الفجر تنشر القراءة الثانية لنقابة الصيادلة لمشروع قانون التأمين الصحي الجديد


قامت نقابة الصيادلة بوضع ملاحظات على مسودة مشروع قانون التأمين الصحي الجديد ، حيث لم تعد هذه المرة الأولى التي تراجع فيه النقابة مسودة مشروع قانون التأمين الصحي الجديد وقد قدمت النقابة من قبل رؤيتها وبعض تعديلاتها على هذا المشروع والتي أخذت لجنة إعداد هذا المشروع ببعضه .

وكانت القراءة الأولى لمسودة المشروع قد اعتمدت فلسفة المشروع الذي يفصل الملكية والإدارة عن الخدمة واستعرضت كذلك مواد القانون المقترح وأبدت ملاحظاتها عليها .

وفي هذه الجولة من القراءة الثانية لمسودة مشروع القانون تركزت هذه القراءة على الدراسة الاكتوارية التي على أساسها تم صياغة مشروع القانون وكذلك خطط اللجنة التي بني عليها هذا المشروع ومدى معايير نجاحه ، ويمكن أن نلخص ملاحظاتنا في ضوء الحوار الذي دار مع لجنة وزارة الصحة في النقاط الآتية :

1- الدراسة المالية الاكتوارية لمشروع القانون اعتمدت على تطبيق هذا المشروع في مدى زمني في 15 سنة أو 20 سنة ( الدراسات عن إنجازه في سنة واحدة أو خمس سنوات هي فقط دراسة نظرية لمجرد مطابقة ومقارنة الأرقام والإحصائيات بهذا المشروع)

ونرى أن هذا المدى الزمني كبير نسبيا إذا ما أخذنا في الاعتبار توقعات المجتمع والمواطنين من ضرورة تقديم خدمة صحية جيدة غير تلك التي تقدم حاليا والتي لا تحوز قبول الجميع ويصعب أن ينتظر المجتمع ما بين 15 سنة إلى 20 سنة حتى تتحقق هذه الخدمة ولذا فإننا نطلب من اللجنة الوزارية المعنية بمسودة هذا القانون تقديم دراسة اكتوارية للتطبيق الكامل لهذا المشروع في مدى زمني لا يجاوز 10 سنوات .

2- هذه الدراسة الاكتوارية ( لو تم تطبيقها على 15 سنة ) فسيحدث عجز في موراد هذا التأمين الصحي الجديد بعد 9 سنوات من بدء تنفيذ المشروع ( ومتوقع أن يحدث عجز بعد 3 سنوات إذا ما قل المدى الزمني إلى 10 سنوات).وقد بينت اللجنة أن الاشتراكات ومساهمات المواطنين سيتم إعادة دراستها كل من 3-5 سنوات ويتم زيادة هذه الاشتراكات كل 3 سنوات لتصل من 4% من إجمالي مرتب الموظف ( وهي النسبة المقترح تطبيقها الآن في مشروع القانون) إلى 7% وهي النسبة المعمول بها عالميا وبذلك يكون نصيب الفرد 700 جنيه سنويا خلال الـ 5 سنوات الأولى إلى أن يصل نصيب الفرد بعد 15 سنة إلى حوالي 1800 جنيه بإجمالي 167 مليار جنيه سنويا)

وملاحظتنا أن هذا الأمر لابد أن يكون واضحا ومنصوص عليه في البداية في مشروع القانون سواء للمواطنين أو المشرِّع في مجلس النواب بحيث لا يتفاجأ المواطنون بزيادة نسبة الاشتراكات عليهم تباعا أو يكون لديهم إحساس بالخديعة أو عدم الشفافية .

3- ومن ناحية أخرى فقد اعتمدت الدراسة الاكتوارية على تقدير حجم إجمالي الإنفاق الصحي في مصر هذا العام 2012 بـ 80 مليار جنيه ( أخر الإحصاءات الرسمية المتوفرة لدى الوزارة هو الانفاق الصحي لعام 2009 والذي قدر بـ 61 مليار جنيه ) وافترضت الدراسة كذلك أن نسبة الطب الوقائي ( من أمصال ولقاحات ورعاية الأمومة والطفولة والوقاية من الأوبئة وغيره ) تمثل 25% من إجمالي هذا الانفاق وعلى اعتبار أن هذا الطب الوقائي سيظل في قانون التأمين الصحي الجديد مسئولية وزارة الصحة وحدها ويدخل ضمن ميزانيتها دون تدخل في ميزانية التأمين الصحي الجديد وبالتالي تم افتراض أن الفرد يتكلف رعايته الصحية (سواء وقائية أو علاجية ) ما يوازي 1000 جنيها سنويا (80 مليار جنيه مقسمة على حوالي 80 مليون نسمة) وبعد خصم نسبة 25% للطب الوقائي التي ستتحملها وزارة الصحة إذا يبقى حوالي 700 جنيه للفرد وهو ما سيقوم بتحمله مشروع التأمين الصحي الجديد.

·إلا أننا نرى أن هذه القيمة متدنية نسبيا ويجب ألا يقل تكلفة الفرد السنوية في المتوسط عن 1000 جنيها (وهو ما يتم بالفعل في بعض التأمين الصحي الخاص أو تكلفة الرعاية الصحية الجيدة في بعض الشركات والهيئات التي تتلقى خدمة صحية جيدة بالتعاقد مع الغير ) والأساس الذي تم الاعتماد عليه في حساب تكلفة الفرد بـ 700 جنيها غير واقعي حيث أن مستوى الخدمة الصحية الذي يحصل عليه المواطن الآن غير مرضية وهناك قطاعات واسعة من المجتمع محرومة من خدمة صحية جيدة وبالتالي احتساب نصيب الفرد من الخدمة الصحية الآن في عام 2012 بقسمة إجمالي الإنفاق الصحي (80 مليار) على إجمالي المواطنين لا يعكس مستوى الخدمة المأمول تقديمه .

4- اعتمدت الدراسة الحالية للمشروع على عدة افتراضات مالية ومجموعة من الاحصائيات الطبية تم جمعها على مدار عامين (2007 حتى 2009 ) ونظرا لعدم وجود احصائيات طبية دقيقة يمكن الاعتماد عليها تماما فإن مشروع القانون سيخضع في تطبيقه للممارسة الفعلية التي قد تثبت أو تنفي هذه التوقعات والحسابات ولهذا ولغيره من الأسباب فإن تنفيذ هذا المشروع سيكون متدرج جغرافيا بمعنى أنه سينفذ في مجموعة من المحافظات دون غيرها على مستوى الجمهورية ليتوالى إدخال مجموعة من المحافظات تباعا كل 3 سنوات أو أكثر.

·ونرى في هذا الصدد أمرين :

قد يكون هناك من الناحية القانونية شبهة عدم دستورية بأن يُحرم بعض المواطنين من خدمة جيدة للتأمين الصحي في محافظتهم في حين أنه في محافظة أخرى مجاورة يتميز مواطن أخر بهذه الخدمة الأمر الذي يستدعي مراجعة هذا المنظور قانونيا .

ب‌- أن مستوى رضاء المواطنين بصفة عامة لن يتحقق في بعض المحافظات (خاصة تلك المجموعة الأخيرة من المحافظات التي سيدخل فيها هذا المشروع حيز التنفيذ متأخرا والتي قد تكون بعد 7 أو 8 سنوات من بدء تطبيق المشروع) مما يسبب عدم قبول مجتمعي لفكرة التدرج الجغرافي لتطبيق التأمين الصحي الجديد وهو ما يستوجب دراسة إمكانية أن يبدأ تنفيذ هذا المشروع في كل محافظات الجمهورية دفعة واحدة على أن يتم التدرج في تطبيق وتطوير الخدمة الصحية المقدمة للجميع بدلا من تطبيقها في محافظة دون أخرى

ومع افتراض القبول بفكرة التطبيق الجغرافي المتدرج فإن ذلك يتطلب ضرورة وجود خريطة واضحة بتحديد عدد المحافظات التي ستدخل التأمين الصحي الجديد تباعا وهل يتم ذلك كل عام أو كل 3 سنوات أو أكثر ومعرفة دور كل محافظة في ذلك .

5- يوجد لهذا المشروع دراسة مالية لضمان الموارد والتدفقات النقدية له وتم تسعير كافة الخدمات من عمليات جراحية وتحاليل وأشعة وخلافه على أساس 60% من ثمن هذه الخدمات حاليا في القطاع الخاص وهذا أمر جيد يضمن حد أدنى من جودة الخدمة المقدمة ومن مستوى مقدميها ويحقق ربح معقول لمقدمي الخدمة يجعلهم حريصون على تقديمها ولكن على الجانب الآخر فإن الموارد المالية ليست هي وحدها العامل الأساسي المحدد لنجاح هذا المشروع ولكن الدراسة الفنية والطبية من ناحية والدراسة الإدارية من ناحية أخرى تمثل أساسا أخر لا يقل أهمية عن الموارد المالية فمن المتوقع أن مشروع التأمين الصحي سيواجه مشاكل على مستوى التطبيق وذلك لعدم وجود بنية تحتية طبية مؤهلة لتنفيذ المشروع والتي في مقدمتها على سبيل المثال لا الحصر المستشفيات الغير مؤهلة لتقديم الخدمة الطبية المرجوة للجماهير بالإضافة إلى عدم توافر كوادر طبية وعلمية وبقية فريق العمل لتكون قادرة على أحداث طفرة في مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وسد العجز والخلل في التخصصات المختلفة من محافظة لأخرى أو إقليم لآخر ( فمن الأمثلة التي ذكرت أن هناك 15000 ممرضة زائدة عن الحاجة في محافظة الدقهلية في مقابل عجز في التمريض في محافظة سوهاج يصل إلى 10.000 - لا يوجد استشاري واحد متخصص في جراحة المخ والأعصاب في سوهاج – كما أن أبسط الحالات في العريش يتم نقلها وعلاجها في الاسماعيلية - وهكذا .....)

· وبناء عليه يجب أن تقدم اللجنة القائمة على هذه المسودة خطة عمل واضحة طبية فنية وأخرى إدارية لعلاج هذه الاختلالات واستكمال البنية التحتية الطبية والفنية لتقديم الخدمة الصحية المرجوة وعدم إهدار موارد هذا القانون في حال توفرها نظرا لغياب الكادر الفني أو الإداري.

6-إن التطبيق الجغرافي للقانون تعني أن هناك عدة محافظات وقطاعات عريضة من المجتمع سيظل يتلقى الخدمة الصحية من خلال المؤسسات الطبية القائمة حاليا ولعدة سنوات وهذه الخدمة في الأساس غير مقبولة وغير مرضية فإن أكثر من 72% من المواطنين يحصلون على الخدمة الطبية على نفقاتهم الشخصية ولا تتحمل الدولة سوى 28% - كما أن 55% من المواطنين يستفيدون نظريا من التأمين الصحي الحالي ، بينما لا يستفيد منه بشكل حقيقي سوى أقل من 15% من المواطنين ، وضعا في الاعتبار على عدم التعويل على التبرعات والمنح الأجنبية والتي تمنح للحكومة لا تغطي سوى 1% من الإنفاق الصحي في مصر ورغم مساهمة القطاع الخيري في العلاج من خلال المستوصفات وخلافه إلا أنه لا يعطي أكثر من 1.5% من إجمالي الإنفاق هذا في الوقت الذي لا تزيد فيه ميزانية الصحة في مصر عن 4.8% من إجمالي الموازنة العامة للدولة بما يساوي حوالي 27 مليار جنيه منهم 11 مليار مخصص فقط للمرتبات والأجور و8 مليار لديوان عام الوزارة بينما ما يتبقى للإنفاق على المستشفيات بأنواعها بالإضافة إلى الطب الوقائي لا يزيد عن 8 مليار (منهم 4 مليار للتأمين الصحي – 2.5 مليار علاج على نفقة الدولة) بحيث يتبقى لكل مستشفى في المتوسط 1700 يوميا للصرف على كافة الحالات المرضية وهو ما لا يكفي لـ 3 – 4 حالات فقط يوميا ، وتسعى الحكومة حاليا إلى زيادة الإنفاق على الصحة ليصل حوالي 8% من إجمالي الموازنة العاملة للدولة على مدار الـ5 سنوات القادمة ( مع ملاحظة أن مطلب بعض القوى السياسية برفع ميزانية الصحة إلى 15% هو أمر غير مدروس ومبالغ فيه ولن يتحقق حتى بعد 20 عاما لأن هذه النسبة غير مطبقة إلا في بعض الدول المتقدمة فقط والتي بها اقتصاديات ضخمة، ويبقى المتوسط العالمي بين 7- 8%).

وفي إطار هذه الأرقام للوضع الصحي في مصر فإنه لا توجد خطة واضحة عن كيفية تطوير الخدمة الحالية وخلال الفترة الانتقالية (والتي ستمتد إلى 15 سنة حتى يتم تعميم القانون الجديد على مستوى الجمهورية ) والأمر يحتاج إلى برنامج إصلاح صحي موازي يضمن الحد الأدنى من الرضا المجتمعي عن الخدمة الصحية التي تقدم في المؤسسات الصحية الحالية وحتى يتم تباعا وتدريجيا إدخالها في مشروع التأمين الصحي الجديد .

7- هناك لجنتان تابعتان لوزارة الصحة معنيتان بهذا القانون ، اللجنة التي شرفنا بالالتقاء بها اليوم والتي تعني بوضع مسودة القانون ودراسته ومراجعته مع الجهات ذات الصلة ولجنة أخرى تعني بكيفية التنفيذ في المقام الأول وهذه اللجنة الأخيرة هي التي قامت بزيارة المستشفيات بالمحافظات المختلفة لرفع الواقع ومعرفة مدى استعداد هذه المستشفيات في المحافظات المختلفة لتطبيق هذا القانون والتي أبدت في دراستها الميدانية استعداد أكثر من 11 محافظة في مصر لبدء تنفيذ مشروع القانون بها كدفعة أولى ( وليس 3 محافظات كما ذكرت الدراسة المقدمة من اللجنة الأولى – السويس – الاسكندرية – سوهاج) وذكرت هذه اللجنة (التنفيذية ) أن المستشفيات في هذه الـ 11 محافظة جاهزة للتطبيق بنسبة 80% - الأمر الذي قد لا يعكسه واقع متلقي الخدمة بهذه المستشفيات حيث أنه لو كانت هذه المستشفيات مستوفية درجة الإجادة والقبول بنسبة 80% لما اشتكى المرضى الحاليين من سوء تدني الخدمة الصحية بها .

لذا فإننا نوصي بضرورة ضم هاتين اللجنتين معا أو عقد جلسات مشتركة دورية ومنتظمة لهاتين اللجنتين للوصول إلى تصورات موحدة ودقيقة حول توصيف الوضع الصحي في مصر ومدى ملائمة مواد مشروع القانون المقترح للتطبيق على أرض الواقع وتقليل الفجوة التي يمكن أن تكون بين النظرية والتطبيق في رؤية كلا اللجنتين.

في ضوء ما تقدم فإن نقابة صيادلة مصر لا تستطيع في ضوء ما هو متاح من دراسات مقدمة حول مشروع التأمين الصحي الجديدة أن تدعم هذا المشروع بصياغته ودراسته الحالية ولا يمكنها أن تزكي هذا المشروع للمريض أو المواطن المصري خاصة في ظل تطلع كبير وطموحات كثيره لدى المواطنين حول ما سيقدمه هذا القانون الجديد من رعاية صحية حقيقية وهو ما طال انتظاره ووضعته مؤسسة الرئاسة ضمن برنامجها الرئاسي في الأربع سنوات القادمة .