حكم حضور جنائز غير المسلمين

إسلاميات

مقابر قبطية - أرشيفية
مقابر قبطية - أرشيفية


أنا امرأة اعتنقت الإسلام ولدى سؤال يزعجني منذ سنوات، السؤال يتعلق بالأقارب غير المسلمين ودفنهم وزيارة قبورهم والدعاء لهم، والدتي مسيحية من البروتستانت ووالدي كان كاثوليكي وتوفي منذ أعوام قليلة، لقد حضرت مراسم الجنازة في الكنيسة جبرًا لخاطر أمي، لقد وقفت وجلست كلما تطلب الأمر ذلك لكني سألت الله سبحانه وتعالى أن يهدي كل الحضور إلى الإسلام، ذهبت إلى القبر من أجل الدفن لكني بقيت بعيدة وقلت الدعاء في هدوء: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين نسأل الله لنا ولكم العافية». هل ما صدر مني كان صحيحًا؟ هل يمكنني أن أدعو مباشرة لوالدي أم أن ذلك مثل حال سيدنا إبراهيم مع والده والذي أمره الله ألا يدع له؟ وبعد كل ذلك فإن الكاثوليك يؤمنون بالتثليث. هل يمكنني أن أدع للأقارب الآخرين ممن ماتوا؟ هل يصح لي زيارة قبور أقاربي غير المسلمين؟


تجيب لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية :

أيتها الأخت الكريمة .. الله تعالى أرحم بعباده من أنفسهم، وقد وصف الله تعالى حبيبه المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه رحمة للعالمين جميعًا، وأنه على خلق عظيم، وقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يحب مكارم الأخلاق، ويمدح فاعلها حتى ولو لم يكن مسلمًا؛ فلما أُتِيَ بسبايا طَيِّء كانت ابنة حاتم الطائي في السبي وكان أبوها مشهورًا بالكرم ومكارم الأخلاق؛ فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «خَلُّوا عَنْهَا؛ فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ، وَالله تَعَالَى يُحِبُّ مَكَارِمَ الأخْلاق، فقام أحد الصحابة وقال: يا رسول الله! والله يحب مكارم الأخلاق؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَحَدٌ إِلَّا بِحُسْنِ الخُلُقِ».. أخرجه البيهقي من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

وأحكام الدنيا قد تختلف عن أحكام الآخرة، فمن المعلوم أن كل من لم يؤمن بسيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فهو كافر، ولكن قد يُحكَم على الشخص في الدنيا ظاهرًا بكونه كافرًا لأنه لم يدخل في الإسلام ولا يكون صدر منه تكذيب للإسلام أصلًا، وهذا الحكم لا يستلزم بالضرورة أن يكون المحكوم عليه بالكفر ظاهرًا من أهل النار فضلًا عن أن يخلد فيها؛ فقد يكون معذورًا عند ربه سبحانه لعدم وصول الإسلام إليه بطريقة لافتة للنظر، أو لعدم قيام الحجة عليه، فيكون من أهل الامتحان في عرصات القيامة، والله سبحانه وتعالى يقول: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ}.. [التوبة: 113]؛ فأناط حرمة الاستغفار بكون المستغفَر له قد تبين أنه من أصحاب الجحيم.

ومفهوم ذلك أنه إذا لم يتبين للمستغفِر ذلك فلا مانع من الاستغفار، وأيضًا فإنه يمكن الدعاء بما لم يتبين للداعي حصولُه للكافر؛ كالتخفيف عنه لو كان من أهل النار؛ فقد ورد أن بعض أهل النار يخفف عنهم ببركة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فلا حجر على الطمع في كرم الله تعالى بل ذلك أمر مشروع، ولذلك فلا مانع من أن تدعي لأبيك وأقاربك ولا مانع من زيارة قبورهم.

والله أعلم..