خبراء استثمار يدعون نيجيريا للاقتداء بمصر في تحرير سعر الصرف
قد لا يفعل خفض قيمة العملة شيئا لحل مشاكل نيجيريا ما لم تقتدى بنظيراتها فى الأسواق الناشئة مصر والأرجنتين وروسيا وتقبل بتعويم أسعار الصرف.
وقد خطت نيجيريا خطوة نحو تخفيض قيمة عملتها فى مواجهة الركود الاقتصادى والنقص الشديد فى الدولار والعجز فى تمويل الميزانية ورفض المقرضين الدوليين إقراضها.
وانخفضت العملة النيجيرية أمس الاثنين إلى 375 نايرا مقابل الدولار بالمقارنة مع سعر الصرف الرسمى 305 نايرا رغم أنها لاتزال أعلى من مستواها فى السوق السوداء الذى بلغ نحو 450 نايرا.
وسبق أن شهدت الأسواق الناشئة مثل هذه الأزمات المرة تلو الأخرى مع اضطرار الدول للتخلى عن ربط العملة وهو ما يحدث فى كثير من الأحيان بعد مقاومة على مدى أسابيع وربما شهور تؤدى إلى نضوب احتياطيات البنوك المركزية وتدفع الاقتصاد إلى هبوط مفاجيء.
غير أن حالة نيجيريا نفسها تظهر أن إصلاح العملة لا يمكن أن يتم بفتور. ففى يونيو الماضى خفضت السلطات النايرا بنسبة 30 %، لتعود الأزمة بعد فترة وجيزة. ففى غضون أيام عاد الاحتفاظ بالدولار وعاودت السوق السوداء فى العملة الظهور وسرعان ما تبدد انتعاش سوق الأسهم.
وقال حسنين مالك، رئيس وحدة استراتيجية الأسواق المبتدئة بشركة إجزوتيكس فى دبى: "المسألة الأساسية لنيجيريا هى الانتقال إلى مرونة ملائمة للعملة لا تخفيض قيمتها فى حد ذاته. وتخفيض قيمة العملة فى يونيو 2016 يبرهن على ذلك."
وأضاف: "أغلبية المستثمرين من المؤسسات الأجنبية.. لا يمكنهم تخصيص أموال جديدة للاستثمار فى نيجيريا إذا كانت ستظل حبيسة القيود على رؤوس الأموال."
إلا أن المحللين يقدرون أن نيجيريا ستعمد مرة أخرى لإضعاف قيمة عملتها والإحجام عن التعويم الحر مع الاحتفاظ بالقيود المفروضة على دخول الأموال إلى البلاد والخروج منها.
وسيحتم ذلك عقد مقارنات مع مصر التى بدأت تحصد فوائد قرارها فى نوفمبر الماضى تعويم الجنيه وتخفيف القيود على حرية انتقال رأس المال.
ومن الدول الأخرى التى اتجهت للتعويم الحر لعملاتها دون فرض قيود على حركة الأموال فى السنوات الأخيرة الأرجنتين عام 2015 وروسيا عام 2014 .
وقال جورج بيرش، ريناردسون مدير الصناديق بشركة سومرست كابيتال التى لا يوجد فى محفظتها الاستثمارية سوى سهم نيجيرى واحد: "تخفيض قيمة العملة سيحدث فى نيجيريا لكن التعويم مستبعد وإن كان التعويم هو التصور الأمثل."
وكان ريناردسون باع معظم استثماراته فى نيجيريا فى نوفمبر الماضى غير أنه لم يستطع تحويل الحصيلة للخارج إلا فى الأسبوع الماضى. ورغم أن خفض قيمة العملة قد يعمل على الحد من نقص الدولار بصفة مؤقتة فقد قال "لا أحد يهتم حقا بالاستثمار هناك."
- التعويم مثل مصر
كشف انهيار أسعار النفط فى منتصف عام 2014 نقاط الضعف الاقتصادى فى نيجيريا التى كانت تنعم قبل ذلك بإقبال شديد من المستثمرين على افريقيا.
ففى منتصف عام 2013 كان الأجانب يحتفظون باستثمارات تبلغ 11.6 مليار دولار فى أوراق الدين النيجيرية أى ما يعادل ربع إجمالى الدين النيجيرى وكانت استثماراتهم فى الأسهم النيجيرية 10.3 مليار دولار.
وفر جانب كبير من هذه الأموال للخارج بعد فرض القيود الرأسمالية فى 2015. وبحلول أكتوبر الماضى كان حجم التداول اليومى على الأسهم يبلغ ثلث مستواه عام 2013 وأظهرت بيانات سوق الأسهم أن نصيب الأجانب منه انخفض بمقدار النصف من 70%.
وستنخفض هذه النسبة أكثر من ذلك إذا نفذت مؤسسة إم.إس.سى.آى للمؤشرات تهديدها بإسقاط نيجيريا من مؤشرها الرئيسى للأسواق المبتدئة. وكانت نيجيريا قد فقدت بالفعل مكانتها على مؤشر جى.بى.آى-إى.إم للأسواق الناشئة الذى يمثل معيارا للصناديق التى تدير استثمارات تبلغ نحو 200 مليار دولار.
وقال مالك إن مصر تبين لنيجيريا لماذا يتعين عليها أن تقبل المحتوم فيما يتعلق بإصلاح العملة.
فقد انخفضت قيمة العملة المصرية بمقدار النصف بعد التعويم وارتفع التضخم بشدة. غير أن العملة ارتفعت فيما بعد 20 % عن مستوياتها المتدنية وبدأت الودائع المصرفية تنمو وقفزت التحويلات بمقدار الخمس فى الأشهر الثلاثة التى أعقبت التعويم مقارنة بالفترة المقابلة من العام السابق.
وبدأ المشترون ينجذبون مرة أخرى للأسهم والسندات المصرية التى كانت من الاستثمارات المفضلة لدى المستثمرين قبل الربيع العربى عام 2011.
ورغم ما تواجهه روسيا والأرجنتين من صعوبات فقد بدأتا تستقبلان تدفقات مالية وعادت الأرجنتين إلى مؤشرات الأسهم والسندات الرئيسية هذا العام.
وأضاف مالك "ما توضحه حالة مصر أن الأموال الأجنبية مرتاحة لتسعير المخاطر والعودة إلى سوق ما عندما تتوفر فيه للجميع السيولة وسوق عاملة للعملة الأجنبية."
وعلى النقيض من مصر فلن تقبل نيجيريا برنامجا يشرف عليه صندوق النقد الدولى فهى تفتقر لحجم الاحتياطيات التى تتمتع بها روسيا، كما أن الرئيس محمد بخارى ليس لديه الرغبة فى اتباع السياسات الاقتصادية الرشيدة التى نفذها نظيره الارجنتينى منذ عام 2015.
غير أن من العوامل الإيجابية أن الدين الحكومى النيجيرى يعادل 15 % من الناتج الاقتصادى السنوى بالمقارنة مع 86 % فى مصر وفقا لبيانات صندوق النقد الدولى.
كذلك فإن ميزان المعاملات الجارية لديها متوازن تقريبا الأمر الذى يضعها فى وضع أفضل من مصر التى يتوقع صندوق النقد الدولى أن تسجل عجزا يبلغ 5% هذا العام.
وتشير شركة رينيسانس كابيتال على سبيل المثال إلى أن القيمة العادلة للنايرا تبلغ نحو 365 نايرا مقابل الدولار بناء على تحليل لفترة 20 عاما من أسعار الصرف المعدلة وفقا للتضخم مقابل عملات الشركاء التجاريين.
وقالت شركة رينكاب إن الفارق فى قيمة العملة النيجيرية فى السوق السوداء يرجع إلى "أزمة ثقة". ولذلك فإن انخفاضا كبيرا أوليا فى قيمة العملة فى أعقاب خفض قيمتها قد يعقبه انتعاش ما أن ينتهى البنك المركزى من تلبية الطلب المتراكم على الدولار.
ويشير ريناردسون من شركة سومرست إلى أن مستوى التضخم البالغ 20 % فى نيجيريا على النقيض من الأرجنتين ومصر وروسيا يعكس بالفعل على الأرجح آثار قيمة أقل للنايرا لأن الشركات عمدت إلى تحميل التكلفة الأعلى الناتجة عن أسعار الصرف فى السوق السوداء على المستهلك.
وأضاف "أعتقد أن المستثمرين الأجانب سيتدفقون مرة أخرى بالتأكيد إذا ما حدث تعويم مع تخفيض قيمة العملة."