إمام المسجد النبوي: كل ما اقتربت الأمة من منهج الإسلام ارتفعت وكلما بعُدت زاد انحدارها
تَحَدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري الثبيتي، عن حياة الإنسان واستشراف المستقبل؛ موصياً المسلمين بتقوى الله عز وجل.
وقال في خطبة الجمعة اليوم: عمر الإنسان يتنقل بين ماضٍ مفقود، وحاضر مشهود، ومستقبل موعود؛ قال الله تعالى: {وقد خلقكم أطواراً}، خلق الله الإنسان جنيناً في بطن أمه، ثم وُلد طفلاً، ثم صار شاباً قوياً، ثم كهلاً؛ فما كان مستقبلاً يصير حاضراً، والحاضر يصبح ماضياً، الذي يشغل الإنسان ويملي عليه وقته هو التفكير في المستقبل؛ لذا تَقَرّر في عقيدة المسلم أن المستقبل من علم الغيب الذي لا يحيط به إلا الخالق سبحانه، قال الله تعالى: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}.
وأضاف: المستقبل علمه عند الله؛ ولكن التطلع إلى المستقبل والشوق إلى معرفته واستشرافه؛ من فطرة الله التي فطر الناس عليها، والنفوس مجبولة عليه، وهو من صميم الإسلام ورسالة الأنبياء؛ فنبي الله يوسف عليه السلام استشرف المستقبل، وبه أحسن التخطيط والتدبير؛ فأنقذ الله به العباد والبلاد من أزمة اقتصادية طاحنة.
وأردف: استشراف المستقبل يوقظ النفوس الحية، ويوقد الهمم، ويطرد اليأس، ويقاوم الإحباط، ويدفع إلى التأمل لاستثمار إمكانات الحاضر في سيبل بناء مستقبل مشرق.
وتابع: لا يعني استشراف المستقبل طول الأمل، والتسويف الذي يقتل الهمة ويضعف العزيمة ويورث الهزيمة وتأجيل الأعمال.
وقال "الثبيتي": استشراف المستقبل طريق العقلاء ومسلك النجباء؛ لكن الحذر من أن يتحول هذا التفكير إلى هم ينغّص مضجع صاحبه، ويُفسد عليه حياته، وقلق يزعجه في حله وترحاله، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فقد تقلّب حاله من صبي يتيم إلى لاجئ مضطهد، ثم إلى سيد أمة بأكملها، قاوم مِحَن الحياة حتى أخرج لنا أمة غيّرت مجرى التاريخ.
وأضاف: استشراف المستقبل والتأثير فيه على أسس سليمة يقتضي أن يستثمر الفرد عمره في تمنية عقله وبناء فكره، لا ييأس حين تتلاءم الخطوب؛ بل يجعل من الحزن سروراً، ويزرع في الصعاب أملاً، كما يكون صبوراً لبلوغ أهدافه، قنوعاً بما يقسمه الله له، مؤمناً بما يقدّره له؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها).
وأردف: المستقبل يثمر ويتحقق أثره بالتربية والتزكية؛ فوراء كل أمة عظيمة تربية وتزكية تقودها إلى بر الأمان وتبني أجيالها وتصنع مستقبلها.
وتابع: لا شك أن خطوات المسلم في سيره نحو مستقبله تتطلب أن تكون محفوفة باليقظة في مراحل انتقال من طور إلى طور بمحاسبة نفسه على صعيد الحياة الدنيا، مع التأمل في مشوار حياته؛ مُحكّماً القلب والعقل والعاطفة في منهجية نظرته إلى مستقبله؛ مستثمراً مواسم العبادات التي تزيد المستقبل نوراً وبركة وسعادة وتوفيقاً.
وقال إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين: بناء المستقبل واجب الأفراد، وواجب الأمم والمجتمعات، وكل ما اقتربت الأمة من منهج الإسلام ارتفعت وارتقت، وكلما بعُدت زاد انحدارها وضعفها.
وأضاف: المستقبل يزدهر في ظل الأمن والأمان، واختلال الأمن يشلّ حركة الحياة ويقود إلى عدم الاستقرار.