موسيقار الأجيال: عاقبته أسرته ومنعه شوقي من الغناء وصار اشهر ملحني عصره

منوعات

بوابة الفجر


محمد عبد الوهاب، مطرب وملحن، غنى علي ألحانه العديد من المطربيين في مصر وفي البلاد العربية منهم فيروز، وأم كلثوم، وليلى مراد، وعبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، وفايزة أحمد، ووردة الجزائرية، وصباح، فهو أحد أعلام الموسيقى العربية. 

لقّب بموسيقار الأجيال، وارتبط اسمه بالأناشيد الوطنية، ولد في حارة برجوان بحي باب الشعرية بالقاهرة، عمل كملحّن ومؤلف موسيقى وكممثل سينمائي، بدأ حياته الفنية مطرباً بفرقة فوزي الجزايرلي، قام بدراسة العود في معهد الموسيقى العربية، بدأ العمل بالإذاعة عام 1934م، ارتبط بأمير الشعراء أحمد شوقى ولحن له العديد من الأغاني . 

نشأته
ولد محمد عبد الوهاب في 13 مارس 1902م، أُلحق  بكتّاب جامع سيدى الشعرانى بناءً على رغبة والده الذي أراده أن يلتحق بالأزهر ليخلفه بعد ذلك في وظيفته وحفظ عدة أجزاء من القرآن الكريم.  

ولكن الفتي كان شغوفاً بالإستماع إلى شيوخ الغناء في ذلك العصر مثل الشيخ سلامة حجازي، وعبد الحي حلمي، وصالح عبد الحي، وكان يذهب إلى أماكن الموالد والأفراح التي يغنى فيها هؤلاء الشيوخ للإستماع لغنائهم وحفظه، ولم ترض أسرته عن هذه الأفعال وتلقي جراء شغفه عقاباً، إلا أن عبد الوهاب قابل الأستاذ فوزي الجزايرلي صاحب فرقة مسرحية بالحسين والذي وافق على عمله كمطرب يغني بين فصول المسرحيات التي تقدمها فرقته مقابل خمسة قروش كل ليلة . 

خطته للتخفي عن أهله
وغنى محمد عبد الوهاب أغاني الشيخ سلامة حجازي متخفياً تحت اسم "محمد البغدادي" حتى لا يتعرفه أحداً من أسرته، إلا أن أسرته عثرت عليه عليه وأصرت على عودته لدراسته، فما كان منه إلا أن هرب مع فرقة سيرك إلى دمنهور، حتى يستطيع الغناء، وطُرد من فرقة السيرك بعد ذلك ببضعة أيام لرفضه القيام بأي عمل سوى الغناء، فعاد إلى أسرته بعد توسط الأصدقاء له، ووافقت أسرته أخيراً على غناءه مع أحد الفرق، وهي فرقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي (المحامي) على مسرح برنتانيا مقابل ثلاثة جنيهات شهرياً، وكان يغنى أغاني الشيخ سلامة حجازي، وحدث أن حضر أحمد شوقي أحد عروض الفرقة وبمجرد سماعه لعبد الوهاب قام متوجهاً إلى حكمدار القاهرة الإنجليزى آنذاك ليطالبه بمنع محمد عبد الوهاب من الغناء بسبب صغر سنه، ونظراً لعدم وجود قانون يمنع الغناء أًخذ تعهد على الفرقة بعدم عمل عبد الوهاب معهم.

نادى الموسيقي الشرقي
التحق عبد الوهاب بعد ذلك بنادي الموسيقى الشرقي ، حيث تعلم العزف على العود على يد محمد القصبجي، وتعلم فن الموشحات، وعمل في نفس الوقت كمدرس للأناشيد بمدرسة الخازندار، ثم ترك كل ذلك للعمل بفرقة علي الكسار كمُنشد في الكورال وبعدها فرقة الريحاني عام 1921، وقام معها بجولة في بلاد الشام وسرعان ما تركها ليكمل دراسة الموسيقي ويشارك في الحفلات الغنائية، وأثناء ذلك قابل سيد درويش الذي أُعجب بصوته , وعمل في روايتي البروكة وشهرزاد، وبالرغم من فشل فرقة سيد درويش إلا أن عبد الوهاب لم يفارق سيد درويش بل ظل ملازماً له يستمع لغنائه ويردد ألحانه حتى وفاة سيد درويش.

محمد عبد الوهاب وأحمد شوقي
في ذات ليلة كان يحضر أحمد شوقي حفل بأحد كازينوهات الإسكندرية أحياه محمد عبد الوهاب وحضره رجال الدولة، وقد طلب "شوقي" لقاء عبد الوهاب بعد انتهاء الحفل، ولم ينس عبد الوهاب مافعله به أحمد شوقي بمنعه من الغناء وهو صغير، وذكّر أمير الشعراء بذلك، وقد برر شوقي تصرفه بأنه كان خوفاً على صحته وهو طفل صغير. 

ومنذ تلك المقابلة تبناه أحمد شوقي، وتعتبر السبع سنوات التي قضاها عبد الوهاب مع أحمد شوقي من أهم مراحل حياته حيث اعتبر أحمد شوقي مثله الأعلى والأب الروحي له الذي علمه الكثير من الأشياء فكان أحمد شوقي يتدخل في تفاصيل حياة عبد الوهاب وعلمه طريقة الكلام وكيفية الأكل والشراب وأحضر له مدرس لتعليمه اللغة الفرنسية لغة الطبقات الراقية. 
بدأ نجم محمد عبد الوهاب يبزغ حيث قدمه أحمد شوقي في كافة الحفلات التي كان يذهب إليها وقدمه إلى رجال الصحافة، مثل طه حسين، وعباس محمود العقاد، والمازنى،وكذلك إلي رجال السياسة مثل أحمد ماهر باشا، وسعد زغلول، ومحمود فهمي النقراشي، ويمكن القول أن العلاقة بين عبد الوهاب وأحمد شوقي علاقة وثيقة ذكرها عبد الوهاب كثيراً في أحاديثه وكان دائما يعترف بفضل أحمد شوقي عليه .
 
عبد الوهاب و الموسيقى العربية
رغم أن محمد عبد الوهاب قدم العديد من الألحان الموسيقية ذات الطابع العربي الأصيل، إلاّ أنه اتهم دائماً بأنه يقوم "بتغريب" الموسيقى العربية، وعلى الرغم من أنه قدم العديد من الإيقاعات الغربية إلى الموسيقى، لكنه قدّم ذلك في إطار الأشكال المعروفة بالأغنية العربية "طقطوقة، ومونولوج غنائي"، وهو من أعاد اسم مصر بأغنياته إلى اسم الدولة بعد حذف لقرابة 12 عاما. 
وكان الطلاب في المدارس يهتفون في طابور الصباح تحيا الجمهورية العربية المتحدة، وظل هذا الهتاف مستمراً لعشر سنوات بعد إنفصال مصر عن سوريا، فأصبح الاسم الجديد جمهورية مصر العربية. 
وطلب الرئيس السادات من محمد عبد الوهاب وضع نشيد وطني لمصر، وفرح عبد الوهاب بهذاالتكليف خاصة وان السادات منحه وقتها رتبة عسكرية فخرية هي رتبة لواء، إلا أن طلبه لوضع اللحن كان مشروطا بشرط قاس، وهو عدم وضع نشيد جديد وابداع لحن جديد وإنما فقط إعادة صياغة نشيد مصر الأول بلادي بلادي لـ "سيد درويش"، والذي عاد وحده تلقائيا بين الجماهير في تلك الأيام بعد النكسة وردده الناس بحماس في كل مكان. 
لم يتكدر عبد الوهاب طويلا كون واضع اللحن إحدى معلميه الأوائل في بداية حياته وإنطلاقا من مبدأ الوفاء للوطن ثم المعلم لم يجد أي غضاضه في ذلك واندمج في إخراج نشيد استاذه سيد درويش في أبهى صورة. 
يذكر ان السادات وضع تحت إمرة عبد الوهاب فرقة الموسيقات العسكرية المصرية الحائزة على المركز الأول بين الفرق العسكرية العالمية لعدة سنوات على التوالى، وبها أمهر الخبرات ولها كل الإمكانيات بدءا من الآلات حتى الملابس .

لقاء السحاب مع أم كلثوم
ذكر عبد الوهاب أن أول لقاء جمعه بأم كلثوم كان بمنزل أحد الأثرياء ,حيث غنيا معاً دويتو "على قد الليل مايطوّل" ألحان سيد درويش بعد ذلك لحن لها أغنية "غاير من اللى هواكي قبلي ولو كنت جاهلة"، رفضت أم كلثوم أن تغنيها فغناها عبد الوهاب، ومن بداية الثلاثينيات وحتى أواخر الأربعينات كانت الصحف تلقب كلاً من عبد الوهاب وأم كلثوم بالعدوين إلا أنه جرت محاولات للجمع بينهم.

زوجاته
تزوج محمد عبد الوهاب ثلاث مرات. الأولى في بداية مشواره الفنى وهي سيدة تكبره بربع قرن يُقال أنها أسهمت في إنتاج أول فيلم له هو "الوردة البيضاء" وتم الطلاق بعدها بعشر سنوات. 
ثم تزوج  بزوجته الثانية "إقبال" وأنجبت له خمسة أبناء هم أحمد ومحمد وعصمت وعفت وعائشة، واستمر زواجهم سبعة عشر عاماً وتم الطلاق ,كان زواجه الثالث والأخير من نهلة القدسي.

وفاته
توفى عبد الوهاب في مساء يوم 4 مايو عام 1991 على إثر جلطة كبرى وجسيمة بالمخ نتيجة سقوطه الحاد على أرضية منزله بعد إنزلاقه المفاجئ من سجاد الأرضية وشُيعت جنازته في يوم 5 مايو بشكلٍ عسكري بناءً على قرار الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك.