محمد حسن عبدالله يكتب: (جرة عسل) بريخت يرسل مذكرة شارحة!!
الكاتب المسرحى (الألمانى اليسارى) الأشهر: برتولد بريخت له مسرحية، لعلها المسرحية الأكثر شهرة بين مسرحياته، والتى احتفت بها الفرق المسرحية العربية والمعاهد العليا للمسرح فى الوطن العربى، وهى مسرحية "دائرة الطباشير القوقازية" وهذه المسرحية -موضوعيا- تفاضل بين: أيهما الأحق بالأمومة؟: الأم التى ولدت؟ أم الأم التى ربت وحرست ورعت ونشَأت؟ ومن خلال دائرة الطباشير التى رسمها القاضى أزبك، وفى إطارها تجاذبت الأم البيولوجية والأم المربية التى ضحت وتعرضت للخطر جسد الطفل الصغير موضع النزاع. وكانت الأم/المربية شديدة الخوف على جسد الطفل أن يتمزق، ولكن القاضى أزبك الذى كان ينحاز مقدما الى أن الأم التى ربت وحرست وعانت الخطر هى الأحق بمعنى الأمومة، ولهذا كان يصيح بالمربية أن تجذب بقوة ولا تخشى شيئا، اذ لا يصح أن تهزم الأمومة التى هى أجدر بها!!
ومعروف لأهل الحرفة من المسرحيين (بخاصة من يمارسون الإخراج) أن نص دائرة الطباشير القوقازية ينبسط على أكثر من الساعات الثلاث التى جرى العرف المسرحى على أن ساعات العرض لا تتجاوزها، ولهذا دأب مخرجو هذه المسرحية على إلغاء (حذف) فصل القاضى أزبك، أو حذف مقدمة المسرحية ذات الطابع السردى كما هو معروف فى أسس "المسرح الملحمى". ولا نستطيع أن نحذف مقدمة المسرحية من هذه الإطلالة لأنها المقصود من كل ما قدمنا.
مقدمة مسرحية دائرة الطباشير القوقازية تروى حكاية واد خصب كثير الخيرات يملكه قوم ضعاف، تعرضوا لهجوم غادر من أعداء لهم، فهربوا وتركوا واديهم. بعد زمن جاء قوم أخرون، أقوياء، هاجموا اولئك المعتدين وتمكنوا من إجلائهم عن الوادى الخصيب وإستقروا فيه. هنا رجع سكان الوادى القدامى وطلبوا من المقيمين به أن يعودوا اليه بدعوى أنهم يملكون وثائق ملكية هذا الوادى وأنهم بحق هذه الوثائق يجب أن يستردوا أرضهم.!! ولكن القاطنين الجدد رفضوا التخلى عن واد دافعوا عنه وبذلوا الدماء فى سبيله وقدموا الضحايا، فى حين تخلى اولئك القدماء عن حماية واديهم وتركوه للأغيار!!.
إن بريخت الذى اخترع هذه الحكاية الطريفة يدعو فيها الى "إعادة النظر" فى مفهوم ملكية الأرض وحق الحياة.
ارى أن مقدمة دائرة الطاشير القوقازية تمدنا بمذكرة تفسيرية مهمة فى تأمل قضية تشغلنا الأن وتختلف حولها الأراء ويمكن أن تساند ما ينبغى أن تتجمع حوله رؤيتنا لهذه القضية الشاغلة.