العرب اللندنية: صراع آخر بين "مصر" وقطر
قالت صحيفة العرب اللندنية، إن الصراع على حقوق البث الرياضي بين مصر وقطر، يتجه تدريجيا إلى ذروته، بعدما حول جهاز رقابي مصري قناة رياضية قطرية إلى النيابة العامة بتهمة الاحتكار.
وسبق
هذه النتيجة المفاجئة تحول التنافس الإعلامي إلى معركة سياسية على هيمنة إعلامية لكل
طرف على منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
وأضافت
الصحيفة: وتوجه الحكومة المصرية انتقادات للدوحة بسعيها لسحب البساط من قمر نايل سات
المصري، الذي لطالما تحكم في بث أغلب القنوات العربية لسنوات، وفي غمار الصراع تتنافس
الشركات والهيئات على احتكار إعلامي، كخطوة سريعة نحو حسم العديد من القضايا السياسية.
وأشارت
الصحيفة إلى أن رغبة مصر العارمة في “تحصين” المصريين من تمدد إعلامي قطري تراه معاديا
لها، باتت جزءا من الاستراتيجية التي أسفرت عن ظهور قنوات مصرية ذات طابع إقليمي.
ومن
بين هذه القنوات “إكسترا نيوز”، وهي قناة إخبارية بدأت البث مؤخرا وتحمل توجها يتخطى
الحدود المصرية، بالإضافة إلى قناتي “دي إم سي” و”أون لايف”، اللتين تستعدان للانطلاق
قريبا.
ويقول
مراقبون إن المقاربة المصرية لإنشاء قنوات إخبارية مازالت ذات طابع محلي، ولم تتمكن
بعد من التمدد لمناقشة قضايا إقليمية كبرى من منظور أوسع، وقالوا إن الإمكانيات المادية
والفنية غالبا ما تكون متوفرة، لكن الخبرة في النهوض بقنوات إخبارية تكون قادرة على
المنافسة عربيا تفتقرها مصر كثيرا، نظرا إلى الذائقة الإخبارية المحلية التي هيمنت
على البلد لعقود.
وإلى
جانب القنوات الإخبارية، أطلق رجال أعمال مصريون قنوات رياضية مثل “أون سبورت” و”النهار
سبورت” وغيرهما، إلا أن السياسة المصرية في التوسع الإعلامي لم تتمكن بعد من تشكيل
منافسة تذكر لقنوات “بي إن سبورتس” الرياضية القطرية، التي مازالت تحتكر أغلب البطولات
العالمية حصرا.
ويقول
صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن “قوانين الإعلام في مختلف البلدان تجرم
الممارسات الاحتكارية، وبدأ التعامل معها بشكل جدي في العديد من البلدان الغربية، إلا
أن التجربة العربية تعد نموذجا مختلفا، إذ يتم توجيهها لصالح تحقيق أكبر قدر من الهيمنة
السياسية، وبالتالي فإن أغلب الصراعات الاحتكارية تعد صراعات سياسية بالأساس”.
وأضاف
للصحيفة: مصر تسعى لتحقيق أهداف عديدة من خلال حقوق البث، أهمها توفير مشاهدة لمواطنيها
من خلال قنواتها، في وقت تستعد فيه لمواجهة الاحتكارات الداخلية عبر قوانين الإعلام
الجديدة والهيئات التي يجري تشكيلها، بالإضافة إلي مزاحمة شبكة قنوات الجزيرة القطرية
التي تسببت في خسائر عديدة للمنظومة الإعلامية المصرية”.
وتنظر
دوائر صنع القرار في مصر إلى احتكار قطر للبث الرياضي كأحد أبعاد الصراع السياسي المحتدم
بين البلدين منذ الإطاحة بالرئيس المصري المنتمي إلى الإخوان المسلمين محمد مرسي في
2013، إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه.
وتدعم
قطر وقناة الجزيرة، ذراعها الإعلامية الضاربة، تنظيم الإخوان المسلمين في عدة دول عربية.
ولعبت القناة الإخبارية القطرية دورا محوريا في صعود جماعات الإسلام السياسي عبر الاستثمار
في ثورات ما بات يعرف بـ”الربيع العربي”.
وبدأت
قنوات خاصة مصرية في التوسع في برامج حوارية ذات طابع سياسي بالأساس منذ صعود الرئيس
عبدالفتاح السيسي إلى الحكم عام 2014، وترى الصحيفة أن الهدف من عدد آخذ في الزيادة
من برامج لا تحظى بثقة المصريين، لكنها تتمتع بنسب مشاهدة مرتفعة، هو سحب البساط من
الإعلام القطري الذي كان رأس الحربة في دعم ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام الرئيس الأسبق
حسني مبارك، موضحة أن مصر تنقل الصراع مع قطر من الساحة السياسية إلى حقوق البث الرياضي.
ويقول
محمد عبدالرحمن، الخبير الإعلامي ورئيس تحرير موقع “إعلام أورج”، إن “التحركات المصرية
على الساحة الإعلامية هي صحوة متأخرة لمواجهة الاحتكارات المتتالية للمنتج الرياضي
بالقارة الأفريقية، بعد أن تركت مصر المجال فارغا لقوى أخرى باتت تتحكم في السوق دون
أن تكون هناك أي مواجهة قانونية أو تنافسية من قبل الحكومة المصرية”.
وأضاف
أن “قضية حقوق البث ينبغي أن تدار بشكل سياسي وقانوني بالأساس، بما يضمن عدم الاضطرار
إلي دفع تعويضات كبيرة، حال تصعيد الأمور إلى المحاكم الرياضية الدولية”، مشددا على
ضرورة التواجد المصري على الساحة، ليس على الصعيد الرياضي أو الترفيهي فقط، بل على
الصعيد السياسي لأنه هو الأهم، حتى وإن كان ذلك من خلال الشراكة مع الهيئات الإعلامية
المنافسة”.
وذهبت
مصر في الصراع إلى نقطة ليس بعدها رجعة، بعد أن أحال جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات
الاحتكارية المصري (حكومي) شركة “بي إن سبورتس” القطرية إلى النيابة العامة المصرية،
بتهمة مخالفة قانون المنافسة. وفي قرار آخر أحال الجهاز رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة
القدم عيسى حياتو إلى النيابة بنفس التهمة أيضا.
واتهم
الجهاز الاتحاد الأفريقي باحتكار “المنتج الرياضي” داخل القارة السمراء من خلال منحه
شركة “لاغارديه سبورتس″ الفرنسية (صاحبة حق بيع المباريات للقناة القطرية)، حقوق بث
البطولات الرياضية الأفريقية طوال مدة 12 عاما (من 2017 وحتى 2028 )، دون طرحها للشركات
الأخرى الراغبة في المنافسة للحصول عليها، في إطار طبيعي يضمن وجود منافسة حرة وعادلة.
ويقول
مراقبون للصحيفة، إن إجراءات الحكومة المصرية قد تؤدي إلى تصعيد الصراع لينتقل إلى
أروقة المحاكم الدولية، التي سيكون لها الحق في البت في الصراع من الناحية القانونية.
وأضافوا
أنها قد تدفع الاتحاد الأفريقي لتغيير مقر إقامته الدائمة بالقاهرة تجنبا للملاحقات
القانونية. وهدد أعضاء في الاتحاد باستبعاد مصر من المشاركة في بطولة الأمم الأفريقية
لكرة القدم، التي تبدأ في الغابون بعد أيام.
وتمكنت
قنوات مصرية من قبل من الحصول على حقوق بث قرعة المرحلة الأخيرة من تصفيات كأس العالم،
بالإضافة إلى حقوق بث مباريات المنتخب المصري في التصفيات، بجانب حقوق بث البعض من
مباريات الأندية المصرية في البطولات الأفريقية.
وكان
حصول الشركة المصرية على حقوق بث مباراة منتخب مصر ونظيره الغاني بالتصفيات الأفريقية
المؤهلة لنهائيات كأس العالم بروسيا 2018، هو المرة الأولى منذ سيطرت “بي إن سبورتس”
على البث الرياضي في منطقة الشرق الأوسط.
وأعلنت
الشركة المصرية للأقمار الصناعية “نايل سات” في شهر يونيو الماضي، أن نشاطها تأثر سلبا
بمنافسة القمر الصناعي القطري “سهيل سات”.
وقالت
الشركة إن ذلك تسبب في خفض عدد القنوات القمرية التي تبث على “نايل سات”، وأن القمر
القطري يعمل على الاستئثار ببث النشاط الرياضي في العالم على أقماره، مستغلا أن الرياضة
هي المنتَج الإعلامي الأول الذي يجذب جميع المشاهدين.
وفي
سبتمبر الماضي، اتهم جهازا “حماية المستهلك” و”حماية المنافسة ومنع الاحتكار” المصريان
شركة “بي إن سبورتس″ القطرية، بمخالفة قانون منع الاحتكار، كما اتهمت شركة “نايل سات”
القمر القطري “سهيل سات” بسحب عملاء القمر المصري أيضا عبر ممارسات احتكارية.
وترى
الأجهزة الحكومية المصرية أن الشركة القطرية أجبرت المشاهدين على الاشتراك بباقتها
الأساسية، لمدة سنة كاملة، كشرط لمشاهدتهم بطولة يورو 2016، وكذلك أجبرتهم على استقبال
الباقات المشتركين فيها، بواسطة القمر القطري بدلا من القمر نايل سات، وتكبدوا في سبيل
ذلك مصاريف غير مبررة.
وبحسب مراقبين، فإن المنافسة بين القمرين المصري والقطري تجري في الوقت الحالي على القنوات الترفيهية، سواء أجنبية أو عربية، وأن هيمنة أي من القمرين على تلك القنوات- التي تمثل النسبة الأكبر من القنوات العربية- ستكون بمثابة الضربة القاصمة للطرف الآخر، وهو ما يعكس سخونة الصراع الدائر في الفترة الحالية.