أحمد فايق يكتب : مهرجان وهران والحنين للماضي
كانت بداية مهرجان وهران للسينما العربية بالجزائر منذ 6 سنوات، تبشر بمهرجان قوي للسينما العربية، يحتضن كل الأفلام العربية المميزة، يمنح الأفلام الفائزة جوائز مالية ضخمة تصل إلى 50 ألف دولار للفيلم الفائز بالجائزة الكبرى، حملت الدورة الأولى ظروفا إستثنائية، فقد بدأت في وقت تضمد فيه الجزائر جروحها من ألام العشرية السوداء، ففترة الإرهاب في الجزائر قتلت مالايقل عن 200 ألف جزائري بأبشع الطرق، حيث أقيمت ثلاث مسابقات للفيلم الطويل والفيلم القصير والكتابة النقدية، وفي غضون ثلاث دورات أصبح للمهرجان إسما كبيرا ينافس بقوة كبرى المهرجانات في الشرق الأوسط، وكعادة المهرجانات العربية حدث خللا كبيرا حينما تغيرت الإدارة.
فجائت إدارة جديدة خلال الدورة الماضية تهدف فقط إلى محو كل ماصنعته الإدارة السابقة، لم تجري تقييم موضوعي للسلبيات والإيجابيات، بل كان الهدف واضحا والحكم المسبق أمام الجميع، وهو أن كل ماصنعته الإدارة السابقة يجب أن يدفن، فقد إنخفضت قيمة الجوائز المالية لتصل إلى 20 ألف دولار للفيلم الفائز بالجائزة الكبرى بدلا من 50 ألف دولار، وتم إلغاء مسابقة الكتابة النقدية، بدعوى عدم وجود ميزانية رغم أن المهرجان لم يخلو من فخامة وتبذير أموال في غير محلها، إختيارات غير مفهومة للأفلام، فمن المعروف أن المهرجانات الكبرى والمتوسطة وحتى الصغيرة تسعى لعرض الأفلام عرض أول، أو على الأقل أفلام حديثة من إنتاج العام، إلا أنهم في هذه الدورة أدرجوا أفلاما من إنتاج 2010 في المسابقة الرسمية مثل فيلم الشوق للمخرج خالد الحجر، وهذا خطأ لا يتحمل مسئوليته سوى لجنة الإختيار بالمهرجان، حتى لجان التحكيم كانت مفاجأة للجميع، فبعض الأسماء تم إدراجها في اللحظة الأخيرة، وهناك أسماء أخرى لا علاقة لها بالسينما، هذا غير فوضى التنظيم، وتأخر موعد العروض، والمشاكل الفنية أثناء العروض، والندوات المفاجأة، وعدم الإهتمام بالورشات بالشكل الكافي، وعدم توفير ميزانية لدعم إنتاج سيناريوهات جزائرية أو عربية، وغياب نجوم السينما الجزائرية.
فشل المهرجان في تنظيم إحتفالية تليق بمرور خمسين عاما على إستقلال الجزائر، رغم أن معظم المهرجانات العربية سبقتهم بإحتفاليات أفضل وأهم على المستوى الفني، فقد كان مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية هو أول من بادر بالإحتفال بخمسينية الإستقلال والسينما الجزائرية، من خلال تنظيم إسبوع كامل تم عرض فيه روائع السينما الجزائرية، وتم تنظيم ندوة عن السينما الجزائرية شرفت بالمشاركة فيها مع الإعلامي الجزائري الكبير جمال الدين حازورلي، وتحدث فيها السفير الجزائري بالقاهرة نذير العرباوي بوعي سينمائي مخضرم، يعلم جيدا قيمة السينما الجزائرية، وإحتفلت مهرجانات أخرى من بعدها بالسينما الجزائرية منها مهرجان القاهرة السينمائي الذي عرض فيلم سينمائيو الحرية للمخرج سعيد مهداوي وصدر كتاب عن المهرجان يتناول جيل الواقعية الجديدة في السينما الجزائرية من شباب صنعوا أفلاما مستقلة تحمل حرية سياسية أكبر وحضور قوي للمرأة ولغة سينمائية حديثة، كما إحتفلت مهرجانات أخرى بالسينما الجزائرية منها أبو ظبي ودبي والدوحة، حتى أباء السينما الجزائرية الذين شاركوا في ثورة التحرير بأفلامهم لم يظهروا في مهرجان وهران ومنهم المخرج الكبير محمد لخضر حامينا والمخرج الكبير أحمد راشدي .
الخبرات في تنظيم المهرجانات موجودة في الجزائر وبشكل كبير لكنها غير مستغلة ويتم الإستعانة أكثر بالهواة في صناعة حدث ثقافي بهذا القدر والقيمة، فهناك من جيل الكبار الناقد أحمد بجاوي الذي كان دوره شرفيا فقط في هذه الدورة، ولم يستعينوا بخبرته، وهناك أيضا الإعلامي والسينمائي جمال الدين حازورلي لكن لم يكن له حضور قوي مثل بقية الدورات، ومن جيل الشباب هناك الناقد نبيل حاجي الذي يستطيع وحده تنظيم مهرجان كبير، خسر المهرجان أيضا نبيلة رزايق المدير الفني السابق له، والتي صنعت في وقت قصير دورة أفضل بكثير من الدورة السابقة، وسبق وخسر المهرجان المخرجة الشابة ياسمين الشويخ التي كانت ضمن الفريق الذي صنع العصر الذهبي للمهرجان أيضا خسر رابحة عشيت وأمينة وغيرهم ممن صنعوا دورات كبيرة للمهرجان وعلى رأسهم حمراوي حبيب شوقي، هناك أسماء أخرى تستطيع إنقاذ المهرجان من الإحتضار مثل نصيرة عباسي، هذا غير أسماء لامعة من الشباب في الصحافة الجزائرية تستطيع أن تصنع مهرجانا طازجا مثل مسعودة بوطلعة وقادة بن عمار، هذا غير سليم أجار مدير أيام السينما الجزائرية والذي نجح بإمكانيات بسيطة في صناعة حدث ثقافي هام.
هذه الأسماء مجرد عدد قليل ممن يمتلكون خبرات من أجيال مختلفة تستطيع أن تنقذ مهرجان وهران من كبوته، وتقف به مرة أخرى، فالمنافسة قوية بين التظاهرات الثقافية العربية، والجزائر بلد كبير سينمائيا، وتستحق مهرجانا أفضل مما رأيت خلال الأيام الماضية، ولا أعتقد أن خليدة تومي وزيرة الثقافة الجزائرية ترضى بالمستوى الذي خرجت به الطبعة السادسة لمهرجان وهران للفيلم العربي.