدار المصرية اللبنانية كان لى لقاء مع الأستاذ محمد رشاد رئيس إتحاد الناشرين العرب..ودار بيننا حوار حول الإجتماعات الكثيرة التى تمت على هامش المعرض..
أوضح الأستاذ محمد رشاد لى أن الحوار مع الناشرين كان حول طرح فكرة عودة الكوبونات التى تُعطى للقراء من الأطفال كوبونات مجانية لشراء قصص وكتب مما يتيح للأجيال الجديدة فرصة القراءة والإطلاع، وتعزيزا لمبادرة دولة الإمارات فى التشجيع للقراءة..
كما أن العدد الثانى صدر من مجلة الإتحاد التى لها دور كبير فى تواصل الناشرين العرب مع بعضهم فى شتى بلدان الوطن العربي..وتم عمل كتيب مماثل بأسماء الناشرين العرب باللغة الصينية وهى لغة الدولة الضيفة هذا العام لتسهيل فتح مجالات التعاون بين الصين والدول العربية..
9- همسة عتاب:
أحمل بين جنبات نفسي عتابا لكل القائمين على معرض كتاب القاهرة الدولى، أعرق وأقدم معرض فى الوطن العربي..فمصر كان لها الريادة فى تنسيق المعارض الثقافية..
لدرجة أنه قد تمت الإستعانة مع بداية فكرة إنشاء معرض كتاب أبو ظبي منذ سنين طويلة، ببعض المثقفين المصريين فى تنظيم المعرض..وهو ما جعل أواصر الصداقة والمحبة بين الشعبين تقوى وتضرب جذورها فى المنطقة العربية..وقد إستشعرت أنا هذا بنفسي كروائية مصرية كلما قابلت قارئ أو قارئة من الإمارات يفصحون عن حبهم الشديد لمصر..
المحزن حقا أننى أقابل السيد هيثم الحاج رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب فى أغلب المناسبات الثقافية، والمحزن أكثر أن السيد وزير الثقافة أيضا دائما ما يكون ضمن حضور الكثير من المعارض العربية..إذن لا محال من أنهم رأوا بأنفسهم ما يقوم به القائمون على المعارض لتشجيع القراءة..فهناك رحلات تنظم لأطفال المدارس فى يوم واحد كان أشبه بعُرس..وفعاليات عديدة تهتم بتثقيف الشباب والأطفال، بل ودور نشر تشجع الأقلام الجديدة..إنه ليس إتهام، بل ما أقوله هو فقط محاولة لتحسين الأداء..فالنقد لا يعنى التكسير بقدر ماهو دفعة للتغيير..
النظافة والتنظيم شئ واضح، وأرجوكم ألا نربط فكرة المال بالتنظيم..لأن معرض القاهرة للكتاب يوم كان فى أرض المعارض بالجزيرة كان نموذجا يحتذى به!..
المطبوعات التى يتم من خلالها إرشاد الجمهور أكثر من فاخرة وتوزيع الكتيبات فاخرة الطباعة شئ لافت للنظر..
لقد أخبرنى الناشرون العرب أنهم يدفعون فى إيجار المساحة الخاوية فى معرض القاهرة أكثر مما يدفعون هنا فى أبو ظبي!..على الرغم من وجود خدمات بل وأجنحة مجهزة بأرفف وكل وسائل الخدمة التى يتمنونها..ما يقدم من تسهيلات وإستطلاعات رأى لتحسين صورة المعرض شئ يؤكد على نجاحه..ولا أعتقد أن التنظيم والقضاء على فساد الذمم معضلة كبيرة ما لم يكن هناك إرادة حقيقية لذلك!..
إنتهى معرض كتاب أبو ظبي وسط نجاح متوقع حققه العارضون والناشرون والروائيون معا..إنتهت فعاليات المعرض بإضافة حقيقية وبصمة وضعتها أبو ظبي على ساحة الأدب العربي..
نعم..العرب قادمون..فقط لو أدركوا أن حرب الإرهاب تبدأ بإنارة العقول وإستخدام الأسلحة الفكرية وليست أبدا بإستخدام القنابل..