كيف يصنعُ التفاؤل إنساناً متفوقاً ؟
لا يتوقف الأمر عند حدود عدم تأثير الكلمة أو الصوت في سلوكي، بل حتى النظر الى الأشياء لا يستفزني، فإن كان المشهد حزينا لا يحزنني، وإن كان مفرحاً لا يسعدني، حتى أنني كنت أتساءل ما فائدة العينين اللتين أحملهما ضمن مكونات وجهي؟، في الحقيقة ليس العينين، ولا الأذنين ولا اللسان أو حاسة اللمس والشم، كل حواسي كانت معطّلة عن العمل!، وكانت الكآبة واليأس الذي يحيط كياني بأسواره الشاهقة، يدمّر وجودي في هذه الحياة، ويجعل قيمتي صفراً على الشمال، لا حول لي ولا قوة، ولا دور في هذا الوجود.
ولا أكتمكم القول، أنني كثيرا ما فكرتُ بإنهاء حياتي، نعم فكرتُ كثيرا بالانتحار لأنني لم أجد أي دور لي في هذه الحياة، كان وجودي عبارة عن إشغال حيز من المكان فوق هذه الأرض ولكن بلا فائدة تُذكَر، مع شعور مستمر بأنني كائن فائض عن الحاجة في هذه الأرض، فلا أحد يحتاجي بشيء، لا صديق ولا عدو، وكيف يكون لي عدو وأنا صفر على الشمال، وكيف يكون لي صديق وأنا بلا دور في الحياة، لا دور جيد ولا سيّئ، وهكذا لازمني شعور دائم بأنني فائض عن حاجة الجميع، حتى أقرب الناس إليّ وأعني بهم أفراد عائلتي، لدرجة أنني أشعر حتى أمي التي ولدتني لا تحتاجني بأي شيء، لسبب أنني غير مستعد للإبداء حركة أو كلمة أو أي جهد من أجلها أو من أجل غيرها، إنه كما يتضح لكم ولي يأس مطلق وشعور مستفحل باليأس.
حتى حانت تلك اللحظة (المعجزة)، هكذا يحلو لي أن أنعتها أو أسمّيها، كأن الأقدار رأفت بحالي وساعدتني على التغيير والإفلات من قبضة اليأس والظلام والكآبة، والخروج الى عالم التفاؤل والنور والأمل من تلك العتمة الموحشة، حدث ذلك عندما ساعدني إنسان مخلص للإنسانية ومحب للخير، ومنتِج متميز في هذه الحياة، ببساطة سعى هذا الإنسان كي يزرع بذرة التفاؤل في أعماقي ونجح في هذا المسعى، لكن يجب أن أقول بأن ذلك لم يتم في ليلة وضحاها، بل سعى ذلك الصديق الإنسان المحب للحرية والحق والجمال، بصبر ودأب وإخلاص ومثابرة، حتى أنبتَ بذرة التفاؤل في تربة روحي وعقلي، وبدأتُ نمطا جديدا من أنماط الحياة، وشوطا جديدا في عالم النجاح، عندما أخذت بذرة التفاؤل تساعدني في شق طريق الإبداع والتميز والمثابرة في الاكتشاف والانجاز المتفرد.
أول بوادر النجاح ظهرت في التغيير الذي حدث في نظرتي للحياة، لقد انقشعت عتمة الظلام من حياة، ورحتُ أرى النجوم بوضوح، وأرى خضرة الأشجار ولون الزهور التي بدأت أشم عطرها بطريقة أخرى، طريقة تنشر الانتعاش في خلايا جسدي وتحرك إحساسي نحو الجمال، ولم يفاجئني أنني رحت أسمع الكلام الجميل وأفسره لصالحي وأستفيد منه في كتاباتي التي كانت في السابق مصبوغة بالسوداوية والنظر الى ما هو معتم في الحياة، أما الآن فإن الزوايا المظلمة صارت تتحلى بالضوء، إذ لا يوجد ظلام يهيمن على الإرادة المتفائلة.