وقائع نهب أرض «دهشور الأثرية».. النقل من العمل جزاء مفتش الوزارة الذى لاحق المعتدين و«لودر» ينقذ المنطقة
■ زاهى حواس: وقف تصاريح المحاجر ضرورة
■ وهيبة صالح: قوانين المواجهة بالية والإزالة قد تستغرق عامين
«قالو الفرعون إيه فرعنك.. قال ما لقتش حد يلمنى»، ينطبق هذا المثل الشعبى بحذافيره على ما تم ارتكابه من جرائم فى أرض دهشور الأثرية، من أصحاب المحاجر بالمنطقة، ساعدهم فى ذلك سياسة وزارة الآثار وقوانينها البالية.
وتكشف الوقائع التالية عن سلسلة من الفضائح، التى تصل إلى حد الجرائم التى تورطت فيها وزارة الآثار، ووزيرها الدكتور خالد عنانى، وكادت تطيح بمنطقة من أهم المناطق الأثرية فى مصر، فهى تضم أول هرم كامل فى التاريخ، كما أنها تتبع قائمة التراث العالمى، التابعة لحماية اليونسكو.
منذ ستة أشهر تقريباً، بدأ أصحاب المحاجر فى الزحف تدريجياً نحو أرض دهشور الأثرية، وممارسة أعمال التكسير والحفر هناك حتى اقتربوا مسافة كيلو متر واحد من الهرم المنحنى.
على أثر ذلك محمد قام يوسف على، مدير المنطقة بتحرير محضر بالتعديات، لكن قانون الآثار ليس رادعاً، وقد يستغرق البت فى المحضر والتحرك لإزالة التعديات عاماً، أو عامين!
حاول مدير المنطقة بالاتصال بالوزير خالد عنانى، مباشرة، ومطالبته بالتدخل الفورى لإزالة التعديات، ووقف أعمال التكسير والحفر فى أرض دهشور بصورة عاجلة.
وبدلاً من تلبية الوزير لطلبه ارتكب جريمتين أخريين فى حق المنطقة الأثرية، حيث أصدر قراراً بنقل محمد يوسف على، إلى إدارة التوثيق الأثرى بالهرم، وكأنه بهذا القرار يغسل يده مما يحدث على الأرض الأثرية من جرائم، ويقدم مدير المنطقة كبش فداء دون أى تدخل فعلى لإنقاذ دهشور، ثم جاءت جريمته الثانية حين أصدر قراراً آخر بتعيين مساعده عادل عكاشة، بدلاً منه، على الرغم من أن الأخير من أهل دهشور، ونصف أسرته محرر ضدهم محاضر تعديات، فكيف سيمارس عمله الذى يتضمن تحرير محاضر للمخالفين، الذين من الممكن أن يكونوا من أسرته!
جاء القراران، أو الجريمتان بمثابة إشارة إلى المتعدين لمواصلة جريمتهم، حيث كف عنهم إزعاج مدير المنطقة، وعين بدلاً منه من هو «ستر وغطاء» عليهم.
أثار القراران غضب وثورة الأثريين، وبعثوا باستغاثات إلى الجيش والقوات المسلحة، متوعدين بفضح ما يحدث تجاه دهشور، فما كان من وزارة الآثار إلا أن ارتكبت جريمتها الثالثة، حيث أصدرت بياناً يوم الجمعة الماضى أعلنت فيه إحكام سيطرتها على أرض دهشور، وأنها تمكنت من إزالة جميع التعديات.
بسؤال وهيبة صالح، كبير مفتشى آثار دهشور، عن حقيقة البيان أكدت كذب ما جاء فيه قائلة: «ما فيش حد اتحرك، إحنا أصلا النهارده إجازة، وما حدش بلغنى بحاجة، وعشان يزيلوا تعديات عن المنطقة كان من المفترض أكون حاضرة».
واستطردت: «كان إيه اللى هيحصل لو كانت الوزارة اتحركت من 6 أشهر، من بداية الزحف على أرض دهشور، ومن المسئول عن كل التخريب اللى حصل ده».
وأضافت أن الشخص الذى تم تعيينه بدلاً من محمد يوسف على، سبق وتم تحرير لأسرته عدة محاضر عام 2012، وكانوا ضمن القرية التى تعدت على أرض دهشور وأقاموا المقابر عليها، فكيف سيتمكن من تطبيق القانون، وكيف سيتعاون مع زملائه لإيقاف التعديات التى من الممكن جداً أن تكون أسرته طرفاً فيها.
ووصفت القوانين التى تحمى المناطق الأثرية بالهزيلة، مشيرة إلى أن كل ما ينص عليه القانون هو تحرير محضر بواقعة التعدى، وحتى يتم البت فيه، أو اتخاذ أى إجراء لتنفيذ الإزالة قد يستغرق الأمر عاما أو اثنين، كما أن عقوبة التعدى على المناطق الأثرية ليست رادعة، وقد تنتهى بغرامة مالية بسيطة، وهو ما يشجع المعتدين على الاستمرار فى جرائمهم دون رادع.
فى اليوم التالى لبيان الوزارة أبلغ خفير منطقة دهشور مسئولى المنطقة، باستمرار التعديات والحفر والتكسير، فحرروا محضر بشرطة السياحة والآثار، عثرت قوات الشرطة على دليل إدانة، عبارة عن لودر عاطل عن العمل، تركه المعتدون فى موقع الأحداث، وهو ما كان بمثابة طوق النجاة للأثريين، وتم تحريز اللودر، والقبض على سائقه، وتحويل الواقعة من مجرد محضر وإثبات حالة، إلى جناية أحيلت على الفور للنيابة، وكأن العناية الإلهية وضعت اللودر بالموقع لإنقاذ دهشور.
عندما توجهت النيابة لمعاينة المنطقة، تبين لها أنه تم الكشف عن كتل حجرية أثرية ظهرت من آثار الحفر والتكسير، ويبدو أنها جزء من معبد، أو مقبرة كبيرة، ما يؤكد أن عمل المحاجر كان واجهة فقط، وأن الغرض من الحفر والتكسير كان التنقيب عن الآثار، وهى الحقيقة التى باتت لا تقبل الشك.
الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، قال لنا إن أعمال المحاجر يجب أن تتوقف تماما فى مناطق الأهرامات، ومنطقة دهشور لأن أى أعمال حفر أو تكسير ستؤثر بشكل كبير عليهما، موضحاً أن على وزارة الآثار وقف أى تصاريح للحفر بمثل تلك المناطق.
وأشار إلى أن المناطق الأثرية تحوى بباطنها العديد من الكنوز، وهو ما تأكد حين تم العثور على آثار فى أماكن الحفر بدهشور، لافتاً إلى أن المنطقة باتت فى أمان الآن بعد فرض الشرطة سيطرتها عليها.