منال لاشين تكتب: الحكومة ترسب فى امتحان الصندوق "شفوى وتحريرى"
■ تقرير النقد الدولى: كل قطاعات الاقتصاد لم تستفد من تعويم الجنيه باستثناء البورصة
■ وخلال المفاوضات: المصريون لن يتحملوا مزيدا من إجراءات التقشف
■ لاجارد لطارق عامر: ارفع سعر الفائدة على الودائع حتى لا ينفجر التضخم وتنفلت الأسعار
■ كارثة القروض: مصر تقترض 17 مليار دولار من البنك الآسيوى للاستثمار والصناديق العالمية
يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان، وامتحان الحكومة أو بالأحرى وفد مصر مع صندوق النقد لم يكن هينا ولا سعيدا. الحكومة رسبت فى امتحان صندوق النقد، رسبت فى الشفوى والتحريرى، الشفوى من خلال مباحثات وفد مصر مع وفد الصندوق المسئول عن مصر والشرق الأوسط. ورسبت فى الامتحان التحريرى من خلال تقرير صندوق النقد عن الاقتصاد المصرى، وذلك من خلال التقرير السنوى عن الاقتصاد العالمى. واستكملت دائرة الفشل بالبحث عن مزيد من القروض الخارجية.
1- الامتحان التحريرى
بعد خمسة أشهر على تعويم الجنيه.. بعد 150 يوما سوداء على المواطن. فان المواطن المصرى دفع الثمن غاليا دون نتائج إيجابية على الاقتصاد
على بلاطة احنا بنعانى ببلاش. بنطحن فى معركتنا مع الأسعار باليد اليمنى، دون أن نستفيد من التعويم باليد اليسرى.
احنا اشبه باللى اشترى الترام أو إسماعيل ياسين لما اشترى العتبة الخضرا فى فيلمه الشهير. الفارق الوحيد أن إسماعيل ياسين وجد من يحمى أمواله فى النهاية، واتمنى أن يجد المواطن المصرى من ينقذه من هذه الحالة.
نبدأ بتقرير الصندوق عن الاقتصاد المصرى بعد خمسة أشهر من قرار تعويم الجنيه من ناحية وتقليص دعم الكهرباء والبنزين والمترو من ناحية أخرى.
يطرح التقرير سؤالا صادما ومحرجا لكل من الحكومة والبنك المركزى معا. السؤال الختامى لماذا لم يستفد (الاقتصاد الحقيقى) فى مصر من قرار تعويم الجنيه؟
وتعبير الاقتصاد الحقيقى يشمل قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والتصدير، باختصار الاقتصاد الحقيقى يشكل كل قطاعات الاقتصاد باستثناء البورصة وسوق المال.
وبعد الثمن الفادح الذى يدفعه كل مواطن نتيجة الغلاء، فان تقرير صندوق النقد يكشف أن كل قطاعات الاقتصاد لم تستفد من التعويم، الاستثمار المباشر لم يشهد طفرة ولا تقدما يذكر، ولا نزال فى مرحلة الاستثمار غير المباشر سواء فى البورصة أو سندات وأذون الخزانة. وهو استثمار قصير الأجل على طريقة (خذ الارباح واجرى) ولذلك يطلق على الاموال المستثمرة فى هذا المجال لقب أموال ساخنة (هوت مونى).
وبلغة الارقام قام الصندوق بتخفيض توقعاته المتفائلة للاقتصاد المصرى. بعد أن كان الصندوق يتوقع أن يصل معدل النمو إلى 4,5% خفض الرقم إلى 3،8%. وارتفع معدل التضخم السنوى إلى 22% بدلا من توقعات الصندوق الأولى بـ18% فقط.
2- الامتحان الشفوى
بعيدا عن التقرير الورقى أو الامتحان التحريرى فإن مباحثات الوفد المصرى مع وفد الصندوق على هامش اجتماعات الربيع لم تكن سهلة ولا لطيفة وتحمل مناقشات يجب أن تدرسها الحكومة والبنك المركزى جيدا ويتخذون خطوات عاجلة وقرارات حاسمة.
خلال استعراض الوفد المصرى لخطوات الإصلاحات القادمة والتى تشتمل على مزيد من خفض دعم الكهرباء والمواد البترولية، خلال هذه المناقشة طرح وفد الصندوق سؤالا مهما. السؤال الخطير كان هل يحتمل المصريون مزيدا من اجراءات التقشف. خاصة فى ظل وصول التضخم وغلاء الأسعار لمستوى قياسى. وتشمل خطة التقشف أو إصلاح عجز الموازنة سعر أسعار الكهرباء والوقود بأنواعه، وسيؤثر هذا الرفع على مزيد من ارتفاع الأسعار، فضلا عن تأثيره السلبى على قدرة المواطن على الوفاء بالاحتياجات الاساسية له من (أكل وشرب)
كما أن فشل الحكومة حتى الآن فى دفع عجلة الاقتصاد لايبشر بانخفاض حاسم أو مؤثر فى سعر الدولار. ولذلك ليس من المتوقع انخفاض أسعار الأدوية والعديد من السلع المرتبطة بالدولار فى القريب العاجل.
وكان التضخم ضمن المناقشات الساخنة. بعثة الصندوق طلبت أو اقترحت على محافظ البنك المركزى طارق عامر رفع سعر الفائدة على ودائع البنوك لمواجهة التضخم. وخرجت مدير البنك كرستين لاجارد على العلن ببيان تحذر من التضخم وتطالب بحلول من بينها رفع سعر الفائدة وبصراحة أكبر طلب مسئول الشرق الأوسط بالصندوق رفع سعر الفائدة.
ورفع سعر الفائدة يضمن سحب السيولة المالية فى السوق. ففى ظل ضعف الانتاج وقلة المعروض من السلع فإن أحد الحلول البديهية لضبط الاسواق هو رفع سعر الفائدة لسحب السيولة المالية الزائدة فى الأسواق. فمع تزايد المطبوع من الاموال. فهناك اموال لا يقابلها إنتاج سلع. هذا ليس اختراعا جديدا ولكنه ألف باء السياسة النقدية. وأحد أهم مسئوليات البنك المركزى لمحاربة التضخم.
3- اختبار القروض
بعيدا عن فشل الحكومة فى امتحان الصندوق، أو بالاحرى استكمالا للفشل. فإن الاسبوع الماضى شهد التطور الاسوأ فى كارثة القروض الخارجية. ففى ظل عجز وفشل الحكومة عن انعاش الاقتصاد، وفى ظل أن الاقتصاد الحقيقى لم يستفد من التعويم. فى ظل هذا وذاك أعادت الحكومة فتح ملف القروض الأجنبية، وذلك فى رحلة البحث عن قروض جديدة. فوزارة المالية تستعد لطرح سندات دولارية جديدة بـ2 مليار دولار على صناديق الاستثمار الدولية. وهذا الرقم قابل للزيادة. والسندات هى نوع من القروض. ولكن يبدو أن السندات لم تكف نهم الحكومة الفاشلة والعاجزة للاقتراض. ثمة مزيد من القروض فى الطريق، مباحثات مع البنك الآسيوى للاستثمار. صلنا لاسيا. والمباحثات حول قروض من 10 إلى 15 مليار دولار على خمس سنوات، وبشروط ميسرة سواء فى سعر الفائدة أو سنوات السداد. وبعيدا عن مزايا القرض، فالقرض دين فى ظل ارتفاع غير مسبوق فى القروض الخارجية لمصر. ووصولها إلى حدود 66 مليار دولار. وذلك بالإضافة إلى قروض الهيئات الحكومية التى لا تضمنها الحكومة أو البنك المركزى للقروض الخارجية.
هوس القروض الخارجية ليس مرضا نفسيا تعانى منه حكومتنا، ولكن دواء لمرض الفشل الذريع فى دفع عجلة الاقتصاد وانعاشه. وفى حل مشكلات الاقتصاد بكل قطاعاته. الأمر المثير للغضب بالفعل هو أن هذه القروض تتحول إلى انجازات الحكومة. فمع كل قرض جديد يتحول جزء من القرض للاحتياطى النقدى. وتهلل الحكومة والمركزى إلى وصول الاحتياطى لمستويات قياسية منذ خمس أو ست سنوات. رغم أن كلا من الحكومة والمركزى يعلمان أن معظم الاحتياطى قروض من كل نوع وشكل ومن كل دول العالم، حاجة تكسف. ولا تبشر بانتعاش حقيقى للاقتصاد والأهم لأحوال المصريين الذين وقعوا فريسة التعويم وخفض الدعم وفشل الحكومة فى السيطرة على الأسعار، إنه مثلث الرعب والمعاناة التى سجن فيها الشعب المصرى.