موقع أمريكى يكشف: "تيتان بوينت".. أهم مركز تجسس فى مدينة نيويورك
■ تجسست من خلاله وكالة الأمن القومى على البنك الدولى وصندوق النقد و38 دولة منها إيطاليا وفرنسا وألمانيا والبرازيل
أطلقوا عليه المشروع «إكس»، وكان الهدف منه هو بناء ناطحة سحاب ضخمة فى وسط مدينة نيويورك قادرة على الصمود فى مواجهة الانفجارات النووية.
لم تتضمن هذه البناية أى نوافذ وتكونت من 29 طابقا مع ثلاثة طوابق تحت الأرض، ومأكولات تكفى لما يقرب من 1.5 ألف شخص على مدار أسبوعين لتجنب التعرض للإشعاع الناتج عن الانفجار النووى.
ولكن مصير هذه البناية تغير ولم يتم استخدامها للحماية من الإشعاعات الذرية أو الحرب النووية، وبدلا من ذلك أصبحت هذه البناية بمثابة الدرع الحامية للآلاف من أجهزة الكمبيوتر والتحويلات الهاتفية، وموطناً لواحد من أهم مراكز الاتصالات فى الولايات المتحدة الأمريكية وأكبر مركز فى العالم لإدارة التليفونات الدولية، وتمتلك شركة «إيه تى آند تى» هذه البناية.
بدأت عملية البناء فى عام 1969 وانتهت بحلول عام 1974، واليوم يمكن بسهولة مشاهدة هذه البناية الغامضة وعنوانها 33 شارع «توماس مناهاتن» نيويورك، برج رمادى اللون يمتد على طول 550 قدما فى سماء نيويورك.
بالنسبة للكثير من الأمريكان، يظل هذا المبنى الخالى من النوافذ رمزا للغموض، واعتبره الكثيرون واحدا من أكثر ناطحات السحاب المثيرة للشك، ولكن لم يتوفر سوى القليل من المعلومات عن هذا المبنى المثير.
نشر موقع «ذا انتسريبت» الأمريكى المتخصص فى التحقيقات السياسية والأمنية تحقيقاً مفصلاً حول هذا المبنى، وتضمن هذا التحقيق معلومات ووثائق تؤكد أن هذا المبنى الغامض ما هو إلا مركز»سري» تابع لوكالة الأمن القومى الأمريكى أو ناسا يتم استخدامه من أجل التجسس على مختلف دول العالم إلى جانب التجسس على العديد من المنظمات الدولية.
حصل الموقع على وثائق من «إدوارد سنودين» الذى سرب العديد من المعلومات المتعلقة ببرنامج التجسس الخاص بوكالة الأمن القومى الأمريكى، مشيراً إلى أن وثائق «سنودين» لا تذكر اسم البناية صراحة، ولكن بمراجعة التخطيط الهندسى لهذه البناية، الوثائق الرسمية الخاصة بالبناية، إلى جانب لقاءات مع عدد من الموظفين السابقين فى شركة «إيه تى آند تى» المالكة المفترضة للبناية، توصل الموقع لنتيجة واضحة وهى أن ناطحة السحاب الغامضة هى مركز تجسس تابع لوكالة الأمن القومى الأمريكى يطلق عليها اسم «تيتان بوينت».
بحسب مهندس سابق فى شركة «إيه تى آند تى»، فإن البناية تضم بوابة خلفية ضخمة من أجل تتبع المكالمات الهاتفية بين الولايات المتحدة ومختلف دول العالم، كما أشارت مجموعة من الوثائق الخاصة بوكالة الأمن القومى إلى أن الوكالة الأمريكية سجلت مجموعة من المكالمات الدولية من خلال منشأة أمنية داخل المبنى الذى تملكه شركة «إيه تى آند تى».
وأوضح الموقع الأمريكى أن ناطحة السحاب القابعة فى قلب مدينة «نيويورك» تم استخدامها كمركز رئيسى لبرنامج التجسس المثير للجدل لوكالة الأمن القومى الأمريكى والذى استهدف مكالمات العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، صندوق النقد الدولى، البنك الدولى، وعلى الأقل 38 دولة بما فى ذلك دول كبرى حليفة للولايات المتحدة مثل ألمانيا، اليابان، وفرنسا.
يؤكد الموقع أن شركة الاتصالات الأمريكية «إيه تى آند تى» تتعاون مع وكالة الأمن القومى الأمريكى، ولكن لا يوجد سوى القليل من المعلومات حول الدور الذى لعبته بعض المؤسسات فى تنفيذ هذه البرامج السرية، كما تتضمن وثائق «سنودين» معلومات جديدة بشأن كيف تم استخدام أجهزة وكالة الأمن القومى الأمريكى ضمن شبكة شركة «إيه تى آند تى» فى مدينة «نيويورك سيتي»، وهو الأمر الذى يلقى الضوء على تفاصيل جديدة بشأن الأساليب والتكنولوجيا التى تستخدمها الوكالة للتصنت على الاتصالات عبر أنظمة الشركة.
التقى موقع «ذا إنترسبيت» مع «إليزابيث جوتين» المدير المشارك لبرنامج الحرية والأمن القومى فى مركز «بيرنمان» للعدالة، والتى أشارت إلى أن علاقة شركة «إيه تى آند تي» مع وكالة الأمن القومى الأمريكى ما هى إلا دليل جديد على أن شركات الاتصالات، سواء برغبتها أو بدون، قد تحولت إلى ذراع الدولة للمراقبة.
وأضافت «جوتين»: إن وكالة الأمن القومى تعمل بشكل مفترض تحت سلطات تسمح لها باستهداف الأجانب، ولكنها فى الواقع أصبحت «متورطة» بشكل عميق فى التنصت على المكالمات الداخلية، فهذا النوع من التجسس لم يعد قاصرا على الأجانب فقط ولكنه امتد للمواطنين الأمريكان، لكن الغريب - بحسب الموقع- أن وكالة الأمن القومى رفضت التعليق على هذه المعلومات.
تيتان بوينت
يطلق على هذه البناية اسم «تيتان بوينت»، وهو الاسم الذى يظهر عشرات المرات فى وثائق وكالة الأمن القومى، خاصة فى تلك الوثائق المتعلقة بعمليات التجسس والمراقبة، وتستخدم الوكالة اسما رمزيا من أجل التعامل مع المعلومات العامة، ويندرج تحت هذا الوصف أسماء الشركات التى تتعاون مع الوكالة أو بعض المواقع حيث تتم عمليات التجسس الإلكترونى.
تندرج هذه المعلومات تحت فئة تعرف باسم «معلومات مسيطر عليها بشكل استثنائي» وهى فئة أكثر أهمية من فئة «معلومات سرية للغاية»، وبالتالى فهذه المعلومات كانت خارج نطاق المعلومات التى بإمكان «سنودين» الحصول عليها.
تضمنت وثائق تحمل عنوان «دليل ناسا السرى للسفر» بتاريخ إبريل 2011 وفبراير 2013، معلومات حول «تيتان بوينت» تثبت تلك العلاقة التى تربطها بناطحة السحاب الكائنة فى 33 شارع توماس نيويورك.
فى دليل السفر الذى يعود تاريخه إلى 2011 وتمت كتابته لمساعدة موظفى «ناسا» على زيارة العديد من المنشآت، تتم الإشارة صراحة إلى أن «تيتان بوينت» يقع فى مدينة نيويورك، وفى دليل عام 2013، تتم الإشارة إلى شريك عمل لـ»ناسا» يحمل اسم ليثيوم، وهو الاسم الرمزى الذى تطلقه وكالة الأمن القومى على شركة «إيه تى آند تي»، يتولى عملية الإشراف على الموقع.
تقع ناطحة السحاب بالقرب من مكتب المباحث الفيدرالية فى مدينة نيويورك، وتضمن دليل سفر 2011 تعليمات لموظفين ناسا المسافرين إلى «تيتان بوينت» بالتوجه إلى مقر المباحث الفيدرالية الجديد فى مدينة نيويورك.
وأضاف الدليل: إن الذهاب إلى الموقع يجب أن يتم بالتنسيق مع «ليثيوم» أو شركة «إيه تدى آند تى» والمباحث الفيدرالية، وعند الذهاب إلى تيتان بونيت، طلبت الوكالة من الموظفين استئجار سيارة من خلال المباحث الفيدرالية، خاصة فى حالة قيامهم بنقل أجهزة إلى الموقع، ومن أجل الحفاظ على سرية هوياتهم، طلبت الوكالة من الموظفين عدم ارتداء أى ملابس تتضمن أى إشارة لعملهم فى وكالة الأمن القومى، وعند الوصول لـ»تيتان بوينت» يقوم الموظف برن الجرس وتسجيل دخوله ثم ينتظر من أجل قدوم شخص لاصطحابه داخل المبنى.
يشير موقع «ذا انترسبيت» إلى موضوع صحفى نشرته جريدة «نيويورك تايمز» فى عام 1994، يؤكد أن ناطحة السحاب القابعة فى 33 شارع توماس، ما هى إلا جزء من شبكة عالمية ضخمة للتجسس تتبع شركة «إيه تى آند تي» حيث تتم إدارة ما يقرب من 175 مليون مكالمة فى اليوم.
يذكر أن علاقة طويلة الأمد قد جمعت بين وكالة الأمن القومى الأمريكية وبين هذه البناية، فى عام 1975، وبعد عام واحد من الانتهاء من بناء هذا المبنى الغامض، تورطت وكالة الأمن القومى فى فضيحة كبيرة فى تاريخ المخابرات الأمريكية، وذلك بعد الكشف عن عمليات تجسس داخلية استهدفت النشطاء الأمريكان المعارضين لحرب فيتنام.
داخل الـ«تيتان بوينت» يوجد غرفة تحمل اسم»غرفة المعلومات الحساسة»،حيث يتم تخزين الأجهزة الخاصة بوكالة الأمن القومى،ويقول مارك كلارين الموظف السابق فى شركة «إيه تى آند تى» أن الشركة كانت تضم غرفة يطلق عليها «الغرفة الآمنة» فى إحدى مكاتبها فى «سان فرانسسكو»، حيث كانت تضم معدات لمراقبة الاتصالات.
لم يكتف الموقع الأمريكى بنشر التفاصيل والوثائق التى تثبت أن هذا المبنى هو مركز لعمليات التجسس الأمريكية، ولكنه استعرض أيضاً مجموعة من الصور من داخل هذا المبنى التى ظل واحدا من أكثر المبانى إثارة للفضول فى ظل السرية الكبيرة التى غلفته منذ بنائه فى السبعينيات.