العرب اللندنية: جماعة الإخوان لا تزال تواصل مناوراتها
قالت صحيفة العرب اللندنية، إنه لا تزال جماعة الإخوان المسلمين
تواصل مناوراتها، على أمل أن تعود إلى الساحة السياسية، وتسعى بطرق مختلفة لتصدير صورة
معتدلة لها، في وقت تتزايد فيه التحديات أمامها.
وأضافت الصحيفة خلال تقريرا لها: لذلك بدأ بعض قادتها حملة
اعتبرها كثيرون منظمة لإعادة الترويج لها، ومحاولة الإيحاء بأنها جماعة تصيب وتخطئ،
وفي داخلها متشددون ومعتدلون، ولديها قدرة على المراجعة، وتحاول أن تبعد الاتهامات
التي أصبحت تضعها والكثير من المتطرفين في بوتقة واحدة.
ورفض خبراء في الحركات الإسلامية بالقاهرة، إطلاق صفة “المراجعات”،
على الطرح الذي قدمه القيادي بجماعة الإخوان جمال حشمت قبل أيام، وتحدث فيه عمّا سماه
“الخطايا العشر” التي ارتكبتها الجماعة خلال السنوات الأخيرة، وقالوا إن كلامه يظل
مجرد “محاولة فردية”، وتناول قضايا جزئية، ولم يتعرض لصلب القضايا الرئيسية، وهو ما
اعتبروه من قبيل تكتيكات الانحناء أمام عاصفة الولايات المتحدة ضد الجماعة.
وقال حشمت، الذي ورد اسمه ضمن القيادات المطلوبة للقضاء المصري
لتزعمه وآخرون نشاطا عنيفا من الخارج، هو التوقيت، حيث ألمح البعض من المراقبين إلى
أن الأفكار الواردة في بيان له تم تداوله، ليست جديدة، بل تم طرحها من قبل، وما الهدف
من إبرازها الآن إلا محاولة لاحتواء شباب الجماعة، المطالبين بتغيير القيادات القديمة.
وعلل سامح عيد، القيادي الإخواني المنشق، موقف جمال حشمت بأنه “تم رفع المظلة السياسية
والمالية عنه داخل الجماعة”.
وألمح البعض من القيادات المنشقة عن جماعة الإخوان، إلى أن
غالبية المبادرات، التي تحمل صبغة الاعتراف ببعض أخطاء الجماعة، تفتقر إلى واقع فعلي
على الأرض تستند عليه، ولا تخرج عن سياق المكائد والصراعات المشتعلة حاليا داخل الجماعة.
وذهب قريبون من تفاصيل ما يجري داخل جماعة الإخوان، إلى أن البعض من قيادات الإخوان،
ممن ليس لهم تأثير كبير في توجيه دفتها، يتخذون مواقف فردية عكس الاتجاه السائد، بالنظر
إلى أن مواقفهم السابقة لم تكن من منطلق قناعة بقدر ما كانت للحصول على مناصب في الدولة،
وضربوا مثلا بحشمت، الذي شغل أيام حكم الإخوان، منصب وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي
بمجلس الشورى.
حشمت، الذي سبق أن طالب بتصحيح أوضاع الجماعة من قبل، اعترف
في بيانه بجملة من الأخطاء، ووصف بيانه هذا، بالشهادة المتكاملة التي تصدر لأول مرة
بعد 6 سنوات من الثورة، وأكثر من ثلاث سنوات من أحداث 30 يوليو، وزعم أنها خطوة تفتح
أبوابا أخري أمام ما سمّاه “سلامة الصدر” وتنقية النفوس، ومعرفة الأخطاء لتداركها،
والإعداد الجيد لخطوات النصر.
كانت من بين الأخطاء التي أوردها البيان، “قرارات دخول الانتخابات
الرئاسية، والتواصل مع المجلس العسكري الذي فرّق قوى الثورة، وتصدُر الإخوان للمشهد
الثوري، واعتماد سياسة الحشد الجماهيري في الرد على المناوئين، والشعور بالنصر والتمكين
وبأن الجماعة صارت بديلا للحزب الوطني، واحتكار المعلومات والسرية، علاوة على قرار
التحالف مع حزب النور السلفي”.
يتشارك حشمت مع البعض داخل الجماعة، في رؤية مفادها أن الجماعة
صارت أضعف من أن تواجه النظام المصري، وأن طبيعة المرحلة الحالية مختلفة عن السابقة،
ما يوجب تغيير التكتيكات، وعلى رأس اقتراحات هذا الفريق، تقديم تنازلات والبدء في الحديث
عن الإعداد لمرحلة جديدة، أساسها ما أطلقوا عليه “الديمقراطية التشاركية”، بمعنى التطلع
إلى برلمان جديد وليس المجالس البرلمانية التي تم حلها.
فضلا عن إيجاد رئاسة جديدة لمصر، ومن ثم فهم يضحون بصدارة
المشهد ثمنا لتجميع معارضة قادرة على ما يسمونه “إسقاط النظام”. ويرى هذا الفريق أن
تكرار فشل الجماعة في استغلال مناسبات ذكرى 25 يناير وغيرها، يعود إلى هواجس لا تزال
عالقة لدى الكيانات الثورية تجاه الإخوان، على خلفية ما حدث في السابق من زحف للإخوان
على السلطة بتفاهمات مع المجلس العسكري على حساب المسار الثوري، دون ضمانات معلنة لعدم
تكرار ما حدث.
وترتكز هذه الرؤية على فقدان الأمل في عودة السلطة في مصر
خالصة لجماعة الإخوان على المدى المنظور، وصعوبة طرح اسم محمد مرسي من جديد للرئاسة،
ويرى أصحابها أن النشاط المسلح وحده لا يرقى إلى إسقاط النظام، ولا بديل عن دعمه بالحشود
الثورية في الميادين والشوارع، وهو ما يدفع الإخوان لتقديم تنازلات وضمانات للكيانات
الشبابية الثورية من خارجهم، خاصة حركتا 6 أبريل والاشتراكيون الثوريون.
خبراء في الحركات الإسلامية شخّصوا أزمة جماعة الإخوان، في
أنها تعيد تكرار التراجعات التكتيكية بينما تغفل عن القضايا الكبرى، منها قضية التكفير
واستخدام العنف وسيطرة الجناح القطبي
وكثيرا ما وجه مفكرون وسياسيون في مصر الانتقاد لجماعة الإخوان،
لعدم إقدامها على مراجعات منهجية شاملة وجماعية وموثقة في الوقت المناسب، وهذا السلوك
ضاعف من فقدان الثقة في الجماعة، التي لا تتحرك دائما في اتجاه التصويب إلا على استحياء
وبعد فوات الأوان، وسعيا لتحقيق أهداف سياسية، تستهدف إعادة تموضع الجماعة، وإخراجها
من أزماتها لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق.
وشكك متابعون في جدوى الحديث عن مراجعات فكرية أو سياسية،
في ظل المناخ السائد حاليا، كحل جذري لأزمة الجماعة، ووصفوا إطلاق المبادرات وإصدار
البيانات عن اعترافات بأخطاء سياسية ارتكبت، بأنه أمر غير منطقي، إذا لم تسبقه خطوات
عملية لتصويب مواقف الجماعة تجاه عمليات العنف ونشاط الخلايا المسلحة، والتحريض من
الخارج على الدولة ومؤسساتها ورموزها.
ويستبعدون أي تأثير لطرح من هذا القبيل، في ظل الانقسام والتشتت،
وغلبة الصوت القطبي المتشدد وضعف حضور الصوت الإصلاحي، الذي صار شبه معدوم بعد إقصاء
غالبية رموزه وانسحاب البقية منهم من المشهد، ويرفض هؤلاء المتابعون تصنيف الصراع الداخلي
على أنه بين “قطبيين” و”إصلاحيين”، أو بين دعاة عنف ودعاة سِلم، فكلاهما قطبي، وكلاهما
ينتهج العنف لاستعادة السلطة، والفارق أن أحدهما يتبنى العنف بشكل معلن، والآخر في
الخفاء. أورد ناجح إبراهيم، القيادي الإسلامي السابق لـ”العرب”، جملة من العوائق تحول
دون إتمام مراجعات شاملة، منها الانقسام وعدم توفر إرادة جماعية، وعدم وجود قيادة قوية
تلزم الجماعة بمقتضياتها. وشدد على أن هناك فارقا بين طرح غرضه المناورة والتمسك بالمنصب،
وطرح آخر تتنازل فيه القيادات عن مكانتها وتعترف بأخطائها.
وشخّص خبراء في الحركات الإسلامية، أزمة جماعة الإخوان، في
أنها تعيد تكرار التراجعات التكتيكية بينما تغفل عن القضايا الكبرى، منها قضية التكفير
واستخدام العنف وسيطرة الجناح القطبي، وطرد أصحاب الصوت الإصلاحي، ما جعل الجماعة عصية
على الاعتدال.
وتابعت الصحيفة: وما يتعامى عنه الإخوان، هو أن طبيعة الدولة
المدنية، لا تقبل وجود جماعات منغلقة على نفسها بأسرار وبرامج ومناهج وميزانيات خاصة
بها، وأن المراجعات المنهجية الشاملة تنقلها من تلك الحالة البدائية إلى الانفتاح والاندماج
والنشاط السلمي المعلن الشرعي، سواء الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي.