د. رشا سمير تكتب: صفر المونديال وخيبة أجيال!
فى شهر مايو من عام 2004، تلقى الشعب المصرى رداً من الفيفا لم يكن مفاجأة بقدر ماكان حقيقة صادمة وصفعة قوية على وجه الدولة.. إنه صفر المونديال!.
خسرت مصر فرصتها لتنظيم المونديال، وتلخصت الأسباب فى الآتى:
تصدُر مصر قائمة دول العالم فى حوادث الطرق، الدولة الأسوأ فى الخدمات العامة مثل الإنترنت وتلوث مياه الشُرب وسوء شبكات المواصلات، بالإضافة لسوء المرافق العامة ودورات المياه وسلامة الأطعمة.. بإختصار شديد.. صفر فى كل شىء!..
هاج الشعب وماج.. ومن باب التهدئة قامت الدولة بإعطائنا المسكنات اللازمة وقتها، فقد استبعدت الحكومة على الدين هلال أمين وزير الشباب والرياضة.. وكالعادة بقى الوضع على ماهو عليه!. اليوم وبعد مرور 13 عاما على تلك الواقعة المؤسفة أتساءل: ماذا لو قررنا استضافة المونديال مرة أخرى؟
الحقيقة أن تلك الخاطرة مرت بخيالى مرتين فى الآونة الأخيرة، أولا: وأنا أشاهد تصرفات رؤساء أحياء مدينة نصر ومصر الجديدة وهم يدخلون بالبلدوزرات فيكسرون الكافيهات ويمارسون نفس بلطجة أصحاب الكافيه الذين اعتدوا على الشاب وقتلوه.. ومرة أخرى، وأنا فى رحلة البحث عن دورة مياه فى معرض القاهرة الدولى للكتاب أو وأنا أتجول فى أجنحة المعرض.
بالقطع، كلنا ضد البلطجة وكلنا يعتصرنا الألم للشاب قتيل الكافيه.. ولكن أنا أيضا ضد ممارسة نفس البلطجة على أصحاب الكافيهات الذين بالقطع أخطأوا ولكن للأسف فى ظل تشجيع الدولة.. فأين كانت الدولة وهم يستخرجون التصاريح ويبنون الكافيهات؟ أين كانت وهم يدفعون الرشاوى للأحياء للهروب من المخالفات؟ أين كانت الدولة وهم يسرقون الكهرباء من أعمدة الإنارة؟ لماذا فاقت الدولة من غفوتها الآن؟ لماذا لم تسو أوضاعهم أو تأخذ منهم أضعاف فاتورة الكهرباء أو تحصل منهم غرامات شهرية بدلا من إغلاق بيوت العاملين بها؟
الحقيقة المؤسفة أننا دولة تغفو طول الوقت ولا تصحو إلا على صوت الكارثة..وبالمناسبة تصحو بعد فوات الأوان ثم تعود إلى غفوتها من جديد، وحتى إشعار آخر!.
ترامى إلى علمى أن القوات المسلحة ستقوم ببناء معرض كتاب يليق باسم مصر العام القادم..
نعم، تحية لرجال الهيئة الهندسية بلا جدال.. ولكن.. لو قام الجيش ببناء المعرض وتصنيع الأدوية وتوفير لبن الأطفال وتصليح الطُرق والعشوائيات، فما اللزوم إذن لوجود وزارة الصحة ووزارة الثقافة وماذا يبقى من دور الهيئة العامة للكتاب وما جدوى وزارة الإسكان والبناء؟!..
وحيث أن الشىء بالشىء يذكر، دعونى أكرر وأكرر، ماسبيرو يجب أن يكون هو إعلام الدولة وصوتها، حتى لو تم إنشاء ألف قناة ولو تم دمج كل القنوات.. أعلم أن الفساد فى ماسبيرو له أكثر من وجه، وأعلم أن العمالة الزائدة فاقت التصور.. ولكن من المسئول عن تلك المأساة؟ من قام بالتعيينات ومن غض نظره عن الفساد؟ من يحاسب هؤلاء؟ وكيف نستفيد منهم؟
فى أحد البرامج طلب رئيس القناة من المذيعين نظرا لرداءة الديكور أن يتبرعوا من مالهم الخاص لتحديث الديكور!..أهذا حقا هو الحل؟!..
لازال هناك مذيعون وفنيون ومخرجون فى ماسبيرو على قدر من المهنية يفرض على الدولة التدخل لإنقاذهم وإنقاذ هذا المبنى العريق..
إن دخول أى سائح أجنبى دورة مياه فى منطقة الهرم أو القاهرة القديمة لهو بمثابة عملية انتحارية ينفذها رجل المستحيل!.. فمصر التى تمتلك ثلث آثار العالم وحضارة سبعة آلاف سنة لازالت تقترض من صندوق النقد الدولى.. لماذا؟ لأن الآثار كانت وستظل مهملة حتى لو تغير ألف وزير آثار، لأن الحل هو أن ننتبه فى الوقت المناسب ونبدأ بالطريقة المناسبة ولا ننتظر سرقة أثر أو سقوط هضبة المقطم حتى نتحرك..
متى تتحرك الدولة بالمثل ضد سائقى التوك توك ومتى تتعامل بقرارات رادعة مع الميكروباصات ومع البلطجة المتعمدة من السياس وأمناء الشرطة وأصحاب الجراجات؟ هل يجب أن يسقط قتيل جديد حتى نخرج من غيبوبة الإهمال؟
يا سادة، إن تغيير بعض الحقب الوزارية لن يأتى بجديد طالما لا نزال نتعامل بنفس الفكر والإهمال، طالما لا نزال نتحرك كالعادة بعد وقوع الأزمة.. طالما أن الحكومة لا تبحث عن الورم لاستئصاله بل تُعطينا المسكنات لنتغلب على الألم.. الرؤية يجب أن تُصبح عنوان المستقبل، وإلا ستظل الأجيال القادمة تُعانى من خيبة الأمل للأبد.