د. نصار عبدالله يكتب: قرن من الزمان ومازال قانون الطوارئ!
لو أننا عدنا بالذاكرة إلى التاريخ، الذى صدر فيه أول قانون للطوارئ (مازال معمولا بالكثير من نصوصه إلى الآن).. لوجدنا أن الذاكرة سترتد بنا قرنا كاملا.. الحقيقة أنه أكثر من القرن.. ففى شهر يوليو القادم سوف يكون قد انقضى 103 أعوام بالتمام والكمال على صدور قانون الأحكام العرفية الذى أصدرته سلطات الاحتلال الإنجليزية،.. دعك من التسمية فقانون الأحكام العرفية هو نفسه ما عرف بعد ذلك بقانون الطوارئ!!.. ويكفى أن يعقد المرء مقارنة بسيطة بين نصوص كلا القانونين لكى يكتشف أنهما كلاهما نفس الشىء، وأن القابض على زمام السلطة يمتلك بمقتضاهما سلطات واسعة لا حصر ولا عدلها، ولهذا السبب فقد جرى العمل فى سائر الدول التى تضطرها ظروف معينة على إعلان حالة الطوارئ أن تكون الحالة موقوتة ومرهونة بالظروف التى استوجبتها والتى تتمثل عادة فى مواجهة كوارث طبيعية أو سياسية، وأن تقتصر فى مداها على المنطقة التى جرت فيها تلك الكوارث ولا تتجاوزها إلى غيرها من مناطق البلاد.. أما فى مصر فقد شاء لها قدرها أنها منذ أن أعلنت فيها الأحكام العرفية لأول مرة عام 1914بمناسبة قيام الحرب العالمية الأولى ودخول دولة الاحتلال "بريطانيا" إلى غمار الحرب وتحول القائد العام للقوات البريطانية فى مصر إلى حاكم عسكرى للبلاد.. منذ ذلك التاريخ، وكلما بدا أن مرحلة الطوارئ قد آذنت بالانتهاء، وكلما ألغى القانون.. استجد فجأة ما يستوجب فرضه من جديد! ففى مارس 1919 ثار الشعب المصرى ثورة عارمة مطالبا بالاستقلال والحرية، وعلى مدى السنوات الثلاث التالية لم تتوقف المظاهرات، ولم تتوقف دماء الشهداء عن المسيل إلى أن اضطرت بريطانيا إلى الاعتراف باستقلال مصر وإنهاء حالة الأحكام العرفية، غير أن اقتراب نذر الحرب العالمية الثانية فى عام 1939 دفع بالحكومة المصرية إلى إعلان الأحكام العرفية مرة أخرى إعمالا لمعاهدة 1936التى كانت تلزم مصر بتقديم المساعدات إلى بريطانيا فى حالة الحرب، وبناء على ذلك الإعلان أصبح رئيس الوزراء على باشا ماهر حاكما عسكريا للبلاد! ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية ألغيت الأحكام العرفية لكنها فرضت من جديد فى عام 1948 بمناسبة دخول الجيش المصرى حرب فلسطين! وفى عام 1950 قامت آخر وزارة وفدية قبل الثورة بإلغاء حالة الطوارئ، لكنها أعادتها مرة أخرى فى 26يناير1952بعد حريق القاهرة، وفى عام 1954قام الرئيس جمال عبدالناصر الثورة بإلغاء قانون الأحكام العرفية لكنه أصدر بدلا منه بعد ذلك قانونا جديدا هو القانون رقم 162لسنة 1958 الذى عرف بعد ذلك بقانون الطوارئ! وهو القانون نفسه الذى فرضت بمقتضاه حالة الطوارئ فى أعقاب نكسة 1967، وقد ظلت حالة الطوارئ سارية إلى أن قام الرئيس السادات بإلغائها عام 1980، غير أنها فرضت مرة أخرى بعد اغتياله فى 6أكتوبر1981، وظلت سارية بعد ذلك طيلة حكم الرئيس حسنى مبارك الذى امتد إلى ما يقرب من ثلاثين عاما، ولم يقدر لحالة الطوارئ أن تنتهى إلا بعد ثورة يناير 2011، ولعلها واحدة من أبرز النتائج الملموسة لتلك الثورة حيث اضطر المجلس العسكرى الحاكم للبلاد نتيجة للضغط الشعبى المتزايد إلى إلغاء حالة الطوارئ نهائيا اعتبارا من 31مايو 2012، وعدم تجديده مرة أخرى، غير أن تصاعد الأعمال الإرهابية والتخريبية التى تقوم بها جهات مشبوهة تستهدف النيل من نسيج مصر قد أعادتنا للأسف إلى الطوارئ مرة أخرى.