ماجد وجيه يكتب: هل أنت ملحد؟!
قد يبدو العنوان صادمًا وتكفيريًا إلى حدٍ بعيد، إلا أنني أترجاكم أنْ لا تقفزوا إلى استنتاجات قد لا تكون صائبة، فكل ما نحتاجه هو قراءة هادئة وواعية وفكر مُستنير كي تصل الرسالة بجلاء مع نهاية سطورنا هذه.
تتصاعد الأفكار الإلحادية يومًا بعد يوم كالثور الهائج، إذ إنّ هناك تزايدًا مطردًا في أعداد الملحدين حول العالم، ولا يجب علينا أنْ ندفن رؤوسنا في الرمال مثل النعام بل نقف بقدمين ثابتتين على أرض الواقع كي ما نواجه تلك الظاهرة العبثية السافرة، إذ إنّ هذا الفكر يَسري في البعض منا باعتبار أن مصر ليست بمنأى عن هذا الوباء الذي يجتاح العالم، وهذا ما تظهره إحصاءات عدة يمنع الخوف والحياء مؤسسات الدولة من البوح بها، فالبعض أعلن إلحاده بكل فجاجة وصفاقة، والآخر يعتنق الفكر الإلحادي كعقيدة مُستترة في الخفاء، الأمر الذي يجعلنا نتاسي لهم جميعًا.
ولعل العقل والإيمان هما من نركن إليهما لنفهم، إذ إنه إنْ لم يكن لله وجود فكيف إذن للعقل والمنطق أنْ يبرر وجود هذا الكون بكل ما فيه من عجائب طبيعية، وإجرام سمائية ومخلوقات، ونظام كوني غاية في البهاء والتعقيد، ويذهب البعض من الملحدين إلى أن هذا الكون الهائل، جاء نتيجة لانفجار رهيب حدث في العصور السحيقة تكون علي إثره العالم الذى نحيا فيه، والسؤال هل يتسني لأى انفجار أنْ يبني؟ فدائمًا وأبدًا الخراب والدمار والفناء وليس البقاء والنمو والإعمار، هي نتائج منطقية للانفجارات من حولنا، إذن فالعقل البشرى المحدود علي يقين تام بأنه لابد من وجود مدبر وخالق سرمدى لإدارة وتنظيم الكون والخليقة، وهنا ندرك يقينا بالعقل وحده، وجود الله.
أما الإيمان في أبسط صوره بمثابة "نظارة" يرتديها الإنسان منا لتعميق دور العقل البشري في التأكد من حتمية وجود الخالق، فنظارة "الإيمان" هذه تعمل كعدسة مكبرة ترسخ وتعزز استحالة عدم وجود خالق كحقيقة إيمانية أصيلة وراسخة، وإن لم نرتدها، فسنرى العقل والمنطق يستوعب فكرة وجود خالق لهذا الوجود اللا محدود إلا أنه يتفهمها بحدود عقله المحدود، لذلك ما أحوجنا إلى الاثنين معًا، إذ إن الله غير محدود كيف له أن يدرك بعقل بشري محدود مثل عقولنا، كيف للخالق أن يحده مخلوق!.
وإذا كانت أيديولوجية الإلحاد مغزاها إنكار وجود الله، فإنني أرى أن الكثير منا ملحدون ولا أعني هنا الإلحاد الديني، لا قدر الله، بل إننا ننكر حقائق وتحديات سياسية واقتصادية ومجتمعية تطفو على سطح أرضنا الحبيبة مصر وتعيق من مسيرة التقدم مثلما يعطل ورد النيل حركة الملاحة النهرية.
فمنا من يُنكر بشدة ويرى أن سياستنا لا يشوبها أي خطأ، وأن كل توجهاتنا السياسية دائمًا علي صواب كما لو كانت منزلة، أليس هذا نوعًا من الإلحاد! أقصد الإنكار لوجود مشاكل واضحة وضوح الشمس، ولعلنا نشير إلى الكثير من القرارت السياسية الصائبة التي أحدثت نقاط تحول، ووضعت دولا في مصاف الدول المتقدمة مثلما فعل العظيم مهاتير محمد، في ماليزيا عندما اتخذ قرارًا ثاقبًا بأن نقطة البداية تكمن في التعليم ثم التعليم ثم التعليم، وها هي ماليزيا في خلال ثلاثة عقود تخطو بخطي واثقة نحو مستقبل شديد الجمال، وتستشرف آفاقًا ساطعة، وكم من قرارات سياسية أخرى عصفت بدول أخرى وأسقطتها في ديون مأساوية وتركات خربة تلتهم فيها سرطانات على رأسها الفساد، وقرارات أخرى عزلت دولًا وجعلت منها الكائن الأوحد في مجرتنا كما هو الحال في إيران أو خلقت نوعًا من الانغلاق والانحصار بكل أشكاله مثلما فعل القذافي في ليببا، وكلها أمور يُدركها العقل، ويؤكدها الإيمان بعدسة مكبرة.
ومنا من يذهب بإلحاده وينكر أن بلدنا واقتصادها بلغ مرحلة من الوهن والشيخوخة لم نصل إليها طيلة تاريخ مصر علي مر العصور، ويعللون ذلك بأننا لا زلنا أفضل حالاً من جيراننا، تعليل عليل وعذر قبيح، فنحن نسير بمنطق الطالب المتكاسل الذي يدافع عن نفسه قائلاً: "الامتحان من السهل الممتنع أومن العيار الثقيل الذي يصعب الإجابة عليه.. وشكرًا لله علي الرسوب في مادة واحدة والارتقاء للسنة القادمة"، أقول لهولاء أنتم فشلة بتقدير امتياز لسبيبن أولهما مقارنة مصر بأنصاف دول أو دويلات، وثانيهما لم تتحلوا بالتفكير الإيجابي التحفيزي، أليس هذا إلحادًا وانكارًا؟ فكثير من الدول أشد فقرًا وأقل موارد بشرية وطبيعية منا بكثير، ولكن امتلكوا الإرادة والصبغة الإيجايبة والروية الكريستالية الواضحة، فصارو أساطين اقتصادية قوية!؟ فلماذا لا ننظر وننتهج الدروب التي صارت عليها دول العالم شرقًا وغربًا شمًالا وجنوبًا، مرورًا بتجارب الصين إلى البرازيل، ومن تركيا إلى جنوب أفريقيا، فلماذا هذه الاستكانة وعدم السعي إلى إصلاح فعال؟ خاصة أنها مصر، بلد لها ثقل ورسوخ عبر العصور.
ومن العبث الزعم بأن أخلاقيات مجتمعنا مثالية كسابق عهودها وهذا أراه إلحادًا وإنكارًا، فإنه واضح وضوح الشمس أن الآونة الأخيرة شهدت انحدار الذوق العام، وغياب لأبسط الأخلاقيات؟ أليس هذا إلحادًا؟ بل ويزعم البعض أن هذه هي سنة الحياة، التي هي قوامها التغيير فلا شيء يبقي علي حاله، فيرون أن الأخلاق كسائر الأمور تتبدل.
وهنا أقف رافضًا لهذا الفاصل الكوميدي في الوقت ذاته، فأصول علم الأخلاق بديهات ومسلمات، والمبادئ لا تخضع للتغيير عبر الأزمان، ويملأني الحزن مرارًا وتغمرني الغيرة المقدسة أحيانًا عندما أرى دولا كثيرة منها المتقدم، الذى حرصت على الاحتفاظ بأخلاقيتهم، ولم ينحدر بهم منعطف الأخلاق مثلما ابتلينا بذلك! فنحن نحيا في مجتمع غارق في غيبوبة أساسها عدم الاحترام ونبذ الآخر وغياب للتسامح والمحبة.
التمسوا لي العذر إذا ألصقت بنا تهمة الإلحاد، ولكني لا أراها تهمة بقدر ما هي جريمة، إذ إن فكرة إنكار الشيء، وعدم الاعتراف بوجوده هي الإلحاد في ثوبه الجديد، والملحد من يرتكبها وينكر السوء والتدهور الذي وصلنا إليه.