د. رشا سمير تكتب: ماتسيبوهم يقولوا آآآى!
لا يمكن أن تُمحى من أذهاننا أبدا مقولة الفنان محمد هنيدى فى فيلم «رمضان مبروك أبو العلمين حمودة» حين تحول من مدرس محترم وصارم إلى دُمية فى يد التلاميذ يستهزئون به ويسخرون منه فقط لأنه قرر أن يتخلى عن مبادئه ويعطيهم دروساً خصوصية، ولخص السيناريست هذا الموقف بكلمات مجملها: لما المدرس من دول يقعد فى الصالون ويشرب الشاى والكيك، مايقدرش يفتح عينه فى التلاميذ!.
هكذا لخص السيناريست كل ما يتعلق بإنسانية البشر فى تلك الجملة البديعة.. بإختصار الشاى والكيك هما سبب بيع الضمائر الذى نشاهده حولنا علينا كل يوم!.. كيف.. إنه زمن السبوبة!.
السبوبة أصبحت هى المحرك الوحيد للبشر فى مصر الآن..
الوزير حين يجلس على الكرسى يكون محترما وله رؤية وجاد فى تنفيذها، ولكن حين يشعر بأن التيار ضده وإن تصديه للأخطاء سوف يفتح عليه النار ويطلق سراح الدبابير.. هنا يصبح أمامه طريقان، إما أن يُصر على موقفه أو ينسحب فى هدوء!.. المؤسف حقا أنه حين يراجع حساباته يدرك حجم الخسارة، فالراتب ضخم والامتيازات بالتليفون وأبناؤه يحتاجون المال وشاليه مارينا هيروح فى الوبا.. هنا فقط يقرر السكوت بل ويقرر البقاء (حتى لو كان بقاؤه زى قلته!).
أما عن أصحاب الرأى فهم تماما مثل المدرس كلاهما يدرك تماما أن صوته وقلمه هما ملزمان له ليحمل قضية وطنه أو مجتمعه على أكتافه بكلمة حق ولا شىء غير الحق.
لكن ماذا لو أصبح استقطاب أصحاب الرأى بالمال هو سمة مجتمع أجهلته الأنظمة فأصبح الإعلام فيه سلاحا يقتل ويذبح تحت سطوة المصالح؟
ماذا لو أصبحت القنوات والصحف سبوبة أجبرت الجميع على بيع ضمائرهم؟!..
إن موقف بعض الإعلاميين الأشاوس الذين استفادوا ومازالوا يستفيدون من أماكنهم فى قضية تيران وصنافير على سبيل المثال بغض النظر عن كون الموضوع شائكاً وغير مفهوم بالمرة حتى نستطيع نحن كأقلام أن ندلو بدلو قاطع فيه، هو موقف مخز ومحير، إنهم كادوا يعرضون أنفسهم للبيع من أجل الاعتراف بسعودية تيران وصنافير لمجرد إرضاء كل من سوف يدفع أكثر.. تدليس فاق كل الحدود!..
كيف أيضا تصرخ إعلامية واهمة فى المتفرجين قائلة: "هو أهم هدف فى حياة أى شخص إنه ياكل تلات طقات، ليه بنسيب نفسنا لحاجات لا تستحق!"
لا تستحق!.. بجد.. Really!.
هناك فئة مهمشة فى هذه الدولة يا أستاذة قهرتها الظروف وتعثرت بحق بسبب الظروف الراهنة.. تُرى ماهو شعور تلك الفئة وهى ترى برنامجاً تليفزيونياً يستضيف رونالدو مقابل ألف دولار فى النصف ساعة، وفى نفس الوقت يطالب المواطن بالتقشف؟!.. ماهو شعور تلك الفئة حين يشاهدون حفلات افتتاح القنوات الجديدة فى الفنادق الكبرى بميزانية لو امتلكتها منطقة عشوائية بأكملها فى مصر لتحولت إلى بيفرلى هيلز!.. ماهو شعور المتفرج الذى يطالبه الإعلاميون بالتضحية وهم يتقاضون الملايين على قفاه!.
أتساءل أحيانا.. هل يشترى رئيس الوزراء والوزراء أغراضهم من الأسواق مثلنا؟ لو كانت الإجابة بنعم.. فكيف إذن تصرح الحكومة كل يوم بأن الأسعار تحت السيطرة، فى حين أن كرتونة المياه المعدنية لها خمسة أسعار متفاوتة من متجر إلى آخر؟!.. لماذا تغض الحكومة بصرها عن ارتفاع سعر كرتونة البيض التى وصلت إلى 50 جنيها؟.. هل لأن الديوك مستوردة؟ أم أن الدجاج أصبح يبيض قيصريا؟!.
نعم، نعلم أن المرحلة صعبة.. ونعم، ننتظر الفرج مؤمنين بأنه آت.. ونعم، نحن على يقين من أن رئيسنا يحارب عشرات الجبهات المفتوحة.. ولكن الحقيقة أن الكيل طفح من الأسعار والغلاء..
حالة الجنان التى انتابت الأسعار أفقدت الموظف نصف راتبه فى شكل زيادات وضرائب.. بل وأفقدته نصف آدميته بسبب التعليم المتردى والعلاج المذرى.. وأفقدته نصف كرامته وهو يرى المرتزقة مازالوا يتصدرون المشهد..
إذن تحول الرأى إلى سبوبة.. وتحولت كلمة حق إلى سراب.. وأصبح المسيطرون على الساحة هم نفس الوجوه العكرة.. أصحاب نظرية شيلنى وأشيلك..
فى ظل كل هذا التردى الأخلاقى والإنسانى.. لماذا نستنكر على المواطن المصرى أن يئن؟ لماذا نحاسبه لو اعترض أو اشتكى؟ لماذا يخرج كل إعلامى ممن يخطبون ود الدولة مُتهمين من يبحثون عن السكر بالجشع.. ويتهمون من يشتكون الغلاء بالخيانة؟..
يا اخوانا الرحمة.. انتو مستكترين عليهم يصرخوا.. ما تسيبوهم يقولوا آآآى.