مصطفى عمار يكتب : على شرف المزورين

مقالات الرأي


قبل مئات السنين، صرخت امرأة عربية، وااه معتصماه، مستنجدة بالخليفة العباسى «المعتصم « الذى هب لنصرتها من أحد رجال الرومان الذى أطلق عليهم المعتصم لقب «العلوج»، وهذا العلج الرومانى تاب عن ذنبه ودخل الإسلام، ولكن اللقب الذى وصفه به المعتصم ظل ملتصقاً به، وبسلالته التى لجأت إلى مصر، وأقامت بها، لتكون فيما بعد أقدم جماعة على أرض هذا الوطن وهى جماعة العلوج!! والعلوج فى المعجم تتعدد معانيها، فهناك تفسير لها على أنها تعنى الحمير الوحشية، وآخر يشير بأنها تقال للاشخاص أصحاب الملامح الغليظة، فيقال للرجل صاحب الملامح الغليظة «علج» ويقال للمرأة صاحبة الملامح الغليظة «علجة»، وتشير القصص القديمة إلى أن لعنة ما صاحبت أبناء هذه الجماعة، وأصبح كل من ينتمى إليها يحمل غلظة فى الملامح، تميزه عن غيره، ورغم أنهم حاولوا تغيير اسمهم لمحو اللعنة التى حلت بهم، إلا أن ملامحهم تفضحهم فى كل وقت وزمان، مما جعل الحكام يلقون القبض عليهم ويلقون بهم فى السجون نتيجة شغفهم بتدبير المؤامرات والركوب على الثورات، للتكويش على السلطة، وسلب أبناء الوطن الواحد حقوقهم، تحت راية الدين، ورغم أن مؤسس الجماعة بدأ حياته بتقبيل يد الملوك، إلا أنه فيما بعد قرر الانقلاب عليهم ووضع لهم منهجاً ودستوراً لتنفيذ مخططهم الدائم لاستغلال العباد فى تحقيق أهدافهم للوصول إلى ما يحلمون به من حكم العالم تحت رايتهم، لأن الاسطورة تؤكد أن زوال لعنتهم لن يأتى إلا بتوحيد العباد تحت رايتهم.

استيقظ كبير العلوج فى يوم من الأيام، ليجد العباد يقومون بثورة، بعد أن ضاق حالهم، وضاع رزقهم بسبب بطش حاكمهم وفساده، فقرر كبير العلوج الاجتماع بهم، والتشاور للوصل إلى مكاسب يحصلون عليها، فجلس مع رجال الحاكم، وتفاوض معه على عدم انضمام العلوج للثورة مقابل، إخراج أبناء جماعته من السجون، والسماح لهم بالمشاركة السياسية، والتجارة، ثم لمح كبير العلوج بفطنته، انهيار الحاكم ونظامه، فأعطى أوامره لأبناء جماعته بالنزول إلى الشوارع والركوب فوق الثورة، ليظهروا كأنهم من صنعوها، حتى صدق العباد أن الثورة انتصرت لمساندة العلوج لها، وخرج كبير العلوج ورجاله، ليؤكدون أن جماعته غير طامعة فى الحكم، وأنها تريد الخير للعباد، وأن كل ما ترجوه الحياة الديمقراطية التى تساوى بين العباد فى الحقوق والواجبات، وللأسف صدقهم العباد واقتنعوا بهم، ووضعوهم فى منزلة خاصة، جعلت جماعة العلوج تعتقد أنها استطاعت خداع الجميع، أملاً فى تنفيذ مخططها، ولكن هب رجال شرفاء حاولوا كشف زيف جماعة العلوج، ومخططهم للسيطرة على العباد، فكذبوهم العلوج وحاربوهم، وشوهوا صورهم أمام العباد، واتهموهم بالكفر والإلحاد، ومع اول انتخابات حقيقية تشهدها البلاد، سيطرت جماعة العلوج على جميع كراسى البرلمان، وقالوا إن العباد هم من وثقوا فيهم ومنحوهم هذا الشرف، ليدافعوا عن حقوقهم، وبعد أن سيطروا على البرلمان، قرروا أن يسيطروا على كرسى الحكم، رغم أن كبير العلوج، قال فى خطاب أمام العباد، إن جماعته لن ترشح أحد علوجها لكرسى الحكم، ولكنهم فعلوها، أملاً فى تحقيق مخططهم الأعظم للخلاص من لعنة العلوج!

وسيطر العلوج على البرلمان، وعلى كرسى الحكم، بعد أن قاموا بوضع أحد رجالهم عليه، وقاموا بتحفيظه عدة خطب عن الزهد فى الحكم وعن أنه لن يظلم أحداً وأنه رئيس لكل العباد، ولكن الأيام كشفت أنه رئيس لجماعة العلوج فقط، ولا يهتم إلا بهم ولا يصدر أى قرارات إلا لمصلحتهم، كل هذا والعباد يصمتون ويحاولون إقناع أنفسهم بأن جماعة العلوج جماعة طيبة، فرغم غلظة ملامحهم، إلا أنهم جماعة تتقى الله وتخشاه فى تصرفاتها، حتى اكتشف العباد أن العلوج خانوا الثورة وشهداءها، وأبرموا اتفاقيات سرية مع العسكر للسيطرة على العباد، وكل ما وعد به الحاكم الجديد، لم ينفذ منه شيئاً، وأصبحت أمور العباد فى البلاد أسوأ مما كانت ألف مرة، الأمن غاب، والحرية انتهت، ولقمة العيش اختفت من صناديق الزبالة، كل هذا ومازال كبير العلوج يمنيهم بدولة قوية وعيشة رغدة، حتى استيقظ العباد من نومهم يوماً، ليجدوا حاكمهم يضع شروطاً تصنع منه إلهًا، لا احد يستطيع الاعتراض على قراراته، لا أحد يحق له معارضته، كل السلطات أصبحت فى يده هو فقط، هو من يامر وينهى، هو من يسلب ويمنح، هو من يحكم ويشرع ويسن قوانين العباد، واعتقد كبير جماعة العلوج ورجاله، أن العباد نسوا ثورتهم، ولكن المفاجأة أن الغشاوة انقشعت من فوق أعين العباد، وخرجوا من كل مكان، ليهتفوا بسقوط جماعة العلوج وحاكمهم، ارتبكت الجماعة، وقرر كبير العلوج الاجتماع بهم.

داخل مقر جماعة العلوج، وفى مخبأ سرى لهم، حضر كبير الجماعة ونائبه والحاكم، وبعض رجال الجماعة، ليحاولوا فهم ما يحدث من العباد، فقال أحد العلوج لا تخشوا شيئاً، فنحن لسنا النظام السابق، نحن أقوى وأشد، اجعلوا العباد يخرجون فى مظاهرات، ويحتجون ويسبوننا، فنحن امتلكنا البلاد ولن نفرط فيها ولو بالدم، فرد عليه الحاكم، أنا أرى نهايتى قد أوشكت، أنا أريد الرجوع فى قراراتى، فأنتم لا ينالكم ما ينتظرنى، العباد من الممكن أن تفترسنى، أرجوكم لا تضحوا بى، فأنا رجلكم وابن جماعتكم، فهب كبير العلوج، غاضباً، قائلاً له منذ متى وأنت تبدى رأياً فى أى شىء، أنسيت أننى من وضعتك على كرسى الحكم، لأنك تسمع وتطيع، والآن لا يطلب منك سوى السمع والطاعة، ارتبك الحاكم فى وجود كبير العلوج، وهز رأسه بأنه فهم الرسالة، وقام نائب كبير العلوج صاحب الوجه الغليظ، قائلاً له لا تستعجل الأحداث، فنحن نخطط لخروج رجالنا لنظهر قوتنا لكل العباد، ولا تنسى أن أعظم دولة فى العالم تقف خلفنا، فنحن أصبحنا حلفاء، ولن يعترض أحد على ما سنفعله بالعباد، إذا ما قررنا إسكاتهم بالقوة، قطع حديث العلوج هتاف العباد.. يسقط يسقط حكم العلج، يسقط يسقط حكم العلج، ارتبك الحاكم، ولكن كبير العلوج وضع يده على كتفه قائلاً، انتظر حتى نرى ما تخفى الأيام لنا!