31 فائدة من قصة موسى عليه السلام والفتاتين
في قصة موسى عليه السلام محطات كثيرة ، وقفات وغرائب وعظات ، نقف هنا في إحدى تلك المحطات، وهي في لحظة خروج موسى عليه السلام من مصر وتوجهه للشام فراراً من فرعون .
بدايةً قال تعالى عن تلك الرحلة (( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ))[القصص:22] .
١- فيه حسن الظن بالله والثقة به سبحانه وتعالى، والأمل في مستقبل الأيام وأنها ستكون أحسن من الماضي .
ثم قال تعالى: ((وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ))[القصص:23].
٢ - المعنى العام : وجد موسى عليه السلام مكان فيه ماء ووجد الناس مزدحمين حوله لسقاية مواشيهم الماء، ورأى امرأتين حول هذا المكان وكأنهم يريدون سقاية الماء لمواشيهم ولكنهم لم يخالطوا الرجال .
ومعنى " تذودان " أي تحبسان ثم فيه أقوال: الأول: تحبسان أغنامهما واختلفوا في علة ذلك الحبس على وجوه:
أحدها: لأن على الماء من كان أقوى منهما فلا يتمكنان من السقي .
وثانيها: كانتا تكرهان المزاحمة على الماء .
وثالثها: لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم .
ورابعها: لئلا تختلطا بالرجال .
٣- يظهر من حال تلك الفتاتين أن لديهم تربية مسبقة بالبعد عن مزاحمة الرجال .
٣ - اقترب موسى عليه السلام وخاطب الفتاتين " قال ماخطبكما ".
وفي هذا إشارة إلى أن الرجل إذا أراد الكلام مع المرأة الأجنبية أن يتكلم بقدر الحاجة، فهنا قال موسى " ماخطبكما " بدون مقدمات أو عبارات فيها تلطف .
٤ - كان جواب الفتاتين لموسى : " قالتا لانسقي ".
ويستفاد من هذا؛ أن كلام المرأة مع الرجال يجب أن يكون بدون تلطف ولامقدمات ولا عواطف، وهذا من أدب الكلام بالنسبة للمرأة ، ومما ينبغي أن نربي فتياتنا عليه وخاصةً في زمننا هذا الذي رأينا فيه تساهل بعض الفتيات في مخالطة الرجال ومزاحمتهم صوتاً وجسداً وعملاً وتسوقاً وسفراً .
٥ - يا ترى ماهو السبب الذي جعل الفتاتين لايسقون الماء ؟.
الجواب : " حتى يصدر الرعاء "؛ أي لانذهب لأخذ الماء إلا بعد ذهاب الرجال من المكان .
وفي هذا تربية على عدم الاختلاط بالرجال، وهذا منهج تربوي يجب أن يتأصل في نفوس الفتيات لكي تبقى المرأة محفوظة كالجوهرة، وأما إن زاحمت الرجال فلاشك أن العيون والشكوك والأخطاء ستدور حولها والله المستعان .
٦ - وفي قول الفتاتين " وأبونا شيخ كبير " .
فيه : بيان لسبب الخروج من المنزل وهو كبر سن والدهم وعدم وجود رجال يخدمونهم .
٧- وفي خروج الفتاتين لسقاية الماء نأخذ درساً في تربية المرأة على المسؤلية في رعاية أمور المنزل في حال غياب أو فقد الرجال الذين في البيت كالوالد أو الزوج أو الإخوة .
فلما سمع موسى منهم هذا الجواب قام بخدمتهما (( فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ))[القصص:24].
وفي ذلك :
٨- المبادرة لفعل المعروف وإغاثة الملهوف وهذه من أجل الصفات وأزكاها .
٩ - " ثم تولى إلى الظل " هنا : نأخذ درس في عدم انتظار الشكر من الآخرين ، بل نقدم الخدمة ثم نتولى ونبتعد كما فعل موسى عليه السلام ، ويظهر من الآية أن الشمس كانت ملتهبة ولهذا بادر موسى إلى الظل مباشرة ، وهذا يدل على كمال خلق موسى عليه السلام في خدمته للفتاتين في شدة الحر .
١٠- قال تعالى على لسان موسى " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " .
والدرس هنا : أنه مهما بلغت منازل العباد فهم " فقراء إلى الله ".
- وبينما كان موسى عليه الصلاة والسلام جالساً تحت الشجرة ماذا حصل له ؟
" فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ".
١١- جاءت فتاة واحدة لتخاطب موسى بأمرٍ مهم .
١٢- الحياء ليس فقط في اللباس أو في الكلام، بل من أعظم صور الحياء بالنسبة للمرأة " الحياء في المشي " وكم من امرأة يظهر من مشيتها أنها منزوعة الحياء ، وأخرى توقن من مشيتها أنها كنز من الحياء .
١٣ - الحياء لا يأتي إلا بخير ، وانظر كيف كانت نتيجة حياء تلك المرأة أن أقبل موسى لوالدهم ثم تزوج من تلك الأسرة الصالحة .
وفي قوله تعالى : ((قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ))[القصص:25] .
١٥- هنا بدأت المرأة بمخاطبة موسى بلهجة بعيدةٍ عن أي مقدمات وثناء .
١٦- قالت الفتاة " إن أبي .." فهنا ربطت الطلب من عند الأب في رغبته لمقابلة موسى ، ولم تذكر عبارة تدل على أنها هي الراغبة ، وهذا منهج سليم في التعامل مع الرجال .
١٧- قام موسىى عليه الصلاة والسلام ليذهب لوالدها ، وفي هذا جواز قبول الهدية والمكافأة من الغير .
- وفي موقف والد الفتاتين نأخذ درس في الحرص على مكآفأة من يحسن لك ، سواء كانت المكافأة بالدعاء أو بالهدية ونحو ذلك .
وفي قوله تعالى: (( فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ))[القصص:25].
١٨- مشى موسى عليه السلام أمام الفتاة لكي لا يراها والرياح قد تحرك ثيابها، وهي تدله على الطريق من الخلف .
١٩- دخل موسى وقص حاله وهمومه على والدها ، وفي هذا درس في أن ذكر الحال ليس من الشكوى المذمومة بل هو من باب إلقاء الأخبار وحكاية الحال للآخرين .
وبعد ذلك قال الرجل لموسى: (( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ))[القصص:25].
٢٠- وفي هذا طمأنة الخائف بالكلمات الإيجابية وزرع التفاؤل في حياته،فموسى غريب في ذلك البلد وهو بحاجة لمجتمع صالح يأنس معه ، ويحتاج لشخص يقف بجانبه في غربته .
٢١ - وراء المحن منح وفتوحات ربانية، فموسى خرج خائفاً من فرعون وجنوده وهنا يعيش في بلد الأمن ثم يتزوج ، وصدق الله ((سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ))[الطلاق:7].
(( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ))[القصص:26].
٢٢- هنا طلبت الفتاة من والدها بديلاً لها في معاناة العمل وسقاية الماء حتى لا تختلط بالرجال .
٢٣ - تربية الفتيات على عدم الخروج من المنزل إلا لحاجة .
٢٤- اختيار العامل القوي الأمين، ولا تكمل الصفة الواحدة منها إلا والأخرى معها .
ومضة : القوة والأمانة من أجمل صفات الرجال، والحياء من أجمل صفات النساء .
٢٥- الحكم على الناس بمظاهرهم وأخلاقهم ، وفي هذا إشارة إلى أن يحرص المرء أن يكون قدوة في أقواله وأعماله لأن الناس يحكمون عليه ويقيمون دينه وخلقه وشخصيته من خلالها .
٢٦ - مسألة : كيف عرفت الفتاة أن موسى قوي وأمين؟.
أما صفة القوة فلعلها أخذتها من قيامه بسقاية الماء .
وأما الأمانة فلعل ذلك من مشي موسى أمامها لما ذهب معها لمنزلهم .
ثم قال والد الفتاتين : (( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ))[القصص:27].
٢٧- هنا الذي بادر بالكلام الأب وعرض الزواج من ابنته للرجل الصالح؛ وهذا تصرف حكيم من ذلك الرجل في الحرص على تزويج ابنته من الرجل صاحب الدين والخلق .
٢٨- جواز أن يكون المهر هو مدة من الزمن للعمل .
وفي قوله تعالى: " وما أريد أن أشق عليك ".
٢٩- يستفاد منه " الرحمة بالعمال " وعدم تكليفهم ما لا يقدرون ، وكم يعاني العمال في كثير من البلاد من ظلم أرباب العمل وتكليفهم ما لا يطيقون وتأخير رواتبهم وغير ذلك من صور الظلم .
وفي قوله تعالى : (( قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ))[القصص:28].
٣٠- تواضع الأنبياء في وظائفهم وقبول أبسط الوظائف؛ فهنا قبل موسى بوظيفة الأجرة ورعاية المنزل وحاجات تلك الأسرة .
٣١- وهنا درس في الوضوح في الاتفاقات والعقود مع الآخرين، وقد جاءت الشريعة بالحث على مرعاة العقود وصيانتها ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ))[المائدة:1] والعقود كلما كانت واضحة كلما سلمت الأطراف من الإشكالات والخلافات .