عادل حمودة يكتب: مفتاح عقل ترامب فى يد شخص واحد اسمه ستيف بانون
رسالة إلى خبراء السياسة فى الرئاسة قبل زيارة السيسى إلى واشنطن
■ يكره الإخوان ويصر على أنها جماعة إرهابية ألهمت التنظيمات الجهادية بإشعال حرب عالمية
■ استخدم شبكات التواصل الاجتماعى فى إقناع الناخبين بالتصويت لترامب ويصر على أن تغريدات الرئيس أقوى من شبكات التليفزيون والصحف الكبرى
■ كتب خطاب تنصيب ترامب ويصيغ قراراته ويؤمن بأنه سيغير التاريخ وسيولد على يديه نظام دولى جديد
ستيف بانون الرجل الأقوى يستحوذ على عقل ترامب لكنه يطمح لأكثر من ذلك
يوصف بأنه مثل سمكة قرش متوحشة.. ويوصف بأنه بالنسبة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب مثل جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازية فى سنوات حكم أودلف هتلر.. لكن.. الوصف الأهم الذى أقنع مجلة تايم بوضع صورته على غلافها أنه أقوى ثانى رجل فى العالم.. ونشرت تقريراً شديد الأهمية عنه سيصحبنا فى رحلة اكتشاف أسراره.
لم يستعن ترامب وهو يشكل إدارته ويختار مساعديه مثل الرؤساء الذين سبقوه بمراكز الأبحاث الصديقة ولم يعتمد على استشارات من مجموعات صديقة وإنما استسلم لكل ما يراه ستيف بانون الذى اقنعه بأنه سيغير التاريخ وأن نظاما سياسيا جديدا سيولد على يديه.
كان بانون المدير التنفيذى لحملة ترامب الانتخابية التى خاطبت الرأى العام وتفاعلت معه مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعى وحطمت أسطورة الإمبراطوريات الصحفية والتليفزيونية وأصابتها بشيخوخة مفاجئة.
وكتب بانون خطاب تنصيب ترامب.. وأقنعه بتعليق برنامج دخول اللاجئين.. وتجميد التوظيف الحكومى.. وتقويض نظام الرعاية الصحية أوباما كير.. وبناء سور على الحدود مع المكسيك.. وإصدار قرار منع مواطنى سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة الذى أثار كثيرا من العواصف والصدمات.. بجانب إصراره على إقرار القانون الذى يضع الإخوان على قائمة التنظيمات والجماعات الإرهابية.
وقبل ذلك ساهم بانون فى اختيار أعضاء المجلس الاستشارى للرئيس كما وضع له ترشيحات المناصب المهمة ليختار منها من يشغلها وهو ما يعنى أن ترامب فضل بانون على زوج ابنته جاريد كوشنر.
وغالبا ما يرفض بانون الظهور فى الإعلام.. ولا يحضر الحفلات السياسية فى واشنطن.. وعادة ما يتبادل الحديث منفردا مع ترامب.. أو ينتحى به جانبا فى الاجتماعات الرئاسية.. وهو الوحيد بين رجال الرئيس الذى يرتدى ثيابا غير رسمية.. ولا يملك أحد سواه جرأة أن يدخل على ترامب فى مكتبه دون رابطة عنق.
ويطلق المقربون من بانون عليه لقب الموسوعة للقدر الكبير من المعلومات التى يمتلكها.. لكن.. الأهم أن عقله يتماشى ويندمج إلى حد الذوبان مع عقل ترامب.
تقول ليليان كونواى التى اختارها ترامب مستشارة له بعد دورها المؤثر فى حملته الانتخابية: إن كلا الرجلين يمتلك موهبة سرد الحكايات ويحب الثرثرة ويقدر على جذب المال بسهولة.
وهما معا يؤمنان بنفس التوجه الفلسفى فى قضايا التجارة والهجرة والبيئة والأمن العام والتدهور السياسى.
لقد نشأ بانون فى عائلة تنتمى للحزب الديمقراطى لكنه اختار أن ينضم إلى الحزب الجمهورى وهو ما أتاح له بسهولة اكتشاف العفن الذى يسيطر على النظام الحزبى فخرج على شبكات الإنترنت الذى يعد واحدا من أبرز نشطائها مطالبا بتدمير المؤسسات القائمة.
وأغرب ما صرح به قوله: أنا مثل لينين مؤسس روسيا الشيوعية الذى لم يبن نظامه السياسى إلا بعد أن نسف ما قبله.
وبينما يوبخ ترامب مساعديه إذا ما تصرفوا خارج القواعد البيروقراطية الصارمة فى البيت الأبيض فإنه منح بانون التحرك بحرية فى المكتب الرئاسى.
وفى الوقت الذى يحاول فيه غالبية رجال الرئيس كبح جماحه شجعه بانون على الدخول إلى حلبة النار وحسب تقدير أحد قادة الحزب الجمهورى فإن بانون فاز فى هذه المعركة.
لقد استفاد بانون من فلسفة ترامب فى عقد الصفقات ليسيطر عليه وهى فلسفة تقوم على أسلوب سهل وبسيط: اضغط واضغط واضغط حتى تحصل على ما تريد والمؤكد أن ترامب مارس السياسة والسلطة بنفس الفلسفة.
وسهل لترامب الوصول إلى ما يريد الثورة التى أحدثتها التكنولوجيا فى عالم التواصل الاجتماعى ما أطلق ما سمى «الشعبوية الجديدة» التى كان ترامب مهيأ بحكم طبيعته الشخصية لركوبها والصعود على أكتافها.
وكان الوقت مناسبا له فعلى مدى التاريخ لم يكن هناك مرحلة أسهل من هذه المرحلة فيما يتعلق بتجميع الناس (سواء للخير أو الشر) أو نشر الأخبار (سواء صادقة أو كاذبة) أو تقويض السلطة والتشكيك فى الحلول التى تطرحها السلطة لعلاج المشاكل التى يعانى منها الغالبية العظمى من المواطنين.
استغل ترامب هذه القوة المتنامية فى تجاوز وسائل الإعلام التقليدية والأحزاب السياسية والأساليب المتوقعة التى يصل بها الزعماء إلى السلطة.
وساعدته فى ذلك خبرة بانون فى تحرير المواقع الإلكترونية وأشهرها موقع بريتبارت الذى أسسه أندرو برتبارك.. وما إن توفى فى عام 2012 حتى ضاعف بانون من قوة تأثير الموقع.. وتحول تحت قيادته إلى مركز إبداع معارض يبتكر الفيديوهات التى تسخر من الكبار وينشر المستندات التى تدمرهم.
كان الموقع أول من كشف الفضيحة الأخلاقية لعضو الكونجرس أنطونى وينير (زوج هوما عابدين العضو النشط فى التنظيم الدولى للإخوان ومساعدة هيلارى كلينتون) واستكملت شبكات التواصل الاجتماعى الإجهاز على مستقبله السياسى.
ولم يتوقف الموقع عن تحطيم كثير من قادة السياسة والإدارة والرأى ما ضاعف من تأثيره هو وغيره من المواقع المشابهة فى إحداث التحولات الحادة التى نعيشها دون أن يجد حاكم واحد على مستوى العالم وسيلة مناسبة للسيطرة عليها.
لقد أصبحت القوة التدميرية فى يد الوجوه الجديدة التى سعت للتغيير عبر هذه المواقع دون أن تبالى بالهجوم الذى يشنه عليها أصحاب المناصب وجماعات الضغط ناهيك عن زعماء الكرة الأرضية الذين يموتون كل دقيقة غيظا مما ينشر عليهم.
عندما اشتعلت واشنطن غضبا بعد قرارات الهجرة التى أصدرها ترامب انتشرت شائعات تؤكد أن عددا من مسئولى البيت الأبيض استقالوا رفضا واحتجاجًا وفى المقابل جاء رد فعل ستيفن ميلر مستشار الرئيس وحليف بانون هادئا حيث صرح أمام الكاميرات قائلا: عندما تنجح فى تحدى عقيدة فاشلة عليك أن تتوقع المظاهرات وأضاف: إذا لم يختلف معك أحد بشأن ما تقوم به فأنت فى الغالب لم تقم بعمل شىء.
أقنع بانون صديقه ترامب بأنه لا يحتاج أن يقدم نفسه فى صورة موحد الأمة مثل بوش أو باعتباره مندوب العناية الإلهية لرأب الانقسامات مثل أوباما.. بل.. عليه أن يتقمص شخصية المدافع عن الشعب المنسى.
حسب ما نقلت تايم على لسان أحد مساعدى ترامب المقربين إليه: الخبراء يقولون إن الأمور يجب أن تسير بطريقة معينة فى عالم السياسة ونحن نرد نعم ولكن انظروا إلى النتائج لقد فشلت الطرق القديمة ولهذا نحن نحاول تطبيق طريقة جديدة.
بالفعل.. يتفق ترامب وبانون على ضرورة تغيير إدارة الأمور.. ولكن.. كيف؟.
فى كتابه فن الصفقة يرى ترامب أن الصراع فى نهايته يجب أن يصل إلى المصافحة.. لكن.. الأمر مختلف بالنسبة لبانون الذى يكشف تاريخه فى عالم السينما عن ميله نحو النهايات المروعة والكارثية.
لقد أنتج بانون فيلم الجيل صفر عام 2010 عن كتاب الانتقال الرابع الذى ألفه ويليام شتراوس ونيل هوى وبحسب الكتاب فإن التاريخ الأمريكى مكون من أربع دوائر تتكرر دائما بنفس التتابع.. السقوط فى الأزمة.. احتضان المؤسسات.. التمرد على المؤسسات وبناؤها من جديد.. وأخيرا نسيان دروس الماضى ما يسفر عنه ظهور أزمات جديدة.
إن بانون يرى التاريخ الأمريكى تاريخ أزمات دموية.. خسرت فيها البلاد ملايين الملايين من الضحايا.. بدأ بالثورة الأمريكية.. وبعدها كانت الحرب الأهلية الأشد بأسا.. لتأتى الحرب العالمية الثانية الأكثر ألما.. أما الآن فنحن نعيش فى حالة حرب مع الجهاد الإسلامى وهى حرب عالمية من نوع مختلف ستفرض على الولايات المتحدة تحويلها إلى حرب نظامية فى الشرق الأوسط قبل أن تنتقل لأسباب أخرى فى مواجهة مع الصين.
يصر بانون على أن الحرب ضرورة لتغيير النظام الدولى القائم.. ولنفهم أفكاره علينا فحص نشأته العائلية.
ولد فى نورفلك «فيرجينيا» يوم 27 نوفمبر 1953.. عائلته فقيرة.. والده كان عامل تليفونات.. بصعوبة نجح فى نقل عائلته المكونة من خمسة أبناء إلى الطبقة الوسطى.. ولا يزال الأب «93 سنة» على قيد الحياة ويحرص بانون على زيارته فى حى جنتر بارك «ريتشموند».
تخرج بانون فى جامعة فيرجينيا عام 1976 وحصل على بكالوريوس فى التخطيط العمرانى وواصل دراسته العليا حتى حصل على الماجستير فى إدارة الأعمال «جامعة هارفارد» وماجستير فى دراسات الأمن القومى «جامعة جورج تاون».
خدم فى البحرية وقضى أربع سنوات فى عرض البحر على المدمرة يو إس إس بول فوستر وانتقل بعدها ليصبح مساعدا خاصا لرئيس العمليات البحرية فى البنتاجون.
بعد خدمته العسكرية عمل بانون فى جولدمان ساكس وهى مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أمريكية متعددة الجنسيات وما أن ترك عمله هناك حتى أسس شركة خاصة تتوسط فى بيع المؤسسات الإعلامية وشاركت فى إنتاج مسلسلات تليفزيونية شهيرة قبل أن تشتريها مجموعة سوسيتيه جنرال للخدمات المصرفية.
فى عام 1990 أصبح بانون منتجا منفذا فى شركة هوليوود لصناعة الأفلام والإعلام وقدم للسينما 18 فيلما منها العداء الهندى و وجه الشر و غير مهزوم.
وبتوليه منصب المدير التنفيذى لموقع بريتبارت عبر عن أفكاره اليمينية المتطرفة والعنصرية المعادية للمهاجرين والمسلمين على حد سواء ليعيد من جديدة خرافة سيادة الجنس الأبيض والقومية البيضاء.
وأصبح الموقع منصة لليمين البديل الذى يدعم ترامب ويتزايد حجمه ونفوذه فى العالم يوما بعد يوم.
كما شغل بانون منصب الرئيس التنفيذى لمركز محاسبة الحكومة وهو منظمة أهلية لا تهدف إلى الربح تجرى تحقيقات حول السياسيين وتنشر نتائجها فى مؤسسات إعلامية شهيرة.. وسبق أن أصدر المركز كتابا بعنوان ثروة كلينتون كشف فيه جانبا من ثروة المرشحة الديمقراطية السابقة هيلارى كلينتون.
تزوج بانون ثلاث مرات.. انتهت بالطلاق.. وأنجب ثلاث بنات.. واتهم بالعنف العائلى فى عام 1990 وضرب زوجته لكن القضية رفضت فى المحاكم لعدم ظهور الضحية.. كما اتهمته زوجة أخرى بعدم إلحاق إحدى بناته فى مدرسة تضم أطفالا من اليهود.
لكن.. رغم ذلك كله فإن ترامب وبانون هما الأفضل لنا بعد أن تخلصنا من كابوس هيلارى كلينتون التى كانت ستحافظ على سياسة الديمقراطيين فى دعم الإخوان حتى يسيطروا على الحكم فى الدول العربية بدعوى أنهم معتدلون سيخففون من حدة التطرف.