خطة "فتح" فرنسا

العدد الأسبوعي

برج إيفل في باريس
برج إيفل في باريس - أرشيفية


من التهديدات بتفجير «برج إيفل» إلى الاعتداء على "متحف اللوفر"

داعش أعلن استهدافها كأولوية قصوى وجند المهاجرين "المضطهدين" لتفخيخها بالعمليات الإرهابية.. وهجمات 2015 و2016هى الأكثر دموية فى فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية


فيما يرى غالبية المحللين أن الحادث الإرهابى الأخير يصب بامتياز- بسبب توقيته قبيل الانتخابات الرئاسية الفرنسية مباشرة - لصالح مرشحة اليمين المتطرف فى فرنسا مارى لوبان بشعاراتها المعادية لـ«المهاجرين» ولاستيراد «الأصولية الإسلامية» للأراضى الفرنسية على حد قولها، كما يلقى بظلاله أيضاً على إشكاليات استقبال «اللاجئين» وأوضاع «الأجانب» فى فرنسا، وتحديداً العرب والمسلمين منهم.

الحادث يأتى أيضا فى ظل حالة من التأهب القصوى التى تعيشها فرنسا، على خلفية هجمات إرهابية وعمليات عنف مسلح متتالية تعرضت لها خلال العامين 2015 و2016، ووصفت بأنها الأكثر دموية فى فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، والأعنف فى أوروبا قاطبة منذ تفجير قطار مدريد عام 2004، وكذلك الأضخم من نوعها التى تضرب بلدًا غربيًّاعموماً منذ هجمات 11 سبتمبر 2001.

بداية من هجمات «شارلى إبدو» فى باريس، مرورا بهجمات على مصنع «ليون»، وقطار تاليس، ومخطط استهداف الكنائس الفرنسية، ووصولاً إلى سلسلة الهجمات الانتحارية المتزامنة على بوابة «استاد دى فرانس» الشهير وأربعة مواقع أخرى وكذلك احتجاز الرهائن فى مسرح «الباتكلان»، مساء «الجمعة السوداء» 13نوفمبر2015 فى العاصمة الفرنسية، والتى حملت بعد ذلك اسم «11سبتمبرالفرنسي»، وما أعقبها بعد ذلك من حادث «الدهس» الدموى فى «نيس»، ليلة الاحتفال بعيد الباستيل الوطنى بواسطة شاحنة ضخمة، قادها التونسى محمد لحويج بوهلال وقتل بها 84 من الضحايا.

وذلك فى سياق موجة إرهاب شاملة استهدفت فرنسا، وافتتحها الإرهابى التونسى أيضاً محمد مراح بهجماته فى تولوز ومونتبيان«مارس 2012» لصالح تنظيم القاعدة، تلك العمليات الإرهابية الأخيرة تم على إثرها إعلان حالة الطوارئ، وأسفرت عن إحكام المنافذ الحدودية، واستمرار انتشار مايزيد على 3500 جندى فرنسى من الجيش حتى الآن، فى شوارع العاصمة الفرنسية وجوارها، لحماية المرافق العامة والمنشآت الحيوية.

وبناء على ذلك، ووفقاً للتسريبات الأمنية الفرنسية أيضاً، فإن استهداف «متحف اللوفر» بوصفه أحد أهم المعالم الأثرية لعاصمة النور وللحضارة الغربية بشكل عام، لم يكن مستبعداً بالمرة لدى السلطات الأمنية فى فرنسا، وأنه كان هناك تخوف فرنسى من هجوم إرهابى محتمل قد يتعرض له المتحف، وعلى ذلك فقد تم تشديد الحراسة عليه بشكل خاص، الأمر الذى حال دون تطور الهجوم أو حدوث خسائر بين المدنيين، ودفع بالحكومة الفرنسية أن تتعامل مع ماحدث بوصفه «انتصاراً أمنياً» لها، بعد سلسلة من الحوادث الدموية فى فرنسا.

لكن بالنظر من الزاوية الأشد رعباً وإثارة للفزع، لايمكننا أن نتجاهل فى كل الأحوال أبداً أن تجدد الاعتداءات على فرنسا مرة أخرى، يعنى فى النهاية، و ببساطة، أن الإصرار على تطبيق استراتيجية «إدارة التوحش» على الأراضى الفرنسية من جانب «داعش» والعناصر الموالية له، عبرتفخيخ الدولة من الداخل، وضرب المرافق الاقتصادية والسياحية لها، وتحويلها إلى ساحة للقتل والدم ورائحة الموت، هو هدف مستمر، و لن يتزعزع، وفقا لمخطط الإرهاب العالمى.

الدولة الفرنسية بدورها باتت تستوعب ذلك جيداً، وقد سبق وأعلن رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس فى 23 مايو 2016 أن بلاده رقم «1» على أولويات تنظيم داعش الإرهابى، وأن مستوى التهديدات الإرهابية كان ولا يزال مرتفعاً، وأن العمليات الأمنية فى فرنسا لم تتوقف ومستمرة فى تفكيك الخلايا واعتقال العناصر الإرهابية.

وزير الداخلية الفرنسى أيضا، سبق وأعلن قبل ستة أشهر، أن لواء المقاتلين الأجانب الذى يتزعمه عبد الإله حاميش، مسئول العمليات فى أوروبا، خلفاً لصلاح عبدالسلام، يخطط لتنفيذ عمليات إرهابية فى فرنسا، كما أن تنظيم «داعش» نفسه لم يترك مجالا للشك، وأعلنها بدوره واضحة وصريحة « فرنسا وكل من يسير على دربها على رأس قائمة أهدافنا»!.

لم تكن تلك هى المرة الوحيدة أيضاً التى يعلن فيها تنظيم «الدولة الإسلامية /داعش» تهديده الصريح لفرنسا تحديداً، ويجاهر باستهدافه لها، وإنما شغل هاجس العداء لفرنسا «بشكل خاص»، حيزا كبيراً من اهتمام التنظيم الإرهابى، وأصبح موضوعاً لعدد من إصداراته، أكثرمن مرة، وفى أكثر من مناسبة، على مدار العامين الماضيين.

ففى 3 فبراير 2015 على سبيل المثال، نشر «داعش» فيديو مصورا تضمن تهديدات لفرنسا ودعا المسلمين الموجودين على أراضيها، إلى قتل واستهداف العسكريين وعناصر الشرطة والآلاف الذين شاركوا فى المظاهرات المنددة بهجمات شارلى إبدو، وفى 27مارس2016، وفى أعقاب «هجمات بروكسل» ببلجيكا، التى أعلن «داعش» مسئوليته عنها، هدد التنظيم فى فيديو آخر فرنسا بأنه سيفجر برج إيفل نفسه، وفى فيديو أحدث بثه «داعش» بتاريخ 4أغسطس 2016، ظهر عدد من عناصر التنظيم يهددون بأنهم على استعداد لتدمير أوروبا وحرق فرنسا بشكل خاص.

أما فى 21 يوليو 2016، فقد بث التنظيم فيديو تهنئة بـ«اعتداءات نيس» الدموية، بعنوان «رسالة إلى فرنسا» خاطب فيها كلاً من الرئيس والشعب الفرنسيين، ووعد فيها بعمليات جديدة فى العاصمة باريس، حال استمرار الطائرات الفرنسية بشن الغارات ضد التنظيم فى العراق وسوريا، لأن فرنسا من وجهة نظره «قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء».

فرنسا إذن تدفع ثمن دورها المركزى فى التحالف الدولى ضد تنظيم «داعش». صحيح أن «داعش»سبق أن أعلن الحرب على مايطلق عليها دول وعواصم «الغرب الصليبي» قاطبة، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وإيطاليا «بلد الفاتيكان»، غير أن فرنسا تظل محتكرة لمكان الصدارة والأولوية فى عملياته على أراضيها، بصفتها رأس حربة الدول الأوروبية فى الحرب على الإرهاب، وأقوى دولة أوروبية فاعلة فى تلك الحرب، وفى مجريات الأحداث فى المنطقة أيضاً.

فرنسا أيضا تحمل رمزية شديدة الخصوصية من وجهة نظر «داعش»، بوصفها «قلب الحضارة الغربية» التى يستهدف ضربها والقضاء عليها، ناهيك عن أنه من من خلال تكثيف عملياته الإرهابية فى فرنسا يتحقق للتنظيم هدف إثارة الرعب فى الدول الغربية الأخرى.

بعض المحللين يرون أن فرنسا هى الطرف الأضعف فى التحالف الذى تتزعمه الولايات المتحدة لاستهداف معاقل «داعش» فى سوريا والعراق، فيما يبدو أن « داعش» يطبق استراتيجية «إدارة التوحش» كذلك بامتياز فى حربه على فرنسا، من ناحية استهداف الثغرات ونقاط الضعف لديها، واستغلال تلك الثغرات لهدم الدولة الفرنسية من الداخل.

علماً بأن الخطر الإرهابى الفرنسى هو خطر إرهابى داخلى بالأساس، وليس مستورداً بأى حال من الأحوال، سواء من ناحية تفاقم مشاكل «الجنائيين» الذين يتم تجنيدهم فى السجون لصالح التنظيمات الإرهابية، أو «الأخطر» من ناحية المهاجرين العرب والمسلمين فى ضواحى «باريس» والمدن الفرنسية الأخرى، ممن يعانون من البطالة والتهميش الثقافى والسياسى والاجتماعى، وممن يحملون طاقة الغضب والرغبة فى الثأر والانتقام من المجتمع الغربى الذى نبذهم واضطهدهم، ووجدوا ضالتهم فى «داعش» الذى حولهم بدوره إلى «أبطال» و«قيادات» بين صفوفه، وأتاح لهم تحقيق رغبتهم فى الثأر باسم الدين، وفوق كل ذلك أغراهم بمكافأة الجنة والحور العين فى الآخرة.

أضف إلى ذلك أيضا ما كشف عنه مؤخراً رئيس وحدة تنسيق مكافحة الإرهاب فى فرنسا لويك غارنييه، من أن عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى صفوف داعش فى سوريا والعراق قد وصل فى 2015إلى 30 ألف مقاتل، وأن هذا العدد انخفض حالياً إلى أقل من النصف «12ألفاً»، من ضمنهم 3آلاف من أوروبا الغربية، نصيب فرنسا منهم 700 مقاتل فرنسى.

بخلاف 232 فرنسيا آخرين لقوا مصرعهم فى المعارك هناك، وبخلاف 200 مقاتل داعشى فرنسى سابق أيضاً قد عادوا للإقامة إلى فرنسا من جديد فى الفترة الأخيرة.

علماً بأن 50 % من «الدواعش» الأوروبيين مازالوا فى ساحات القتال، بينما لقى 15% منهم مصرعهم هناك، فيما تواجه أوروبا خطر 35% منهم بالكامل قد عادوا إلى بلدانهم الأصلية فعلاً، ناهيك عن 10 آلاف ممن اعتنقوا فكر «داعش» المتطرف ولم يغادروا أوروبا بالأساس.