وحدة التنصت الإسرائيلية "8200" تعاونت مع الاستخبارات الأمريكية للتجسس على مصر
نقلت مكالمة «عبد الناصر» مع ملك الأردن.. وضللها «السادات» فى 1973.. وتجسست على «مرسى» فى 2103
قبل أيام قليلة، نشر موقع وزارة الدفاع الإسرائيلية وثيقة سرية سربها موقع «ويكيليكس» الأمريكى، ويعود تاريخها إلى شهر إبريل عام 2013، وهو ما يتزامن مع بداية فترة الولاية الثانية للرئيس الأمريكى باراك أوباما.
الوثيقة كشفت عن وجود تعاون مكثف خلال تلك الفترة ما بين وحدة «التنصت وفك الشفرات» التابعة للجيش الإسرائيلى، المعروفة باسم الوحدة «8200»، ووكالة الأمن القومى الأمريكية «NSA»، تضمن عمليات تتبع وتنصت وتبادل وتحليل لمعلومات مهمة عن منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب التجسس على دول شمال إفريقيا وبعض الدول الخليجية والإسلامية.
وأوضحت الوثيقة أنه فى شهر يوليو من عام 2012، صدق المسئول عن النشاطات الاستخباراتية فى الولايات المتحدة على قرار توسيع التعاون المخابراتى مع «إسرائيل» بشأن مصر، وهو ما سمح لفرع الاستخبارات بوكالة الأمن القومى الأمريكية، بالانضمام للوحدة «8200» الإسرائيلية، واختيار موضوعات استراتيجية تخص مصر أبرزها الخلايا الإرهابية فى سيناء.
وبحسب مضمون الوثيقة، فإن إسرائيل تجسست على مصر خلال التوقيت السالف ذكره، وما يؤكد ذلك التقرير الذى نشره موقع «نيوز وان» العبرى فى شهر إبريل عام 2013، وكشف حينها أن الموساد الإسرائيلى ووحدة «8200» كانا يتابعان ويحللان المحادثات الهاتفية التى كان يجريها الرئيس الأسبق محمد مرسى منذ توليه مهام منصبه.
وذكر التقرير وقتها أن الخطوات الأولى لمحمد مرسى قد ثبت إيجابيتها بالنسبة لإسرائيل، ومنها على سبيل المثال ما أعلنته شبكة التلفزيون الإيرانية التى زعمت أن مرسى قد أجرى اتصالاً هاتفياً فور الإعلان عن تنصيبه رئيساً بأحد أعضاء المجلس الأعلى الدينى، من منطلق أنه يرى فى إيران حليف حقيقى لمصر، متابعاً: أن مؤسسة الرئاسة حينها سارعت بنفى الخبر جملة وتفصيلاً، إلا أن الإيرانيين لم يستسلموا وقاموا ببث تسجيل صوتى لمحادثة هاتفية ظهر بها صوت مرس.
وكشف التقرير عن أن الموساد الإسرائيلى نجح وقتها فى الحصول على نسخة من التسجيل الصوتى، وقام بتحليلها، وخرج بنتيجة مفادها أن التسجيل «مزيف»، لكنه كشف عن موقف محمد مرسى الحقيقى من طهران وعدم رغبته فى فتح ملفها الآن، والثانية تتعلق برغبة الإيرانيين فى السيطرة على الثورة المصرية.
وأوضح التقرير أنه رغم حالة الذعر والخوف التى سادت «تل أبيب» مع اعتلاء مرسى لكرسى الرئاسة، إلا أن وزارة الدفاع الإسرائيلية اطمأنت بعد التنصت على المحادثات الهاتفية التى كان يجريها محمد مرسى، وأصبحت تنظر للإخوان على أنها جماعة معارضة «كلاسيكية» استغلت تنظيمها للانقضاض على الثورة، وتوقعت وقتها أن ينقلب الشعب على «مرسى» من جديد فى حالة عدم التزامه بتوفير السلع الغذائية للملايين من المصريين.
ولم يكن غريباً أن يقوم رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلية السابق اللواء «بينى جانتس»، بتكريم أفراد وحدة التنصت «8200» بالكامل فى شهر يوليو من العام ذاته، على ما وصفه بـ«الانجازات المذهلة» التى حققوها خلال الفترة من 2011 حتى يوليو 2013.
لم يأت اختيار وكالة الأمن القومى الأمريكية لوحدة التجسس الإسرائيلية من فراغ، فالوحدة « 8200» لها باع طويل فى التجسس على مصر، وسبق لها أن نجحت فىالتنصت على المكالمات الهاتفية التى كان يجريها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل وأثناء حرب 1967، ففى اليوم الثانى من اندلاع الحرب سجلت هذه الوحدة نص المحادثة الهاتفية التى تمت بين عبد الناصر والملك حسين، وخلال المحادثة قال عبد الناصر إن الطيران المصرى يحلق فوق المطارات الحربية الإسرائيلية، على الرغم من انهيار السلاح الجوى المصرى بالكامل قبلها بيوم.
وكشفت هذه المحادثة حينها عن رغبة عبد الناصر فى إشراك سلاح الطيران الأردنى فى الحرب، للتخفيف عن الجبهة المصرية، وعلى الرغم من معارضة رئيس شعبة المخابرات الحربية آنذاك اللواء «أهارون ياريف» صمم وقتها وزير الدفاع الإسرائيلى «موشيه ديان» على إذاعة تفاصيل المكالمة على إذاعة الجيش الإسرائيلى «جالى تساهل»، وحينها انتقدت القيادات العسكرية الإسرائيلية «موشيه ديان»، بسبب إصراره على نص المحادثة خوفاً من اجتذاب الاتحاد السوفيتى للحرب، مثلما تعهدت لمصر بالتدخل وفقاً لاتفاقية «الدفاع المشترك» فى حالة مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها إذاعة محادثة هاتفية مسجلة لأحد الزعماء العرب.
واصلت الوحدة «8200» تسجيل ومتابعة كل كبيرة وصغيرة داخل القيادة المصرية، لكنها فشلت رغم ذلك قبل حرب 1973 فى تحديد وجهة مصر الحقيقية من الحرب، وذكرت فى تقريرها الصادر قبل الحرب بأيام من خلال التنصت على المكالمات التى كان يجريها الرئيس السادات مع الزعماء العرب «أن إمكانية استئناف مصر للقتال ضئيلة للغاية».
وفى يوم الخامس من أكتوبر1973 توجه وفد أمنى رفيع مكون من رئيس الوحدة «848»، والعقيد «يوئال بن بورات »، ورئيس شعبة المعلومات العقيد «مناحم ديجلى»، إلى رئيس شعبة المخابرات اللواء «إيلى زعيرا»، وطالبوه بتشغيل أجهزة التنصت التى تم زرعها فى مصر، للتأكد عما إذا كانت تحركات الجيش المصرى وقتها غرضها الحرب على إسرائيل أم أن الأمر لا يتعدى كونه «مناورة» عادية، إلا أن « زعيرا» رفض، وهو ذات موقفه من طلب مماثل لرئيس شعبة الأبحاث اللواء «ارييه شلو».
وفى نهاية الأمر، صدرت الأوامر بتشغيل وسائل التنصت وتحديداً صباح يوم السادس من أكتوبر قبل اندلاع الحرب بساعات، ووقتها اعتقد كل من رئيس هية الأركان» ديفيد بن اليعازر»، ووزير الدفاع «موشيه ديان» استحالة اندلاع الحرب، بناءً على تقرير قدمه « زعيرا» بشأن أجهزة التنصت التى تم زرعها داخل مصر. يذكر أن «إسرائيل» تحتل المركز الثانى بعد الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال التنصت على مستوى العالم، وذلك لأن وحدة التجسس الإسرائيلية استوعبت التطور السريع الذى طرأ فى مجال الاتصالات خلال العقد الأخير، وغيرت من تكنيكات التجسس، فلم يعد هناك مجال للتنصت بواسطة أجهزة اللاسلكى أو شبكات الاتصالات العسكرية، ولكن يتم استخدام تكنولوجيا غاية فى التقدم غير معروفة لدى معظم دول العالم، ومنها أن نجح بعض المهندسين المتخصصين فى مجال التكنولوجيا فى تحويل جهاز الكمبيوتر العادى إلى جهاز تجسس بإمكانه رصد من بين ملايين العبارات ومليارات الكلمات التى تُنقل عبر مواقع التواصل من خلال شبكة الإنترنت، لا سيما العبارات المتعلقة بالأمن القومى الإسرائيلى.