عادل حمودة يعرض: خطة عاجلة للاستفادة من حالة الطوارئ المؤقتة فى مواجهة الإرهاب
1- إعادة العمل بقانون محاكم أمن الدولة العليا لسرعة الفصل فى القضايا
2- تشريع جديد يواجه الجماعات المسلحة المتورطة مع أجهزة مخابرات خارجية وتمتلك المال والسلاح والتكنولوجيا الحديثة
3- تعديل قانون الإجراءات الجنائية لتحقيق عدالة قضائية عاجلة تشفى غليل أسر الضحايا وتضمن سلامة المجتمع بردع الجناة
ينفجر لحم المصريين وهم يصلون فى ثوان.. لكن.. يبقى الجانى على قيد الحياة سنوات وسنوات ينعم بها قبل أن يطوله الحكم شنقا.. وغالبا سجنا.
ويعيش أهالى الضحايا فى حزن يشق الصدر وحزن يستولى على القلب فى انتظار القصاص.. لكنه.. لا يأتى إلا على سلحفاة.
العدالة الناجزة الحاسمة مطلب متكرر يجب تحقيقه لصحة المجتمع النفسية وتهدئة خواطره وتوفير أمنه بردع كل من يفكر فى تدميره وتخريبه وتفجيره.
إن قانون العقوبات لم يعرف الجريمة الإرهابية إلا بعد موجة العنف التى اجتاحت مصر بعد اغتيال الرئيس السادات بسنوات.
كان قانون العقوبات المصرى «القانون رقم 58 لسنة 1937» لا ينص على جرائم الإرهاب بصفة مباشرة إلا أن المشرع فى 18 يوليو 1992 أضاف المادة «86» إلى هذا القانون لتقول نصا: «يقصد بالإرهاب كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجانى تنفيذا لمشروع إجرامى فردى أو جماعى بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو المبانى أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح».
وجاءت المادة «86 مكرر» لتعاقب بالسجن كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعية أو هيئة أو جماعة أو عصابة يكون الغرض منها تعطيل الدستور أو منع السلطات العامة من ممارسة أعمالها أو الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن أو الإضرار بالوحدة الوطنية.
لكن.. هذه النصوص لم تعد كافية لمكافحة الجريمة الإرهابية، كما يقول المستشار هشام عبد الحميد الجميعى نائب رئيس محكمة النقض فقد تطورت تلك الجريمة تطورا سريعا ماليا وبشريا ومعنويا.. وتطورت الوسائل التى تستخدمها التنظيمات الإرهابية فى تعاملاتها واتصالاتها وتسليحها.. وزادت وارتبطت بأجهزة مخابرات خارجية ليصبح هدفها الوحيد إسقاط الدولة والسيطرة عليها.
وفى الوقت نفسه لم يسع أحد لتعديل قانون الإجراءات الجنائية الذى لم يتناول جرائم الإرهاب، مما طالت معه المحاكمات إلى حد الغضب من ترك الجناة دون عقاب أو على قيد الحياة.
طالب القضاة لسرعة الفصل فى هذه القضايا بأن يكتفوا بأقوال شهود الإثبات فى النيابة العامة، فعدم حضور واحد منهم أمام محكمة الجنايات يبطل الحكم إذا ما وصلت القضية إلى محكمة النقض، فتعاد من جديد إلى دائرة جديدة.
وطالب القضاة بأن تتصدى محكمة النقض للقضية إذا ما نقضت الحكم.
لكن.. ظل تعديل قانون الإجراءات الجنائية على أهميته حلما بعيد المنال.. ولم تفلح الشكوى المتصاعدة من تأجيل الأحكام النهائية لسنوات طويلة فى الضغط على المشرع لبحث وإقرار التعديل المطلوب الذى يحقق أحد أركان العدالة وهو سرعة الفصل فى القضايا.
وحسب المستشار هشام الجميعى فإن «قانون الإجراءات الجنائية لم يتناول جرائم الإرهاب بقواعد خاصة بها تحديدا» وهو قصور واضح يفرض نفسه على كثير من القضايا المنظورة أمام المحاكم.
«ولما كانت هذه الجرائم من النوعية التى تحتاج إلى معاملة خاصة» فى كافة مراحلها، فعلى المشرع أن يخصها بقواعد خاصة تساعد رجل الضبط والمحقق على استكمال التحقيق بالطريقة المثلى بإعطائهما مزيداً من الحرية من حيث الاختصاص المكانى مع مراعاة قواعد ومدد خاصة بالحبس الاحتياطى بجانب مراعاة قواعد التقادم وسقوط العقوبة وتخويل النيابة العامة سلطات أوسع فى الاطلاع على حسابات البنوك أكثر مما نصت عليه القوانين الأخرى.
وبمزيد من الشرح: لا يجوز انقضاء الدعوى الجنائية فى جرائم الإرهاب بمضى المدة.. ولا يجوز استخدام مواد تخفيف العقوبة كأن ننزل بها من الإعدام إلى السجن المؤبد مثلا.
وربما.. أغنانا تعديل قانون الإجراءات الجنائية عن اللجوء إلى القوانين الاستثنائية التى تتميز بسرعة الفصل فى القضايا.. مثل القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة.
صدر ذلك القانون فى 20 مايو 1980 وقرر إنشاء محكمة أمن دولة عليا فى كل دائرة محكمة من محاكم الاستئناف.. وإنشاء محكمة أمن دولة جزئية أو أكثر فى مقر كل محكمة جزئية.
وتشكلت محكمة أمن الدولة العليا من ثلاثة من مستشارى محكمة الاستئناف على أن يكون رئيسها بدرجة رئيس محكمة استئناف وتختص بالجرائم التى يعينها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أيا كانت العقوبة المقررة، كما يجوز له حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة.
«ويجوز أن يضم إلى عضوية هذه المحكمة عضوين من ضباط القوات المسلحة القضاة بالقضاء العسكرى برتبة عميد على الأقل ويصدر بتعيينهما قرار من رئيس الجمهورية».
واختصت محكمة أمن الدولة العليا دون غيرها بنظر الجنايات الإرهابية.. والجرائم التى ترتكب فى حق الوحدة الوطنية.. والجرائم التى ترتكب ضد حرية الوطن والمواطن.. والجرائم الخاصة بالتموين والتسعيرة الجبرية إذا كانت العقوبة المقررة لها أشد من الحبس.. والجرائم المرتبطة بأعمال البناء والاعتداء على أراضى الدولة.. ولا تقبل الدعوى المدنية أمامها.
وكانت «الدعوى فى هذه الجنايات ترفع إلى المحكمة مباشرة من النيابة العامة ويفصل فيها على وجه السرعة».
إن النيابة العامة هنا كانت تختص بالاتهام والتحقيق ولها سلطة قاضى التحقيق «وكان لمأمور الضبط إذا توافرت لديه دلائل كافية على اتهام شخص فى إحدى تلك الجرائم أن يتخذ الإجراءات التحفظية المناسبة وأن يطلب من النيابة العامة خلال أربع وعشرين ساعة على الأكثر أن تأذن له بالقبض على المتهم وكان للنيابة العامة فى هذه الحالة ولأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع أن تأذن بالقبض على المتهم خلال مدة لا تجاوز سبعة أيام».
وكان يجب على النيابة العامة أن تستجوب المتهم خلال 72 ساعة من عرضه عليها ثم تأمر بحبسه احتياطيا أو إطلاق سراحه.
وحسب ذلك القانون كانت أحكام محكمة أمن الدولة العليا نهائية ولا يجوز الطعن عليها ولكن يجوز لرئيس الجمهورية أو من يفوضه التخفيف من العقوبة أو بعضها أو يوقف تنفيذ الحكم أو إلغاءه.
وحسب نفس القانون كان لرئيس الجمهورية الحق فى ندب أحد مستشارى محكمة الاستئناف أو أحد المحامين العموميين على أن يعاونه عدد كاف من القضاة والموظفين وتكون مهمته التثبت من صحة الإجراءات وفحص التظلمات ويودع مذكرة مسببة برأيه ترفع لرئيس الجمهورية قبل التصديق على الحكم.. ولكن.. كان رئيس الجمهورية ينيب من يقوم مقامه فى اختصاصاته المنصوص عليها فى هذا القانون، وكان غالبا رئيس الحكومة.
وبمقتضى ذلك القانون أحالت المحاكم من تلقاء نفسها ما يوجد لديها من دعاوى أصبحت من اختصاص محاكم أمن الدولة العليا بالحالة التى عليها وبدون رسوم.
بالطبع كان هذا القانون ترجمة عاجلة للفصل فى الجرائم الإرهابية وغيرها فى ظل حالة الطوارئ المفروضة على البلاد.. ولكن.. بعد انتهاء موجة الإرهاب التى اجتاحت البلاد فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى ألغيت محاكم أمن الدولة بالقانون رقم «95» لسنة 2003 وآلت اختصاصات هذه المحاكم إلى المحاكم الطبيعية المختصة حسب قانون الإجراءات الجنائية ولم يستثن من ذلك إلا الدعاوى المؤجلة للنطق بالحكم أو ما تقرر إعادتها للمرافعة.
ويسهل فى ظل إعلان حالة الطوارئ مؤخرا بعد حادثى كنيستى طنطا والإسكندرية إعادة العمل بالقانون رقم 105 لسنة 1980 الذى يعيد إلى الوجود القضائى محاكم أمن الدولة العليا لتحسم قضايا الإرهاب بالسرعة الكافية التى يطالب بها المجتمع.. كل ما هو مطلوب من مجلس النواب هو التصويت على إقرار هذا القانون من جديد، فيسرى العمل به فورا وتنطبق عليه القضايا التى لم يفصل فيها بعد.
لكن.. خلال مدة الطوارئ «ثلاثة شهور وربما ستة شهور إذا ما جددت لمدة أخرى» على المشرع تلافى عدم فاعلية نصوص قانون العقوبات فى مكافحة الجريمة الإرهابية بإصدار:
قانون خاص بالجرائم الإرهابية يعرفها ويحدد أركانها ومرتكبها وأنواعها والعقوبات المقررة لها والظروف المشددة فيها وأحوال الإعفاء من العقوبات وأحوال الالتجاء إلى الرأفة.
قانون يخصص للقواعد الإجرائية التى تحكم الجريمة الإرهابية ويحدد سلطات مأمورى الضبط وإجراءات الاستدلال ومدد احتجاز المتهمين والحبس الاحتياطى وشروطه وحالاته والتظلم منه والطعن فى الأحكام الصادرة ونوعية المحاكم المختصة بنظر هذه الجريمة ودرجة القضاة فيها والأجهزة التى تساعد المحاكم والنيابات على تأدية مهامها.
ويضيف المستشار هشام الجميعى ضرورة اعتماد جهات مختصة بالمساعدات القضائية لنيابات المحاكم مثل مكتب للخبراء خاص بهذا النوع من القضايا تتوافر لديهم الإمكانات العلمية التى تساعدهم فى الوصول إلى النتائج التى تطلبها المحاكم أو جهات التحقيق لما تلاحظ فى الفترة الأخيرة من أن هذه الجماعات أصبحت تستخدم فى مباشرتها للجريمة الوسائل التكنولوجية المتطورة والمواد الكيميائية فى ارتكاب الجرائم بجانب توفير خبراء فى العديد من المجالات التى تتعلق بهذه الجرائم من خبراء المفرقعات والأسلحة وخبراء الخطوط ومترجمين وغيرهم.
إن حالة الطوارئ مهما طالت ستنتهى والقوانين الاستثنائية التى تفرضها مهما استمرت ستزول وعلينا من الآن التوصل إلى تشريعات طبيعية مناسبة ومتقنة لمواجة الجريمة الإرهابية التى تتطور وتتغير وتمتلك من الإمكانات البشرية والمالية ما يجعلها شديدة الشراسة.