تفاصيل وأسرار 13 اجتماعًا بين الهيئات القضائية لبحث أزمة القانون
فتنة تعديل "السلطة القضائية" تشعل الحرب بين القضاة و"النواب"
أشعل المقترح المطروح فى مجلس النواب لتعديل قانون السلطة القضائية الخاص بتعيين رئيس محكمة النقض، ورؤساء الهيئات القضائية، لتكون بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية وليس بالاختيار كما هو قائم، صداماً بين جميع الهيئات والجهات القضائية وبين البرلمان من جانب، وبين الجهات والهيئات القضائية بعضها البعض، من جانب آخر، لاختلافهم حول كيفية إدارة الأزمة والتصدى لها.
1- 13 اجتماعًا لمواجهة الأزمة
عقدت الهيئات والجهات القضائية، 13 اجتماعاً عاجلا مع بعضها البعض، ونظمت لقاءات مع المجلس الأعلى للقضاء، ولبحث التعديل وإعلان موقفهم منه، والتحرك ضده باعتباره اعتداء على السلطة القضائية، منها 4 اجتماعات لأندية القضاة، ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، واجتماعان بين المجلس الاستشارى لأندية قضاة الأقاليم مع النادى الأم، واجتماع بين أعضاء المجلس الاستشارى للأندية واجتماع آخر بين النادى ومجلس القضاء الأعلى، وبين الأخير ومحكمة النقض، و3 لقاءات للمجلس الأعلى للهيئات القضائية، وآخر جمع النادى ورئيس وأعضاء اللجنة التشريعية بمجلس النواب.
الاجتماعات أسفرت عن اتفاقات واختلافات فى وجهات النظر حول كيفية مواجهة الأزمة، فالأندية القضائية، أعلنت رفضها القاطع لمشروع القانون، مؤكدين أنه تدخل فى شئون العدالة، وجريمة لا تسقط بالتقادم، وهجوم أخطر على القضاة والسلطة القضائية من الذى تم فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى، وجماعة الإخوان. أما رؤساء الهيئات القضائية والمجلس الأعلى لها، فقد كان لهم آراء مخالفة فى كيفية معالجة الأزمة، ورأوا ألا يتصدروا المشهد، وأن يكون التحرك وإثبات الموقف من خلال الأندية، وأن يكون تدخلهم عندما يتم طرح المشروع بشكل مباشر عليهم لأخذ رأيهم فيه، خشية اتهامهم بإحداث أزمة مع السلطة التشريعية، قبل طرح المشروع.
2- الأعلى للقضاء: تمرير القانون حكم بالإعدام
المستشار عادل الشوربجى النائب الأول لرئيس محكمة النقض وعضو مجلس القضاء الأعلى، قال لـ«الفجر»، إنه لا يجوز رفض أو قبول مشروع قانون لم يتم عرضه بعد على المجلس، مشيراً إلى أنه لم يصل أى مشروع قانون من البرلمان إلى مجلس القضاء لإبداء الرأى فيه.
وأضاف الشوربجى: «لا ينبغى القلق من مسألة تمرير القانون فى البرلمان وإقراره دون العرض علينا وعلى جميع الهيئات والجهات القضائية لأخذ رأيها فى مشروع القانون لأنه لا يوجد قانون أو أى شىء متعلق بالسلطة القضائية وأمور القضاة، لا يؤخذ رأيهم فيه».
وعلق «الشوربجي» على ما أثير عما إذا كان رأى مجلس القضاء الأعلى والهيئات القضائية إلزاميا أم استشاريا، بقوله: «رأى القضاة والهيئات والجهات القضائية، وفق الدستور استشاريا وليس إلزامياً للبرلمان، والرأى الأول والأخير فى التشريع يعود للبرلمان فقط».
3- أزمة بين النادى و"الأعلى للقضاء"
مجلس إدارة نادى القضاة برئاسة المستشار محمد عبدالمحسن، كان له رأى دستورى مخالف لرأى مجلس القضاء الأعلى، برئاسة المستشار مصطفى شفيق، وهو ما تسبب فى حدوث أزمة بينهما، بعدما اعتبر المجلس أن النادى يقحم نفسه فى الأزمة ويعلن عن رأيه وتحركاته، ويتخطى دور مجلس القضاء.
ويرى النادى أن رأى القضاة إلزامى وليس استشارى، وأكد أن التعديل المقترح يمثل اعتداء على استقلال القضاء، لمساسه بالثوابت القضائية المستقرة، وتوغل من السلطة التشريعية على السلطة القضائية، وأن استقلال القضاء خط أحمر ﻻ يجوز المساس به تحت أى ظرف من الظروف، وأنه سيدافع عن هذا الاستقلال حتى نهاية حياتهم، وأنهم سيقومون بالتصعيد وفقا لما تؤول إليه المباحثات القائمة بين الأطراف.
مجلس القضاء أصدر بياناً، رداً على النادى،– بشكل ضمنى ولم يذكر اسم النادى تحديداً –أكد فيه أنه صاحب الحق الوحيد فى إبداء الرأى فى مشروعات القوانين المتعلقة بشئون القضاء والنيابة العامة، فى إشارة منه إلى تجاهل رأى النادى، وهو ما دفع النادى للرد بدوره على مجلس القضاء فى بيان بعد ساعات من البيان الأول قال فيه دون ذكر أسماء: إنه لا يمكن إغفال رأيه عند أخذ رأى الهيئات والجهات القضائية، باعتباره ممثلا لجموع القضاة كونه منتخباً منهم.
4- مجلس الدولة: التعديل يحول القضاء لجهة تنفيذية
مجلس الدولة كان صاحب الرد الأقوى على مشروع تعديل قانون السلطة القضائية، فعندما تحدثت «الفجر» مع عدد من قضاة المجلس، وضحوا موقفهم المتطابق وهو أن هناك وضعا قضائيا مستقرا بمثابة «عرف قضائي» بأن يتم تعيين أقدم الأعضاء سناً رئيساً لمجلس الدولة أو رئيساً للهيئة أو الجهة القضائية.
وأضافوا: إن تغيير طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وتحديداً مجلس الدولة، وجعلها فى يد رئيس الجمهورية، تعدٍ فج على استقلال القضاء، يجعل من رئيس الهيئة مثل أى وزير، وتصبح بذلك الهيئات القضائية تابعة للسلطة التنفيذية وتحت سيطرتها وإمرتها، وليست جهة قضائية مستقلة.
وأوضحوا أن قانون مجلس الدولة لم ينص صراحة على اختيار الأقدم، وإنما ترك الاختيار من بين نواب رئيس مجلس الدولة، وعددهم يتراوح بين 800 و 900 نائب، وفى ظل هذا النص هناك «عرف قضائي» ملزم منذ أكثر من 80 سنة وهو مبدأ الأقدمية، مشددين على أن «العرف» فى القضاء هو أحد مصادر القانون الملزمة.
وأضافوا: إنه فى السابق، عندما حدثت ظروف مرضية خاصة لبعض المرشحين لرئاسة مجلس الدولة، تعيقهم عن تولى المنصب، وكانت هناك وقتها محاولات من البعض لكسر هذه القاعدة، كانت الدولة نفسها هى من رفضت، حيث رفض رئيس الجمهورية وقتئذ تخطى الأقدمية، لذا لا يجوز اليوم كسر هذه القاعدة.
وأوضح قضاة مجلس الدولة سبب رفضهم لتخطى الأقدمية، وهو أن هذا يعتبر «لعبا» فى نفوس الناس، مشيرين إلى أن كسر الأقدمية سيخلق فى ذهن كل نائب رغبة أن يكون رئيساً للمجلس، بعيداً عن أقدميته، وسيكون الولاء لرئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية هو المعيار فى العمل والأداء، وليس للاستقلال القضائى، كما أن الأحدث سيرأس الأقدم، وكلها أمور تعتبر كارثية على الهيكل والتنظيم القضائى كله.
وشددوا على أن أقل مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات فى الدولة، هو احترام السلطة القضائية فى تنظيمها.
5- "النيابة الإدارية".. و"قضايا الدولة" تستشعران الحرج
هيئة النيابة الإدارية كانت الأضعف من حيث الموقف من مشروع القانون المقترح، وتحفظت على إعلان موقفها منه بشكل واضح، وأرجع مصدر قضائى بارز بالهيئة ذلك الموقف لأمرين، أولهما أن النيابة الإدارية تابعة لوزير العدل وليست مستقلة تمام الاستقلال مثل القضاء ومجلس الدولة.
وثانيهما أن النيابة الإدارية شهدت عام 2015، تجاوزا لمبدأ الأقدمية، ومن ثم استشعرت الحرج للتعليق بشكل مباشر على مشروع القانون، حيث تولى المستشار سامح كمال، منصب رئيس الهيئة فى يوليو 2015 رغم أن صاحب الأقدمية وقتئذ كان المستشار هشام مهنا، وذلك بسبب تقارير أمنية زعمت انتماء مهنا لجماعة الإخوان.
المصدر أوضح أن ذلك الأمر، لم يكن تجاوزا من السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية على قانون السلطة القضائية، أو على هيئة النيابة الإدارية، وذلك لأن المجلس الأعلى لهيئة النيابة الإدارية ذاته هو الذى قرر تخطى الأقدمية لاعتبارات خاصة به، وليس بقرار من رئيس الجمهورية، كما يسعى البرلمان لإقراره.
ولم يختلف موقف هيئة قضايا الدولة، كثيرا عن موقف هيئة النيابة الإدارية، حيث فضلت هى الأخرى الصمت، واكتفت الهيئتان بمشاركتهما باجتماع نادى القضاة، والخروج ببيان مشترك يطالب بضرورة أخذ رأى الجهات القضائية فى مشروع القانون.
6- قضاة: تعديلات البرلمان "رصاصة فى قلب القضاء"
مصادر قضائية قالت إن القضاة خلال اجتماعاتهم ولقاءاتهم بحثت آلية التصعيد لمواجهة الأزمة، فى حالة تمرير مشروع القانون دون أخذ رأى الجهات والهيئات القضائية، أو إذا تضمن تعديا على مبدأ استقلال القضاة، لأن التعديل بشكله المطروح يلغى استقلال الهيئات القضائية بشكل كامل وبمثابة «رصاصة فى قلب القضاء»، لن يصمت عنها القضاة الذين سيتحركون فى جميع الاتجاهات، وكل الخيارات مفتوحة سواء إن كان ذلك إضرابا جزئيا أو كليا، أو أى تصعيد آخر يتفق عليه.
وأوضح القضاة أن وضع البلاد لا يتحمل إثارة أى أزمات، مشددين على أنهم لا يرغبون فى المصادمات وأنهم سيكونون مجرد «رد فعل»، وسينتظرون ما إذا كان البرلمان سيكون على قدر المسئولية ويراعى ظروف البلد الحالية من عدمه، وسيكون لكل حادثة حديث.