ما هي السورة أو السور التي أنزلت دفعة واحدة ؟

إسلاميات

القرآن الكريم - ارشيفية
القرآن الكريم - ارشيفية


أولا : نزل القرآن مفرقا في ثلاث وعشرين سنة ، منها ثلاث عشرة سنة بمكة ، وعشر سنوات بالمدينة ، وجاء التصريح بنزوله مفرَّقًا في قوله تعالى : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) الإسراء/106 , أي : جعلنا نزوله مفرقًا كي تقرأه على الناس على مهل وتثبت، ونزَّلناه تنزيلًا بحسب الوقائع والأحداث .

ثانيا : هناك من سور القرآن ما نزل جملة واحدة ، وأكثر ذلك من قصار السور ، كسورة الفاتحة والقدر والماعون وتبت والكوثر والفيل والنصر والكافرون والإخلاص والفلق والناس وغير ذلك ، ومما ذكره العلماء من غير قصار السور مما نزل جملة واحدة : سورة الأنعام والأعراف والتوبة والكهف والفتح والصف والمرسلات ، على خلاف بينهم في ذلك .

قال الحافظ السيوطي رحمه الله :
" النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: مَا نَزَلَ مُفَرَّقًا وَمَا نَزَلَ جَمْعًا :
الْأَوَّلُ غَالِبُ الْقُرْآنِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ: (اقْرَأْ) أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا إِلَى قَوْلِهِ: (مَا لَمْ يَعْلَمْ) ، وَالضُّحَى أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْهَا إِلَى قَوْلِهِ: (فَتَرْضَى) .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الثَّانِي : سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْكَوْثَرِ وَتَبَّتْ وَلَمْ يَكُنْ وَالنَّصْرُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ نَزَلَتَا مَعًا.
وَمِنْهُ فِي السُّوَرِ الطِّوَالِ الْمُرْسَلَاتُ؛ فَفِي الْمُسْتَدْرَكِ (2994) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) ، فَأَخَذْتُهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ رَطْبٌ بِهَا" وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .

وَمِنْهُ سُورَةُ الصَّفِّ .
وَمِنْهُ سُورَةُ الْأَنْعَامِ ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ بِمَكَّةَ لَيْلًا جُمْلَةً حَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ " .

وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فتاويه: " الحديث الوارد في أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ ، وَلَمْ نَرَ لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحًا وَقَدْ رُوِيَ مَا يُخَالِفُهُ ، فَرُوِيَ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، بَلْ نَزَلَتْ آيَاتٌ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ ، اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ . انتهى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .

انتهى باختصار من "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 136-137).

وروى الطبراني في الكبير (449) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ ، قَالَتْ: " نَزَلَتِ الْأَنْعَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً وَاحِدَةً " .

وحسنه الحافظ في "نتائج الأفكار" (3/227) .

وروى النحاس في "الناسخ والمنسوخ" (ص 415) بسند جيد عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: " سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهِيَ مَكِّيَّةٌ ، إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمُ ) إِلَى تَمَامِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ " .

- سورة الفتح ، روى البخاري (4177) عن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) .

- سورة التوبة ، روى البخاري (4364) عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: " آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ " .
ثم رواه البخاري أيضا (4605) بلفظ : " آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ ... " بدون كلمة " كاملة " .
وقد شكك بعض العلماء في صحة هذه اللفظة : (كاملة) وذهبوا إلى أن سورة براءة نزلت مفرقة .

قال بدر الدين العيني رحمه الله :
"قَوْله: (كَامِلَة) قَالَ الدَّاودِيّ: لفظ: كَامِلَة ، لَيْسَ بِشَيْء لِأَن بَرَاءَة نزلت شَيْئا بعد شَيْء ، قلت: وَلِهَذَا لم يذكر لفظ: كَامِلَة، فِي هَذَا الحَدِيث فِي التَّفْسِير، وَلَفظه هُنَاكَ: آخر سُورَة نزلت بَرَاءَة " انتهى من "عمدة القاري" (18/18) .
ولكن جمهور العلماء على أنها نزلت دفعة واحدة كما ذكره الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (10/ 97).

- سورة الأعراف ، قال في "تفسير المنار" (8/ 260):
" وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِثْلَهَا " يعني مثل سورة الأنعام .
- سورة الكهف ، قال في "التحرير والتنوير" (15/ 242):
" هِيَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً " .
وغالب ما يذكره العلماء من ذلك محله الاجتهاد والنظر ، والخلاف فيه معلوم .

والخلاصة :
أن نزول كثير من السور القصار جملة واحدة أمر ثابت، كالفاتحة والقدر والماعون وتبت والكوثر والفيل والنصر والكافرون والإخلاص والفلق والناس، وكذا الفتح والمرسلات، أما السور الطوال فقد سبق بعض أقوال العلماء في ذلك،