عم أحمد .. "منجد" يحارب المراتب السوست ويداوي أمراض الفراش القديمة بـ"عصاة"
في دكان قديم ذو مساحة صغيرة، بإحدى حواري القاهرة القديمة، يقبع "عم أحمد" وسط رذاذ القطن المتناثر والذي يقوم بضربه بالعصاة حتى يصبح طيعًا لتنجيد المراتب والمخدات القطنية، ذلك العمل الشاق الذي ظل يتمسك به عشرات السنوات رغم وجود التكنولوجيا التي تساهم في التخفيف من مشقته .
"عم أحمد"، ذلك الرجل الستيني، الذي اشتهر وسط منطقته بـ"منجد زمان العاشق للقطن"، لتمسكه بأصول مهنته كمنجد والحفاظ على تراثها القديم من أي تطور يلحق بالمهنة مع التطور التكنولوجي الذي يغزو العالم.
أفنى سنوات عمره في هذه المهنة، معتمدًا فيها على "عصاة"، قائلًا: "أنا بنجد بالعصاية زي زمان ومش هتغير..العصاية أه متعبة بس أنا بحافظ على تراث بيحسسني بأني عايش في أيام زمان اللي كلنا مشتاقين نرجعها تاني، أنا برجعها بالعصاية اللي بنجد بيها حتى لو صحتي كلها راحت هفضل بنجد بيها".
لابد أن يكون المنجد ذو صحة جيدة، حيث أن مهنته تعتمد على قوته البدنية بنسبة 100%، لذلك فإن الصحة هي العامل الأساسي الذي يشترط لإختيار المنجد، فقال عم أحمد: "منجد زمان كان كل شغله بإيده، بيعتمد عليها اعتماد كلي، فلازم كانت تبقى صحته كويسة عشان يقدر يشتغل".
ويضيف عم أحمد: "أنا بقالي 45 سنة شغال منجد، اشتغلت وأنا عمري عشر سنين، مع خالي اللي علمني إزاي أمسك القوس والعصاية، وعلمني إزاي أنجد مراتب، ومن وقتها وأنا مش قادر أسيب المهنة ولا أغير اللي اتعلمته بالطريقة القديمة".
مثلها كأي مهنة يدخلها التطور التكنولوجي مع مرور الزمن، فنجد التنجيد الذي كان بالأمس بمجرد عصا، يدخله بعد مرور الزمن ماكينة لإختزال المجهود البشري الذي يبذله المنجد في عمله عبر ماكينة كهربائية.
وبالرغم من فائدة ماكينة التنجيد الكهربائية، إلا أن عم أحمد وصفها بـ"الغير آمنة"، فيقول: "ماكنة التنجيد بالرغم من إنها بتنجز وقت وجهد المنجد إلا إن خطورتها كبير، وإتسببت في كتير من الحوادث التي قد تفقد عمال المهنة أيديهم في حالة وقوع أي خطأ مهني، بخلاف طريقة التنجيد بالعصا التي كانت أكثر أماناً".
وعن مدة صنع المرتبة على الطريقة القديمة، يقول المنجد: "أنا كنت بعمل المرتبة بالعصاية في ساعتين، ولكن بالماكنة تتعمل في عشر دقائق، شغلانتنا متعبة أه بس اللي يحبها يعشق شقاها".
ويوضح عم أحمد المنجد: علشان نقدر نعمل مرتبة لازم نكون مجهزين (القوس والمدقة المكونان من خشب شجر الليمون، وعصا من الجريد، والإبر، المسلة، القطن، القماش وخيوط صياد)، القوس مربوط به حبل الذي كان قديماً مربوط بـ(مُصران) الخروف الضاني من المدبغة، والمدقة تستخدم للدق على المُصران لتنفيض القطن، هو والعصا".
واستكمل قائلاً: "للقماش أنواع (البفتة، الشانيليا، اليوت) وأحسنهم الشانيليا، وللقطن أنواع أيضا (الإسكيرتو، الشعر البلدي، سطوبة) وأحسنهم الشعر البلدي الذي أصبح غير موجود الآن في مصر".
وعن كيفية تنجيد المرتبة، يقول عم أحمد: "عشان نعمل المرتبة نجيب القطن ونجهز المكونات اللازمة للتنجيد، ونفرد القطن على الحبل ونثبته بالمدق وبعدها نضرب عليه بالعصاية، ثم نقوم بتجميعه بعد نفضه داخل قماش المرتبة ثم نقوم بخياطتها، ثم عمل غرز لها بواسطة المسلة وخيط الصياد".
تأثرت مهنة المنجد خلال السنوات الأخيرة بفعل التكنولوجيا الحديثة ولجوء المواطنين إلى التنجيد الآلي أو المراتب الإسفنجية التي حلت كبديل للقطن، فيوضح عم أحمد: "الشغلانة ماتت، إحنا بقينا شغالين على المراتب القديمة بنجددها وبس، ومبقاش حد بيعمل الجديد خالص.. المراتب الإسفنج الجاهزة وقفت حالنا وموتت الشغلانة، مبقناش نشتغل ناس كتير سابت الشغلانة بدل الخسارة".
وتابع: "المراتب الإسفنج الجاهزة غير صحية القطن أحسن وأرخص، فالمرتبة القطن بنصف ثمن الجاهزة ومع ذلك القطن مبقاش فيه إقبال عليها أكتر من التانية، الناس مش قادرة تقتنع مع إن المراتب الجاهزة بتقعدلها سنتين بالكتير وتبوظ وكمان بتوجع الضهر والرقبة، بعكس القطن اللي لو باظ هيترد ويرجع جديد زي ما اشتريناه".
وفي ختام حديثه قال عم أحمد: "بتمنى مصر ترجع تزرع القطن تاني ومنبقاش بنستورده، وكمان يا ريت الناس تعرف تفرق كويس بين القطن والسفنج وتعرف إن القطن هو الأصح للحفاظ على أجسادنا وأموالنا".