أحمد فايق يكتب : فن الجرافيتى
يفخر الإنجليز بأنهم أخترعوا فن الجرافيتى فى الستينيات، رغم أن المصريين سبقوهم بآلاف الأعوام على جدران الفراعنة. هو الفن الذى ترتعب منه الأنظمة الفاشية، وتخشى منه الديكتاتوريات، ويستفز محترفى السلطة، ويقهر آلهة الحكم، إذا أردت أن تستفز الإخوان قل لهم يسقط حكم المرشد ، وإذا أردت أن تحرق دم الفلول عليك أن تصف مبارك بـ«المخلوع» وليس «السابق»، وإذا أردت التعبير عن إرادة شعب فى وجه نظام فاشى فاستخدم مسدس الرسم، وقنابل الفن، ومدفعية البورتريه، وقذائف الألوان، ورصاص الفن التشكيلى، فالثوار ليسوا ميلشيات تابعة لتنظيم إرهابى، ولا يمتلكون إلا هتاف سلمية وقدرة فنانيهم على التعبير عن هموم المصريين على الجدران.
الجرافيتى لم يكن بعيدا عن المصريين فى عز قوة الطواغيت، فقد طالب بالتحرير من الاحتلال الإنجليزى، وعبر عن ثورة 1919، وواجه كامب ديفيد، حتى فى أوج قوة عهد مبارك لا نستطيع أن ننسى كتابات أديب الشباب محمود عبدالرازق عفيفى على الجدران. عاد الجرافيتى بقوة قبل ثورة 25 يناير، وتحديدا حينما رسم فنانو الإسكندرية بورتريهات للشهيد خالد سعيد على الجدران، وفى الثورة تحولت جدران شارع محمد محمود إلى معرض فنى فيه صور شهداء الثورة، والجرافيتى الشهير لطنطاوى ومبارك وتعليق اللى خلف مامتش ، لم يستطع العسكر تحمل انتقادهم على الجدران، وشنوا هجوما ضاريا على الفن وأزالوا الجرافيتى، ليعود الشباب كى يرسموه من جديد، هل تتخيل هذا؟
الجيوش تعد دائما العدة لمواجهة العدو فى الحرب، وتحرير البلاد من الاستعمار، وفى مصر يعد الجيش ويستنفر من أجل صورة على جدار، وكلمة حق فى وجه نظام باطش، ولوحة تعبيرية عن ديكتاتورية، نجح العسكر فى إزالة عشرات اللوحات المرسومة على الجدران، لكنهم فشلوا فى إزالتها نهائيا، ففى نفس يوم الاعتداء يذهب الشباب لعمل رسوم جديدة، ومن المستحيل على نظام عجوز وشائخ أن يدخل فى سباق عدو مع شباب ينبض بالحياة.
بعد خيانة الإخوان للثوار فى أحداث محمد محمود الأولى انضم للجرافيتى الشهير للمشير ومبارك صورة مرشد الإخوان وكتب على الثلاثة اللى خلف مامتش ، لم يستطع الإخوان تحمل هذا الجرافيتى وغيره، فأصدروا أوامر للداخلية بإزالته من شارع محمد محمود، فعاد الثوار مرة أخرى ليرسموا مستقبلهم على الجدران، ودائما الغباء يحرك هذه الأنظمة الديكتاتورية، وبدلا من أن يكون الجرافيتى عن المجلس العسكرى ولوحة واحدة عن الإخوان، تحولت جدران محمد محمود كلها إلى صحيفة حائط تشكيلية ضد حكم المرشد.
هذه المرة انتقل الجرافيتى إلى أبعد مكان وهو قصر الاتحادية، ولم يترك الثوار جدران قصر الرئيس وعبروا عنه بألوانهم ولوحاتهم، طغى عليها اللون الأحمر.. لون الدماء التى تسبب مرسى فى سفكها فترة حكمه القصيرة، كتبوا على الجدران عن العلاقة بين السلطة والثروة، وأن مرسى هو مبارك جديد، بورتريهات للشهيدين جيكا وأحمد نجيب، صور لضباط 8 أبريل.. كتبوا جملة جيكا إنتخب اللى قتله ، كتبوا على الجدران ياللى عملت نفسك إله.. لا إله إلا الله ، طالب الثوار فى لوحاتهم بسقوط مرسى، كتبوا على بوابة قصر الاتحادية للرئيس إرحل ، حولوا قصر الاتحادية إلى مستشفى الجلاء للولادة، والرئيس إلى مدير المستشفى، فمطالب الثورة لم تتحقق، وقبلة الثورة تحولت من ميدان التحرير إلى قصر الرئاسة، فحينما تظاهروا فى التحرير تم الاستخفاف بهم، اضطروا إلى الزحف لقصر الرئاسة، فلا مجيب لهم، تماما مثلما فعلوا مع مبارك، فقد كانت كاميرات التليفزيون المصرى تصوب عدستها نحو كوبرى أكتوبر وتبتعد عن الملايين فى التحرير، لكنها لم تستطع أن تتجاهل الملايين الذين ذهبوا لقصر الرئاسة مطالبين بإسقاط النظام، وسقط مبارك بعنده، كما سيسقط مرسى مع أهله وعشيرته طالما يبتعدون عن ملفات الثورة ومطالبها.
وبدلا من أن ترسم ميلشيات الإخوان لوحات على الجدران لتعبر عن رأيها، استخدموا طلاء مزيلاً لوجهة نظر الثوار، فالفن لا يواجه إلا بالفن، والرأى لا ينتصر عليه إلا رأى أكثر وجاهة، والكره لا يهزم الحب، والمنع أضعف من أن يواجه الحرية، نظام الإخوان عجوز مثله مثل نظام مبارك، والثوار شباب وأطفال ومراهقون، والصراع بين الماضى والمستقبل فى صالح المستقبل.