محطات هامة من تاريخ "مجلس الدولة".. حصن ومحراب حقوق الشعب
"مجلس الدولة"... هو حصن ومحراب حقوق الشعب لدى الدولة، وله تاريخ طويل من الأحكام التاريخية منذ تأسيسه في إقرار الحريات وتقويم أي إنحراف بقرارات السلطة التنفيذية تجاه الشعب، والحفاظ على المال العام للدولة والخاص للمواطنين، وترسيخ ثوابت العدل والمساواة وقيم العدالة والحرية وتوفير حياة كريمة للمواطنين، ومنح المواطنين الحد الأدنى لحقوقهم المالية.
بداية ظهور مجلس الدولة
ومرت فكرة إنشاء "مجلس الدولة" بعدة محطات تاريخية حتى ظهر إلى النور، وبدايتها في 23 إبريل 1883، عندما أصدر الخديوي إسماعيل "أمرا عاليا" بإنشاء "مجلس شورى الحكومة" ليكون مماثل لما في فرنسا، ونص الأمر على تخويل المجلس اختصاصات أهمها ما يتعلق بالمعاونة في مشروعات القوانين والقرارات واللوائح بالإضافة إلى إبداء الراى في المسائل القانونية أو المتعلقة بالمنفعة العامة والفصل في المنازعات الإدارية، ولكن حالت ضائقة مالية وقتها دون إخراج هذا القانون لحيز التنفيذ.
"أمر عالي" لإنشاء المجلس
22 سبتمبر 1883 عادت فكرة إنشاء مجلس الدولة للظهور "بالأمر العالي" الذي أصدره الخديوي في هذا التاريخ والذي تم بموجبه تشكيل المجلس من خمسة أعضاء يعينون "بأمر عال" والمستشار القضائي وبعض كبار الموظفين ولم يكن لهذا المجلس سوى اختصاص التشريع والفتوى.
وفي عام 1939 طلب من لجنة قضايا الدولة إعداد مشروع لإنشاء مجلس الدولة على غرار مجلس الدولة الفرنسي، على أن يقف اختصاصه عند شئون الموظفين ولا يتعداها، وبالفعل وضعت اللجنة المشروع المطلوب، إلا أن حدثت إنقسامات من قبل القائمين عليه أدت لإرجاء النظر في المشروع.
دولة داخل الدولة
عام 1940 شهد عين الدكتور عبدالحميد بدوي رئيس لجنة قضايا الدولة، وزيرا للمالية، فبعث من جديد مشروع إنشاء المجلس بما يكفل له ولاية كاملة لا تجعل محلا لتصديق مجلس الوزراء على قراراته، ولم يكد هذا المشروع ينشر في الصحف حتى ثارت عاصفة من النقد والإعتراض وصف فيها المجلس بأنه "دولة داخل دولة" وأنه "سلطة رابعة" إلى جانب السلطات، فلم يقدر لهذا المشروع أن يدخل حيز التنفيذ وقتها.
محطات من تاريخ "مجلس الدولة"
وفي عام 1945 قدم أحد النواب مشروع قانون لإنشاء مجلس الدولة، الأمر الذي دفع الحكومة إلى الأخذ بزمام المبادرة وتقديم مشروعها، وقد تمت دراسة المشروعين عام 1946، وفى 17 أغسطس 1946 صدر القانون رقم 112 بإنشاء مجلس الدولة والذي تم افتتاحه رسميا في 10 فبراير 1947 بسرايا الأميرة فوقية بالجيزة.
29 مارس 1955 نشرت الجريدة الرسمية القانون رقم 165 بشان تنظيم مجلس الدولة تضمن هذا القانون بعض التعديلات الجوهرية في نظام المجلس منذ إنشائه، وهي خاصة بإنشاء كل من المحكمة الإدارية العليا ضد الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى والمحاكم الإدارية.
وفي عام 1971 شهدت مصر تغيرات جوهرية في الحياة السياسية والإقتصادية، وفي أعقاب هذه التغيرات صدر دستور جديد تم العمل به في 11 سبتمبر 1971، نص في المادة 172 من على أن " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة وتختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون إختصاصاته الأخرى"، وهو النص القائم حتى وقتنا هذا.
رؤساء مجلس الدولة
وقد تولى رئاسة مجلس الدولة 34 رئيسا كان أولهم المستشار الدكتور محمد كامل مرسى باشا، وهو أحد أعلام المجلس، وقد شغل عدة مناصب منها العمل أستاذا بالجامعة حيث شغل عميدا لكلية الحقوق ووزيرا للعدل، وقدم ثروة من المؤلفات والمصنفات القانونية الرفيعة التي تعد مرجعا قانونيا حتى الأن، وأبرزها "نطاق حق الملكية العقارية في مصر وتطورها التاريخي من عهد الفراعنة"، والذي كان رسالة الدكتورة الخاصة به من باريس عام 1914.
وخلفه في رئاسة المجلس من فبراير 1949 وحتى إبريل 1954 أحد أبرز فقهاء القانون والقضاء في تاريخ مصر وهو عبدالرازق السنهوري باشا، والذي كان أستاذا بالجامعة ثم عميدا لحقوق القاهرة، وتولى مناصب وزارية كان أخرها وزارة المعارف العمومية، وله إنجازات هامة من المؤلفات القانونية، التي تستخدم في المرافعات القانونية حاليا، بينما كان أخر رؤساء المجلس المستشار الدكتور محمد عبدالحميد مسعود، والذي يتولى رئاسته حتى الأن.
اختصاصات مجلس الدولة
ويختص مجلس الدولة في نظر الطعون الخاصة بانتخابات الهيئات المحلية، والمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم، والطلبات التي يقدمه ذو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقيات أو منح العلاوات، والطلبات التي يقدمها الموظفون العموميين بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم للمعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي.
وأيضا الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية، والطعون في القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية في منازعات الضرائب والرسوم وفقا للقانون الذي ينظم كيفية نظر المنازعات إمام مجلس الدولة، ودعاوى الجنسية، والطعون التي ترفع عن القرارات الصادرة من هيئات التوفيق والتحكيم في منازعات العمل.
والطلبات التي يقدمها الموظفون العموميين بإلغاء القرارات الإدارية النهائية للسلطات التأديبية، وطلبات التعويض، والمنازعات الخاصة بعقود الإلتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو بأي عقد إداري أخر، والدعاوى التأديبية، والطعون بالجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام، وسائر المنازعات الإدارية.
أحكام تاريخية لـ"مجلس الدولة"
ومجلس الدولة له أحكام تاريخية، ووقف في وجه السلطة التنفيذية سواء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، أو الرئيس المعزول محمد مرسي، أو حتى في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
حيث أصدار المجلس أكثر من 1500 حكم ببطلان انتخابات مجلس الشعب عام 2010، وكان سببا رئيسيا في ثورة 25 يناير بعد كشف عمليات التزوير والتلاعب بالانتخابات، كما أصدر حكما بحل الحزب الوطني.
وفي عصر الإخوان، ألغى الجمعية التأسيسية الأولى للدستور، كما قضى ببطلان قرار رئيس الجمهورية وقتها بالدعوة لانتخابات مجلس الشعب 2011، والذي تم بناءا على هذا الحكم إحالته إلى الدستورية مما ترتب عليه الحكم بعدم دستورية قانون مجلس الشعب وحل المجلس.
وفي النظام الحالي أصدر حكم ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على إتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والمتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
كما أن لمجلس الدولة تاريخ طويل من الأحكام التاريخية الخاصة بالحقوق والحريات والحفاظ على المال العام، أبرزها، حكم بطلان عقد "مدينتي" والذي أعاد إلى الدولة 7مليار جنيه، كانت مسلوبة في عهد "مبارك" بموجب الفساد، وأيضا بطلان تصدير الغاز لإسرائل وضرورة مراجعة أسعاره.
بالإضافة إلى أحكام بطلان الخصصة وبطلان بيع الشركات العامة المملوكة للدولة، وحكم إلغاء الحرس الجامعي، واخراج الداخلية من الجامعة للحفاظ على استقلالها، وحكم وضع حد أدنى وأقصى للأجور والذي كان أحد متطلبات ثورة 25 يناير، وحكم حجب المواقع الإباحية.
وإلغاء قرار منع دخول المحمول أماكن وأقسام الشرطة، ووضع حد أدنى للمعاشات يكفل الحياة الكريمة، وإلغاء قرار الحكومة السلبي بالإمتناع عن إصدار قرار بتنظيم حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات والبيانات، وإلغاء قرار منع دخول المحامين مقرات أمن الدولة.
وإلغاء قرار الحكومة السلبي بالإمتناع عن إتخاذ الإجراءات القانونية طبقا لأحكام القانون الدولى لمطالبة الدول الأجنبية وعلى رأسها بريطانيا التي زرعت الألغام في الأراضي المصرية، وتركت الذخائر والمتفجرات عليها، بتحمل مسئوليتها القانونية لرفع تلك الألغام وتطهير الأراضى المصرية منها، وغيرها العديد من القوانين المنظمة للحريات وللأسرة وحقوق المواطنين.