عادل حمودة يكتب: لا وقت للدموع ويكفى ما نصبنا من سرادقات للعزاء
■ فى موجة العنف الخفيفة فى التسعينيات حارب عادل إمام ووحيد حامد وأسامة أنور عكاشة وسعيد عشماوى الإرهاب بالكلمة والصورة والدراسات الفقهية أما الآن فالكل يتفرج صامتا
■ حرض عمر عبدالكافى على ازدراء الأقباط فأجبره رئيس مباحث أمن الدولة على الذهاب إلى البابا لتهنئته بعيد القيامة
■ الإرهابى التائب عادل عبدالباقى: جندت 10 آلاف مقاتل ولم يقبض علىّ فالكلمة أخطر من القنبلة
كتب الله أن يبدأ بمصر التقويم وينتهى بها التكوين.
مهما نزفت ومهما تعبت ومهما صرخت فإنها ستبقى على قيد الوجود إلى يوم الدين.
كل من فكر ودبر مؤامرة لنسفها أو تفتيتها أو شطبها انتهى به المقام فى مستوصف للمهووسين.
1- لغز الشيخ عبدالكافى من الهجوم على الأقباط إلى تهنئة البابا بعيد القيامة!
يبدأ الإرهاب بكلمة تمهد لرصاصة تصيب القلب فى غياب الوعى.
وعلى منابر النور سيطرت حناجر خرجت منها فتاوى الظلام.
فى بداية عام 1992 سيطر الدكتور عمر عبدالكافى على ملايين المريدين الذين يسمعونه فى مسجد أسد بن الفرات دون أن ينسى مواعظ النساء فى نادى الصيد ودروس الفنانات المعتزلات فى بيوتهن.
لم يكن دكتورا فى الفقه أو الشريعة وإنما كان دكتورا فى المركز القومى للبحوث.. وبملابسه الحديثة ولحيته المهذبة.. وشرائطه التسعين التى طرحت بلا رقابة من الأزهر أو المصنفات الفنية لم يتردد فى مهاجمة المسيحيين والسخرية منهم.
حرض مستمعيه على عدم مشاركة الأقباط فى أفراحهم وحرم الذهاب إلى كنائسهم ورفض رد التحية لهم إلا بجمل سخيفة.. مثل «ازيك يا خواجة».. «مالك وشك أصفر كده يا عكر».. وبالطبع لا نجاملهم فى الأعياد.
لكن.. قبل ذلك فرض اللعنة للمرأة العاملة التى تسافر إلى عملها واعتبرها آثمة.
فى ذلك الوقت كنت مسئولا عن تحرير «روزاليوسف» فلم أتردد فى نشر ما كتب إبراهيم عيسى عنه مطالبا النائب العام بالتحقيق فى فتاوى عبدالكافى المفتتة للوحدة الوطنية والداعية لكراهية المسيحيين وتقليب المسلمين عليهم فيما يزيد من خطر الإرهاب الذى كان نشطا ومنتشيا وقتها.
كنا على عتبة عيد القيامة عندما انفجرت القضية حتى وصلت شظاياها إلى رئاسة الجمهورية فلم تسكت أو تغمض عينيها أو تسد أذنيها وإنما طلبت من مدير أمن الدولة وقتها تقريرا عما نشر.
واستدعى عبدالكافى إلى مكتب مدير مباحث أمن الدولة بعد منتصف ليلة «الجمعة الحزينة» وهناك حدث شىء ما يصعب الكشف عنه جعل عبدالكافى يعتذر عما يقول عن الأقباط.. بل.. إنه وافق على الذهاب إلى الكاتدرائية ليهنئ البابا شنودة بالعيد الذى لم يكن يعترف به.. ونشرت «روزاليوسف» صورة للبابا وهو يتوسط عبدالكافى ووزير الأوقاف محمد على محجوب.
لم تراجع عبدالكافى عن أفكاره؟.. ما الذى سمعه وشاهده فى مكتب رئيس مباحث أمن الدولة جعله يقبل بلا تردد الذهاب للكاتدرائية وتهنئة البابا بعيد القيامة؟.. لا أحد يعرف الإجابة.. وإن عرفنا أن عبدالكافى لم يستطع أن يواجه مريديه بعد ما حدث فسافر إلى دبى ليظل هناك حتى رحيل مبارك عن الحكم وعاد بعد ذلك إلى مصر خافت الصوت.
لم تتوقف منابر السلفيين عن الهجوم على الأقباط ولا تزال كتاباتهم التحريضية على أهل الكتاب تباع على أرصفة المساجد فى كثير من المدن المصرية وأكبرها الإسكندرية.. لكن.. لا أحد انزعج.. ولا أحد تحرك.. والغريب أننا بعد ذلك بكينا ضحايا تفجيرات الكنائس فى القاهرة وطنطا والإسكندرية.. وما لم ننتبه إلى خطورة الكلمات المسمومة فلن تتوقف تفجيرات الأحزمة الناسفة.
2- ثلاثة كتب لتجنيد القتلة تحت العشرين بشرط توافر الجهل بالدين!
لم تتغير مرجعية التطرف والتعصب والتكفير والتفجير.
يبدأ منهج غسل مخ الشباب الصغير بكتاب أبوالأعلى المودودى «المصطلحات الأربعة» الذى كتبه فى ظروف سياسية خاصة عند انفصال باكستان عن الهند ويتحدث فيه عن الجهاد.
وبحفظ الكتاب يوقن الشاب أنه يعيش فى مجتمع كافر.. يحكمه نظام كافر.. ووجب عليه قتالهما وتغييرهما بالقوة مهما سقط من ضحايا.
ويأتى بعده كتاب سيد قطب «معالم فى الطريق» الذى يدعو إلى الانقلاب على النظام والمجتمع بعد تكفيرهما فهما يعيشان فى حالة جاهلية جديدة يوجب معها قتالهما حتى يشهرا إسلامهما.
أما الكتاب الثالث فهو «الحكم الجدير بالإذاعة» لابن رجب الحنبلى الذى استخدم مدخلا لفتاوى السطو والنهب والاستحلال بدعوى أن الله أباح للنبى سليمان عرش بلقيس.. كما أن الله خلق المال لكى يستعين به المسلمون على طاعة الله فإذا أخذه المشركون واستعانوا به على معصية الله وجب على المسلمين سلبه منهم ليردوه إلى أصحابه الأصليين.
تخيلوا شابا لم يصل إلى سن العشرين ولم يسبق أن قرأ حرفا فى حياته تبدأ معرفته بالدين من هذه الكتب الثلاثة.. لابد أنه سيتخيل نفسه وكيل الله على الأرض.. المكلف بصيانة دينه الحنيف وانتزاعه من أيدى الكفار ولو فجر نفسه بحزام ناسف.
والمؤكد أن هناك شروطا صارمة للتجنيد.. ألا يزيد عمره عن 17 سنة.. من بيئة اجتماعية متواضعة.. لم يمسك كتابا من قبل.. ويفضل ألا يكون متعلما ليسهل تنفيذ الأمر بلا مقاومة.
إن الذى طعن نجيب محفوظ فى رقبته لم يسمع عنه من قبل والذى قتل فرج فودة لم يكن يفك الخط والذى حاول اغتيال عاطف صدقى كان يسرح بقفص فاكهة على رأسه قبل انخراطه فى جماعة إرهابية.
هل مازلنا بعد ذلك ننكر دور التليفزيون فى تنقية وعى البسطاء قبل أن يصبحوا قتلة؟.. هل مازلنا مصرين على الاكتفاء فقط ببرامج «النفسنة النسائية» ومسلسلات الخيانة الزوجية؟!
3- زنى محارم وزواج وطلاق دون حساب أيام العدة!
ليسوا أصحاب قداسة كما يتصور أتباعهم.
تزوج عمر عبدالرحمن وهو سجين فى ليمان طرة من مدرسة لغة إنجليزية وعندما جاءت لزيارته صنع أتباعه ساترا من البطاطين ليدخل عليها.
وكان يفتى بصيام ستين يوما للتكفير عن قتل الضباط والجنود.. كفارة للتخلص من ذنب الدم.. بعد أن ادعى أن العصمة فى يده دون حجة عليه.
وقدمت امرأة بلاغا فى النيابة العامة ضد شيخ اشتهر بقراءة القرآن بطريقة مؤثرة تبكى من يسمعها لأنه عاشرها فى الحرام وأقنعها بغير ذلك.
ويكفى أن يرفض عضو فى جماعة من تلك الجماعات أمرا لأميرها حتى يطلق زوجته منه ويزوجها لرجل آخر ولم يهتم أحد بحساب أيام العدة.
4- جند 10 آلاف إرهابى ولم يطلق رصاصة واحدة فالفكرة أخطر من البندقية
ولد عادل عبدالباقى فى 9 إبريل عام 1961 ونجح باعترافه فى حديث سجله التليفزيون عام 1993 أن يجند عشرة آلاف شاب للتنظيمات المسلحة دون أن يتهم فى قضية واحدة فمهمته كانت زرع الأفكار الإرهابية فى رءوسهم وهى على ما يبدو ليست جريمة فى القانون المصرى.
قال: «أنا لم أحمل بندقية لكن كل الذين نفذوا العمليات تلاميذى أنا لم أحمل بندقية ولكن فكرى دفع الشباب ليحملها ويطلقها».
ولم يتردد عبدالباقى فى الكشف عن تمويل «الإخوان» لعمليات العنف دون أن ينسوا إصدار بيانات شجبها.
قدم المحامى وعضو النقابة وقتها «م. ن» إلى رفاعى سرور أحد رءوس التنظيمات شيكا بربع مليون جنيه لينفق منها على المعتقلين «وفى مرة أخرى ذهب عبدالباقى إلى صاحب شركة مقاولات وتوظيف أموال فى مصر الجديدة اسمه «أ. ع» فأعطاه 200 جنيه ليستعين بها على طاعة الله وهذا الرجل نفسه كان يوزع الأظرف المعبأة بالأموال على أسر المعتقلين».
ويعترض عبدالباقى على قوافل الدعاة الذين كانوا يناقشونهم فى السجون فقد كانوا متعالين علينا فإما نسمعهم بلا نقاش وإما ندخل السجن أو ندخل جهنم.
«لا أحد من الدعاة توقف عند حالة طفل صغير يدخل المسجد ويتربى فيه إلى أن يصبح شيخا أو صانع قنابل ويترك كلية العلوم ليبيع جوارب أو يترك مركز إخصائى جراحة ليصلح ساعات».
جرى هذا الحوار منذ سنوات طوال ولكنه لا يزال صالحا للاستفادة منه.. فالإرهاب هو الإرهاب.. يقوم على أسس ثابتة وإن تغيرت الأسماء والتواريخ والأحداث.. لا تزال مصادر التكفير والتجنيد والتمويل والتنفيذ كما هى وإن تغيرت المواقع.
ادرسوا هذا الشريط النادر الذى يسجل خبرة إرهابى تائب لنضيف إلى المواجهة الأمنية مواجهة فكرية وعملية.
5- سؤال سيحرج الأزهر والأحزاب والنقابات والوزارات وشبكات التليفزيون!
لم تكن موجة الإرهاب التى اجتاحت مصر بالعنف الذى جاءت به موجة الإرهاب التى نعيشها الآن.
كانت الموجة السابقة محدودة التأثير والتمويل.. محصورة داخل حدود البلاد.. لا تزيد قنابلها فى أغلب الأحيان على قنابل المسامير.. أما السلاح فكان الحصول عليه من رجال الشرطة بعد الاعتداء عليهم.. وفى الوقت نفسه كانت أجهزة الأمن الإقليمية والعالمية تتعاون معنا فى تقديم المعلومات والخبرات بما حصر الموجة داخل الحدود.
أما الموجة الحالية فعلى العكس تماما.. تنظيمات متعددة الجنسيات.. تدريبات عالية المستوى فى معسكرات خارجية قبل العودة لتنفيذ عمليات فى البلاد.. وتشرف على هذه التنظيمات مخابرات دول معروفة فى المنطقة.. وتنفق ببذخ عليها.. وتمدها بالأسلحة والمعلومات.
لكن.. فى الموجة السابقة الخفيفة كان المجتمع بجانب الأمن فى المواجهة.. بل.. يسبقه أحيانا.. صحافة تكشف التفكير الأسود للإرهاب.. مثقفون يناقشون الظاهرة فى الجمعيات والنقابات.. كتاب كبار مثل المستشار سعيد العشماوى ينشر دراساته الفقهية التى ترفض أن يكون الأقباط أهل ذمة ويضع ملاحظاته حول الحجاب ومدى شرعيته.. ويدخل وحيد حامد على الخط فيكتب مقالته الساخنة دون أن ينسى دوره الفنى المميز فيخرج من تحت يديه مسلسل «العائلة» الذى كشف عن وسائل تجنيد الشباب لتلك التنظيمات.. ولا يتردد عادل إمام فى قبول بطولة فيلم «الإرهابى» الذى كتبه لينين الرملى.. ودخلت دراما أسامة أنور عكاشة الملعب بخبرته التى تفوق فيها تليفزيونيا.
أما الآن وأمام موجة إرهابية أشد فلا نجد سوى الصمت حتى تقع الكارثة لنبكى بعدها دون أن نفعل شيئا خارج حدود الأمن يساهم فى القضاء على هذه الظاهرة السرطانية المدمرة.
لن أسأل عن مشيخة الأزهر ووزارة الثقافة وشبكات التليفزيون والجمعيات والنقابيات والأحزاب والصحف لأن السؤال سيحرج الجميع.