شرف يطلب فرصة والجيش جاهز للتدخل

أخبار مصر


حالة من الاشتباك السياسي تعيشها مصر الآن بين الثوار من جهة والحكومة والمجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد منذ تنحي الرئيس السابق، محمد حسني مبارك عن السلطة في 11 من فبراير الماضي، خاصة بعد رفض الثوار للبيان الذي أصدره الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء المصري، ردا على مطالبهم التي أعلنوها خلال جمعة الثورة أولا .

وفي غضون ذلك أعلنت 6 حركات سياسية المشاركة في اعتصام مفتوح في ميدان التحرير في القاهرة، في الوقت الذي تشهد فيه مدن مصرية أخرى كالسويس والإسكندرية اعتصامات متشابهة، وصلت إلى حد إعلان العصيان المدني بمنع المعتصمين في ميدان التحرير بالقاهرة موظفي مجمع التحرير الحكومي من الدخول إلى المبنى .

طالب الآلاف من المعتصمين في ميدان التحرير بالقاهرة، بعدم محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ضمن سبعة مطالب لإنهاء الاعتصام، مشدّدين على أن عدم الاستجابة لمطالبهم يمكن أن يدفعهم للدعوة إلى إضراب عام أو إعلان العصيان المدني.

وقال بيان صادر عن القوى السياسية، أُعلن عنه في مؤتمر صحفي بالميدان، إنه بعد 6 أشهر من انفجار ثورة شعب مصر المجيدة بدا واضحا للجميع أن الأهداف السياسية التي خرجت الجماهير من أجلها لم تتحقق، وأن النظام المخلوع مازال قائما، وهو ما دفع الجموع الشعبية إلى النزول مجددا إلى الشوارع والميادين في القاهرة والمحافظات يوم جمعة الثورة أولا .

وجاء في البيان أنّه صدر بموافقة 130 كيانًا سياسيًا، بينها أحزاب وحركات سياسية ومنظمات مجتمع مدني ونقابات مهنية وعمالية،وأورد البيان، الذي تلاه الناشط جورج اسحق، مطالب المعتصمين وهي:

- تخصيص دوائر قضائية خاصة من القضاة الطبيعيين لنظر قضايا قاتلي الشهداء والفساد السياسي والاقتصادي لحسني مبارك وأركان حكمه، ومحاكمتهم في محاكمات علنية منظورة أمام الرأي العام، وتلبية كافة الحقوق المشروعة لأسر الشهداء، والعمل على استرداد أموال وممتلكات الدولة المنهوبة في الداخل والخارج.

- تعيين وزير داخلية سياسي مدني وإعادة هيكلة الوزارة، واستبعاد ومحاكمة الضباط المشاركين في جرائم التعذيب ومقاومة الثورة، وإخضاع الوزارة لإشراف قضائي كامل.

- حل الاتحاد العام لعمال مصر بتشكيلاته الثلاثة؛ تنفيذًا للأحكام القضائية، ولكونه الذراع النقابية للحزب الوطني المنحل.

- إعداد مشروع موازنة جديدة يلبي الحاجات الأساسية للطبقات الشعبية وعلي رأسها رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه شهريًا (ما يصل إلى 200 دولار)، وتحديد حد أقصي لا يزيد على 15 ضعف الحد الأدنى، وربط الأجور بالأسعار.

- التطهير الفوري لمجلس الوزراء وكافة مؤسسات الدولة وعلى رأسها الإعلام والبنوك من رموز النظام الفاسد، ومنع قيادات الحزب الوطني المنحل من المشاركة في الحياة السياسية لدورتين انتخابيتين متتاليتين.

وسط هذه المطالب وإصرار المعتصمين على تنفيذها، لم تفلح خطوة الدكتور عصام شرف في احتواء الأزمة الراهنة من خلال لقاء مجموعة من المعتصمين بميدان التحرير، بعد ساعات من إلقاء بيانه، لبحث مطالبهم ومناقشة سبل التهدئة معهم وفض الاعتصام حتى تعود الحياة إلى طبيعتها، كما طالبهم خلال اللقاء، الصبر على الحكومة حتى تتمكن من تحقيق كافة مطالب الثورة.

فى اليوم الثاني على التوالي استمر المعتصمون في ميدان التحرير مهددين بإغلاق محطة مترو السادات ومبنى مجلس الوزراء وماسبيرو، احتجاجا على تأخر الاستجابة لمطالب الثورة .

نشرت مصادر مقربة من مجلس الوزراء المصري أن المجلس العسكري أعد خطة شاملة لمواجهة التداعيات السياسية والأمنية في البلاد حال تطور المأزق الحالي واستمرار اتساع فجوة الثقة بين جماهير الثورة والمجلس العسكري .

وقد وضع عددا من الخطط والمقترحات البديلة لتطبيقها في حالة الضرورة أهمها :

1 - احتمالات تكليف قيادة عسكرية مرموقة بمنصب وزير الداخلية أو بالإشراف على وزارة الداخلية كحل أخير يمكن اللجوء إليه لاستيعاب فقدان الثقة بين المواطنين والوزارة، والتأكد من إبعاد العناصر المغضوب عليها والتي تورطت في أعمال مناهضة للثورة أو جريمة قتل المتظاهرين خلال فترة الثورة.

2 - في حالة اللجوء إلى هذه الصياغة فإن الاحتمالات ترجح ترشيح اللواء محسن الفنجرى، عضو المجلس العسكري، وصاحب التحية الشهيرة لشهداء الثورة، لما يحظى به من قبول جماهيري كبير، ولكون التحية التي ألقاها للثوار تمثل تعبيرًا عن احترامه للثورة، وعن إدانة للسلوك الذي اعتمدته وزارة الداخلية في التعامل المسلح مع المتظاهرين .

3 - تشير المصادر أيضًا إلى أن المجلس العسكري قد درس جيدًا أبعاد عملية الانفلات الأمني التي جرت يوم جمعة الغضب الأولى في 28 يناير، الأمر الذي يمثل درسًا مهمّا لعدم تكرار حالة الانفلات الأمني مجددًا على النحو نفسه .

وفى حين لا تزال بعض القوى المضادة للثورة تعمل في الخفاء ،فعلى رأس خطط التحرك إحكام السيطرة الكاملة على المجرى الملاحي لقناة السويس، ومبنى التليفزيون، وحماية مبنى مجلس الوزراء، ومبنى وزارة الداخلية، ومباني وزارتي المالية والعدل، والمحاكم في القاهرة والمحافظات، وفرض الحماية العسكرية المباشرة على مباني السجون المدنية تحسبًا لأي عمليات مدبرة في حالة الانفلات.

4 - رفع درجة الاستعداد إلى الحد الأقصى للسيطرة على جميع المعابر والنقاط الحدودية على الحدود المصرية الإسرائيلية، والمصرية الليبية، والمصرية السودانية، لمنع تسلل عناصر تعمل على إحداث عمليات تخريب وترويع أمنى تؤثر على الأوضاع الداخلية وتعيد البلاد إلى المناخ الذي كانت عليه عشية الانفلات الأمني، بعد جمعة الغضب الأولى.

5 - خطة تأمين عاجلة للبنوك والمؤسسات المالية، ومقر البنك المركزي، والسفارات الأجنبية في القاهرة، والقنصليات الأجنبية في الإسكندرية، ورفع حالة الطوارئ في الموانئ والمطارات المصرية.

6 - الإسراع بإحالة الرئيس مبارك إلى المحاكمة العسكرية بدلاً من المحكمة المدنية في القضايا التي تنظرها النيابة العسكرية حاليًا، وهو ما يمثل حلاّ سريعًا لتجاوز مشكلات بطء المحاكمات في دوائر القضاء المدني.

7 - إمكانية تعيين متحدث رسمي للمجلس العسكري للتواصل المباشر مع وسائل الإعلام، ولتحديد أولويات الخطاب السياسي للدولة في الفترة المقبلة على المستوى الداخلي .

8 - إعلان حكومة ائتلافية من الأحزاب السياسية من قوى الثورة في حالة الاستقالة المفاجئة لشرف أو في حالة اضطرار المجلس إلى إقالة هذه الحكومة مجتمعة.

تعديل وزاري

يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه السفير محمد حجازي مستشار رئيس الوزراء للشئون الخارجية، أن الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء يجري حاليا مشاورات جادة لإجراء تعديل وزاري خلال أيام بالتعاون مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. مشيرا إلى أن الدكتور عصام شرف، لا يزال في موقعه وأنه لم يتقدم باستقالته، مضيفا أن مجلس الوزراء يدرس إمكانية علانية المحاكمات وأنه يتواصل مع كافة القوى السياسية لعودة الاستقرار للشارع المصري وفض الاعتصام بميدان التحرير.

بيد أن حالة الغليان التي يعيشها الشارع المصري الآن، لابد أن يواكبها تحركات جادة وسريعة من جانب المجلس العسكري والحكومة المصرية من أجل استقرار الأوضاع عبر تلبية المطالب الشعبية للحيلولة دون اشتعال الأوضاع مما يهدد بحدوث فوضى أمنية وربما إعلان عصيان مدني يهدد البلاد بالشلل ويؤثر على الأمن الداخلي وكذلك الأمن القومي للبلاد .

لاسيما إذا كان ذلك سيتم عبر تعديلات في الحكومة الحالية المحسوب بعض عناصرها على النظام السابق وهو ما يثير حفيظة الثوار، أو ربما من خلال حكومة جديدة يتم الإعلان عنها.

بأي حال من الأحوال لابد من القيام بأي إجراءات من شأنها إعادة الثقة بين الثوار من ناحية والمجلس العسكري والحكومة من ناحية أخرى، بعيدا عن حالة البطء التي تسير عليها العديد من الملفات التي تعتبر من أكثر الملفات المطروحة على الحكومة من حيث الحساسية .

ولعل أبرزها محاكمة قتلة المتظاهرين وحقوق اسر الشهداء، وتطهير وزارة الداخلية والتي شهدت خلال الفترة الماضية العديد من الانتقادات أبرزها التعامل العنيف مع المتظاهرين خلال المظاهرات التي شهدها ميدان التحرير مؤخرا أثناء احتفال وزارة الثقافة المصرية بمسرح البالون بالعجوزة، لتكريم أسر شهداء ثورة 25 يناير.

وربما يمكن الاستفادة من التجربة التي قامت بها تونس مؤخرا في هذا الصدد عبر الاستعانة بعناصر شابة أو ناشطين في الحكومة من أجل العمل على تحقيق مطالب الثورة والثوار فقد أعلنت تونس مطلع الشهر الجاري عن تعيين ناشط حقوقي كوزير دولة بوزارة الداخلية التونسية .

حيث عينت الحكومة الانتقالية التونسية محاميا وناشطا في مجال الحقوق المدنية في منصب كوزير معتمد لدى وزارة الداخلية .

ويعد الأزهر العكرمي، وزيرا معتمدا لدى وزارة الداخلية مكلفا بالإصلاح، ووفق بعض المحللين السياسيين فإن تعيين العكرمي يأتي في ضوء اقتناع الحكومة التونسية الآن بالحاجة إلى بعض الإصلاحات في الجهاز الأمني والرسالة هي أن الإصلاح مطلوب من خارجه .