"الفجر" تنشر أخطر رد وثائقي لنائب رئيس مجلس الدولة على إقرار "السلطة القضائية"
>> إقرار القانون فى ليلة وإصداره فى الليلة التالية يخالف أعراف البرلمانات العالمية ويناقض صناعة روح التشريع وننتظر بذات لهفة إقراره وإصداره قرارات التعيين للطعن عليها
>> استقلال القضاء عبرت عنه الإرادة الشعبية ولا يجوز لمجلس النواب تفسير أو تفصيل النصوص الدستورية بما يبعدها عن غايتها فيجعلها هائمة في الفراغ أو يفصلها عن محيطها
>> نصوص القانون رقم 13 لسنة 2017 تهميش لعشرة نصوص دستورية عن استقلال القضاء و تجريدها من آثارها و ايهانها من قوتها عن طريق تحوير مقاصدها لغير ما هدفه المشرع الدستورى والدستور يعلو ولا يُعلى عليه
>> القانون لم يضع معياراً للاختيار وسيخضع للأهواء السياسية للسلطة التنفيذية
أعد المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بحثاً علمياً وثائقياً خطيراً لقانون الهيئات القضائية خلال 24 ساعة بعد إصداره من السيد رئيس الجمهورية، مساء الخميس، تناول فيه القانون من كل جوانب العلوم الدستورية والقانونية والسياسية والاجتماعية والغائية بعنوان "قانون الجهات والهيئات القضائية بين التشريع والتشريح".
وكعادته، يرى "خفاجي" أن العلم سلاح الانتصار وتقدم الامم وهو ثالث بحث علمى يتقدم به عن منذ مراحل تكوين مولود قانون الهيئات القضائية. وأن التغلب على العدوان على استقلال القضاء يجب أن يكون بالعلم الدستورى والقانونى.
"الفجر" تنشر، على 3 أجزاء، ملخص هذا البحث الذى يعد وثيقة علمية وفقهية خطيرة لتجاوز اَثار هذا القانون المتجاوز:
الجزء الأول
أولاً: نصوص القانون رقم 13 لسنة 2017 تهميش لعشرة نصوص دستورية عن استقلال القضاء و تجريدها من آثارها و إيهانها من قوتها عن طريق تحوير مقاصدها لغير ما هدفه المشرع الدستورى والدستور يعلو ولا يُعلى عليه:
يقول خفاجي إن نصوص القانون رقم 13 لسنة 2017 يتعين بحث دستوريتها عن طريق ردها إلى أحكام الدستور جميعاً، تغليباً لتلك الأحكام على ما دونها وتوكيداً لسموها على ما عداها، لتظل الكلمة العليا للدستور باعتباره القانون الأساسي الأعلى في البلاد الذي يرسي القواعد والأصول، التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، الذى حدد للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية صلاحياتها، واضعاً الحدود التي تقيد أنشطتها، وتحول دون تدخل كل منها في أعمال الأخرى، مقرراً الحقوق والحريات العامة مرتباً ضماناتها.
ولا يجوز لمجلس النواب، وقد أورد الدستور فى عشرة نصوص دستورية مبدأ استقلال السلطة القضائية، مخالفتها وفى حدود تلك الدائرة التي لا يجوز اقتحامها، فلا يمكن أن تكون النصوص الدستورية - وتلك غاياتها - مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الأجيال إليها، وإنما هي قواعد ملزمة لا يجوز للسلطة التشريعية تهميشها أو تجريدها من آثارها أو ايهانها من قوتها عن طريق تحوير مقاصدها لغير ما هدفه المشرع الدستورى منها ورمى إليه، ويجب أن يعلو الدستور ولا يُعلى عليه وأن يسمو ولا يُسمى عليه.
ويضيف المستشار الدكتور محمد خفاجى أنه فى مجال الشرعية الدستورية لا تستقيم موطئاً لإبطال نصوص قانونية يحتمل مضمونها تأويلا يجنبها الوقوع في هاوية المخالفة الدستورية، إذ يتعين دوما تفسير النصوص التشريعية محل العدوان بما يوائم بين مضمونها وأحكام الدستور جميعا، بحيث لا يكون وصمها بعدم الدستورية إلا عند تعذر ذلك التفسير وتلك المواءمة.
وفي هذه الحالة تكون الرقابة بإنزال حكم الدستور في شأن تلك النصوص المعروضة لقيام شبهة قوية في مخالفتها لقواعده بدءا بالأحكام الواردة بالنصوص ذات الصلة المباشرة وانتهاء بتلك التي تقرر المبادئ العامة التي وضعت لتحقق مبدأ عزيز صار بإجماع المجتمع الدولى من المبادئ العالمية وفقاً لما ورد في الإعلان العالمي لاستقلال العدالة الصادر عن مؤتمر مونتريال في كندا عام 1983، وكذلك في "المبادئ الأساسية بشأن استقلال القضاء" الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1985 والتي تعتبر الميثاق المرجع الدولي بشأن استقلال القضاء، حيث نصت في البند الأول على أن " تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية"، فأصبح مبدأ استقلال القضاء مبدأً دولياً هاماً يشكل التزاما دولياً على جميع الدول لا يجوز مخالفته دولياً ومحلياً .
ثانياً : استقلال القضاء عبرت عنه الإرادة الشعبية ولا يجوز لمجلس النواب تفسير أو تفصيل النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن غايتها فيجعلها هائمة في الفراغ أو يحولها لمجرد قيم مثالية منفصلة عن محيطها :
يقول خفاجى: "إن الأصل في النصوص الدستورية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجا متآلفا متماسكاً، بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض، وإنما يقيم منها في مجموعها ذلك البنيان الذي يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يجوز بالتالي لمجلس النواب أن يفسر أو يفصل النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها، ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي.
وإذا كانت النصوص الدستورية العشرة عن استقلال القضاء قد تضمنت بيان قيد يتعين على المشرع العادي عندما ينظم أحكام السلطة القضائية الالتزام به، وعدم الخروج عليه فإن المشرع العادى يكون قد استعمل رخصته في التنظيم في غير أغراضها الدستورية، وفاضل بين البدائل المختلفة على نحو يغاير أحد أهم المبادئ الدستورية المتصلة بحقوق وحريات المواطنين وهو مبدأ استقلال القضاء، بعد أن منح السلطة التنفيذية فرص النفاذ إلى هذا الاستقلال بالمخالفة لما تنتهى إليه إرادة جمعياتهم العمومية وعلى نحو يغاير إعلاء إرادة الجمعية العمومية لنظرائهم الاقران باختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا وعلى اعتبار أن استقلال السلطة القضائية في اختيار رؤسائها واحد من أهم الضمانات اللازمة لحماية حقوق وحريات المواطنين وهى من أهم الضمانات المعمول بها في الأنظمة الدستورية المقارنة".
ثالثا : القانون لم يضع معياراً للاختيار وسيخضع للأهواء السياسية للسلطة التنفيذية
ذكر أن القاضى – خاصة قاضى القانون العام بشقيه الدستورى والإدارى - يجب أن يتوافر له من الضمانات ما يكفل استقلاله فى ممارسة الرقابة القضائية على نشاط السلطتين التنفيذية والتشريعية , وهذه الضمانات ليس المقصود بها حماية القاضى نفسه بل من أجل صالح المتقاضين وحسن سير العدالة ويكون ذلك بكفالة استقلال القاضى فى الحيدة والتجرد ليتمكن من مواجهة أية ضغوط أو مؤثرات قد يتعرض لها فلا يخضع لهوى أو يخشى فى الحق جاه أو سلطان.
و طريقة اختيار رؤساء السلطة القضائية بيد رئيس الجمهورية وبالطريقة التلاحقية الانتقامية الاقصائية التى صدر بها القانون لا يتحقق معها أية ضمانات لاستقلال القضاء، لأن مناط الاختيار سيخضع للأهواء السياسية وسيسود العامل السياسى أو بالأدق فقهياً الهوى السياسى فى الاختيار ، مما يؤثر على سير العدالة فلا يستطيع من صدر لصالحه الاختيار وهو الاحدث عن زملائه الخروج على السلطة التى اختارته وستكون قراراته مطابقة لاتجاهات تلك السلطة ولن تكون رقابته على السلطة التنفيذية رقابة فعالة أو منتجة بل سيظل خاضعاً لتلك السلطة التى اختارته .
ويضيف المستشار الدكتور محمد خفاجى أن اتحاد السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية فى الانتقاص من مبدأ استقلال القضاء، وتمكين الأولى للثانية للقيام باختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، مما يضعف استقلالها وينتقص منه ويشدها بعيدا عن طبيعتها القضائية، وبهذه المثابة يكون هذا القانون انتكاسة لمبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، وقد ظن الشعب أنه بعد ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013 أنه سيتنسم عبير الحرية بعد طول معاناة من الاعتداء الغاشم على حقوق وحريات المواطنين، واستقلال القضاء أحد أهم ضماناتها.
ويمثل هذا القانون خطرا حقيقيا يؤثر فى استقلال القضاء لأن السلطة التنفيذية تستطيع دوما اختيار رؤساء السلطة القضائية ممن ترى انهم ينتمون لنفس اتجاهاتها السياسية، رغم أن الاصل أنه يجب أن يكون تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية معقوداً لجمعياتها العمومية بعيداً عن اختيارات السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى تتمكن السلطة القضائية من القيام بدورها الدستورى فى مواجهة أية تجاوزات للدستور من جانب هاتين السلطتين .
رابعاً : إقرار القانون فى ليلة وإصداره فى الليلة التالية يخالف أعراف البرلمانات العالمية ويناقض صناعة روح التشريع ويعارض فكرة القانون وننتظر بذات لهفة إقراره وإصداره قرارات التعيين للطعن عليها:
أكد أن طريقة إصدار القانون رقم 13 لسنة 2017 بشأن تعديل طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية الأربع، تتسم باللهفة التى لا تتسم بها إصدار التشريع فى النظم القانونية العالمية، فقد أقر مجلس النواب القانون مساء الأربعاء الموافق 26 ابريل 2017، وفى اليوم التالى مباشرة، الخميس الموافق 27 ابريل 2017، صدر القانون بقرار رئيس الجمهورية رقم 13 لسنة 2017 .
ومن الغريب أنه نشر فى ذات يوم الخميس، فى الجريدة الرسمية العدد 17 تابع فى 27 ابريل 2017، ونص فى المادة الخامسة منه على أن ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به من اليوم التالى لتاريخ نشره، وهذا له دلالته فى إسراف السلطة التشريعية فى إقرار مشروع القانون على وجه السرعة، وتلقفته السلطة التنفيذية وأصدرته فى اليوم التالى رغم مناشدة القضاة للرئيس بالتروى والتأنى والاعتراض على هذا القانون ورده لمجلس النواب خلال الثلاثين يوما من إقراره.
وكنت أنا أول من نبه إلى ذلك، مساء الثلاثاء 25 ابريل ،2017 وأول من أرسل رسالة للرئيس، عبر مؤتمر الشباب بالإسماعيلية، من واقع حبى لوطنى وإعجابى بالرئيس، واختتمتها بعبارة: " أنه إذا اهتز القلم فى يد القاضى من فوق المنصة، ارتعش المدفع فى يد المقاتل فى الميدان" ثم أعقبها مناشدة نوادى القضاة للرئيس بالاعتراض على هذا القانون.
كما قدمت قبلها بنحو ثلاثة أسابيع، دراسة علمية فقهية مستفيضة عن وضع طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية فى الميزان الدستورى والمعايير الدولية، لكن مجلس النواب أصم أذنيه عن سماع الثوابت الدستورية، كما غض بصره عن قراءة ما انتهى إليه قسم التشريع برئاسة أستاذنا المستشار الجليل أحمد أبو العزم، نائب رئيس مجلس الدولة وعضو المجلس الخاص، والمختص دستورياً بمراجعة مشروعات القوانين، بل وصمت فم مجلس النواب عن مناقشة رفض المجالس القضائية العليا للجهات والهيئات القضائية، فأضحى مجلس النواب بشأن إقراره لهذا القانون فاقداً للحواس الثلاث اللازمة لصناعة التشريع والتى لا يمكن تجاهلها تجاه سلطة موازية له مثل السلطة القضائية .
ويضيف المستشار محمد خفاجى: "إن الأعراف البرلمانية على مستوى العالم لا تسرف فى إقرار مشروعات القوانين على وجه السرعة إلا إذا كانت هذه السرعة لازمة وضرورية لمواجهة حالة طارئة ملجئة , والسرعة بغير ضرورة بشأن اقرار واصدار هذا القانون تعد مناقضة لروح وأصول صناعة التشريع بل إن تلك اللهفة التى لازمته ضد فكرة القانون كما يعرفها برلمانات العالم المتحضر".