"راوية".. بائعة بيض: نفسي أسمع صوت ابني وأسدد ديوني (صور)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

وسط ضجيج المهرجانات والأغاني الشعبية، وعلى أحد الأرصفة بمنطقة "الصعايدة"، بمحافظة الجيزة تقبع الحاجة "راوية عبد الحي"، على صندوق مُصنع من "الخوص" الرثة، وأمامها صندوق أخر يحمل مجموعة من "البيض والكسكوسي"، تحكي ملامحها بؤس حاجتها الماسة للمساعدة، بالرغم من ابتسامتها الصامتة التي تداعب المارة، فينجذبوا إليها ليطلوا عليها بعين الرحمة، فيبادر بعضهن بالشراء منها من أجل مساعدتنها.


لم تعرف المرأة الستنية، عملاً سوى بيع "البيض والكسكوسي"، منذ وفاة زوجها وهي بالثلاثون عامًا، وترك لها ثمان أطفالاً بلا دخل، وما كان عليها سوى أن تبحث عن دخل حلال، وعقب ما دقت كل الأبواب باحثة على عاملاً لسد رمقه أسرتها لن تستطع إيجاد سوى هذا الحل وبدأت تقبع يوميًا منذ طلوع الشمس بالقرب من بيتها الصغير الذي يتكون من حجرة نوم وصالة، مقضية يومها بالشارع إلى حد الساعة الحادية عشر.


تروي "راوية"، أنها "كانت من أسرة فقيرة، لذا أسرع والدها بزواجها، وكان من الصعب بعد وفاة زوجها أن تلجأ إلى أهلها، نظرًا لوفاة والديها، ولضيق حال أخوها الوحيد، فبدأت تعتمد على نفسها وتبيع العشرات من البيض يوميًا، والكسكوسي، إلا أن قامت بتربية  أبنائها الثمانِ وأدخلتهم المدارس، وتخرجت ابنتها الأكبر من كلية الأداب، جامعة القاهرة وتزوجت وسافرت مع زوجها بإحدى دول الخليج، ولكن لم تفتكرها بالسؤال.


وتضيف "راوية"، أن " ابنتها الثانية حاصلة على كلية التجارة، وتزوجت وتعيش معها بعد طلاقها، وانجبت أربعة أطفال وهي من تعولهم؛ وتربيهم كما ربت أبناؤها من صندوق البيض، وتتابع: "لازال ثلاثة بنات يدرسنَا حتى الأن، أما أبنائها الولاد فسافر واحدًا إلى أحد الدول العربية دون أن يسأل عليها حتى الأن بعد أن حصل على دبلومًا فنيًا، وتزوج، مردفةٍ أن لديها ابنان يعانون من شلل نصفي، وابنتها القابعة معها هي من تهتم بهم معها".


وبملامح لم تعرف سوى شقاءً اتخذ ألوانا في أدق ثناياها، تجلس"راوية"هائمة لا تدري أين تذهب بحملها الثقيل التي حملها على عاتقها من زمن، تغازل زبائنها بنظرات صامتة: "اشتري مني ولو بيضة، لكي تستطيع تسد حاجة أسرتها اليومية، لاسيما عقب ما ترك زوج ابنتها أحفادها في رقبتها: "شايلة همهم لوحدي من بعد ما أبوهم مامات.. بس لينا الله".


وعن  رزقها اليومي، تقول "راوية": " ممكن يصل إلى 20 جنيه، وأيام 30 جنيه: "سلة البيض معايا بقالها كم يوم ومحدش طل عليه، وبروح بها كل يوم، بعد ما البيض سعره غلي، ولكن الأيام دي الرزق أهو كويس علشان شم النسيم".


وبفخر يملأ نبرات صوتها تمسك "راوية" سلة البيض وأكياس الكسكوسي قائلة: "دول سر ستري، وطالما فيه صحة والظروف محتاجة السعي لازم الواحد يستحمل وييجى على نفسه"، وتنظر المرأة الستنية إلى تجاعيد يديها وتقول: "ايدي  تتكلم عن الشقى إلى شوفته في عمري، وما بقولش غير الحمدلله، لكن نفسي أفرح ولو يوم واحد واسمع صوت ابني المسافر، أو يقولي خلاص أن الأوان تقعدي في البيت وأسدد ديونك وأصرف على اخواتي، لكنه حلم أعمى عنية من البكي وخلاص عارفه ان قلبه قوي عليا ".