تعرفي على مشاكل الزواج من رجل خمسيني!
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تقدَّم لي رجلٌ في الخمسين من عمره، هو إنسان ممتاز وعلى خلق، ولكنِّي أريد أن أعرف ما هي المشاكل التي قد تنشأ من مثل هذا الارتباط، مع العلم أنه شكلاً لا يمكن أن يُعطي هذه السنَّ.
الجواب
بسم الله الهادي للحق
وهو المُستعان
أيّتها العزيزة:
إنَّ حِسابَ العُمْر وحده يُعَدُّ مشكلة عند مَشارِف الخَمْسين؛ لكونه العُمر الذي يُمثِّل الكِبَر، يقول قَاسِم حدَّاد: "عِنْدَما تَكونُ عَلى مَشارِفِ الخَمْسين، ستتمنَّى أنَّكَ لَمْ تزَلْ تَقَع فِي خَطَأ الحِسَاب".
على أنَّ مفهوم الكِبَر مع الخَليل إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - لم يبدأ إلاَّ حين بلغ - صلواتُ اللهِ عليه - مائة عام على ما جاء في سِفْر التَّكوين: "وَكانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ ابْنُهُ"؛ (تكوين5:21)، وقد بدا ذلك جليًّا في ردة فعله - عليه الصَّلاة والسَّلام - حين بشَّرته الملائكة بغُلامٍ عليم؛ إسحاق - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 52 - 56].
قال ابن كثير: "تعجَّبا من البشارة بإسحاق؛ لكِبَرِهما لا لِعُقرهما؛ ولهذا قال: {﴿ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴾ [الحجر: 54]، مع أنَّه كان قد وُلِد له قبله إسماعيل بثلاث عشرة سنَة"، وله من العمر ستٌّ وثمانون سنَة، ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 99 - 101]، فكأنَّ سنَّ الثَّمانين لا تُعَدُّ كِبَرًا، ولعلَّ الزَّمان غير الزَّمان، إلا أنَّ هذا الأمر بات واقعًا ومُتحقّقًا مع زيادة الوعي الصِّحِّيّ والاجتماعيّ، فلم يعد عجيبًا أن نرى رُؤساء وحُكماء يَسُوسون الرَّعايا وهم في سنِّ السَّبعين أو الثَّمانين.
ولكلِّ عُمرٍ خصائصه الحيويَّة والنَّفسيَّة والاجتماعيَّة والعقليَّة، وأمَّا شرحها كلُّها فيَطُول، وإنَّما المذهب في الاستشارات أن نكتفيَ بما دلَّ بعضُه على كُلِّه، فاكتفَيْتُ من قِلادة الخمسين بِما أحاط بالعُنق - إن شاء الله تعالى -:
أوَّلاً - من النَّاحية الصّحِّيَّة:
تتضافر الدِّراسات على أنَّ أجهزة الجسم المُختلِفة تتأثَّر بتقدُّم العُمر، فيصبح البَدنُ مُعرَّضًا للآفات والأمراض المُرتبِطة بتقدُّم العُمر؛ كارتفاع ضغط الدَّم والسُّكَّر، وأمراض البروستاتا والمستقيم.
وعليه؛ ينبغي لكلِّ رجلٍ خمسينيّ أن يتقيَّد بعمل الفُحوصات الطِّبِّيَّة التَّالية:
1 - فَحْص ضغط الدَّم كل سنتين.
2 - فحص الكولسترول كل خمس سنوات بدءًا من سنِّ الرَّابعة والثلاثين.
3 - فحص سرطان القولون والمُستَقيم.
4 - فحص سرطان البروستاتا بدءًا من سنِّ الخامسة والأربعين.
5 - فحص الأسنان سنويًّا.
6 - فحص العَيْن كل سنتين.
7 - فحص ترقُّق العظام.
8 - إذا كان الرَّجل مُصابًا بالسُّكَّري أو أمراض القلب أو مُشكلات في الكُلى، فعليه مُراقَبة الفحص بشكلٍ مُنتظِم.
ثانيًا - من النَّاحية الجِنسيَّة:
من أبرز خصائص هذه المرحلة جنسيًّا: ضعف الانتصاب، ولكنَّ الطِّبَّ تطوّر كثيرًا، وقد تجاوز كثيرٌ من الرِّجال هذه المُشكِلات بالأدوية المُقوِّية؛ لذلك لا أراها مُشكِلة حقيقيَّة، وإنَّما الإشكال في اختلاف الرَّغبات الجنسيَّة بين الرَّجل والمرأة، بغضِّ النَّظر عن عُمريهما، فقد نجد امرأة مُتَّقِدة جنسيًّا متزوِّجة برجل لا يمثِّل له الجنس سوى طاقة زائدة يودُّ إفراغها، ثم لا تتجدَّد من قريب، والعكس صحيح، وهذا الأمر من أكثر عوامل التَّعاسة الجنسيَّة بين الأزواج، ويصعب تجنُّبه؛ لأنَّه لا يمكن التَّحقُّق منه إلا بُعيد الزَّواج.
والمعذرة إذا قلتُ: إنْ كان الرَّجلُ مُتزوِّجًا، وكانت المرأة بِكْرًا طريَّة، فالحال أنَّ الرَّجل يكون مُشبَعًا جنسيًّا، بعكس المرأة، فتكون حاجتها إلى الإشباع الجنسيّ أضعافَ زوجها، فإن لم يكن الرَّجلُ واعيًا ومُتفهِّمًا، وغيرَ أنانيٍّ - وهذه الأخيرة ضعي تحتها عشرات الخُطوط - فقد يسبِّب هذا الموضوع جُرحًا في العَلاقة بينهما لا يبرأ، وتكونين معه كمن نزلَتْ بوادٍ غير مَمْطور.
ونصيحتي هنا أن تكوني صريحةً مع نفسكِ؛ فإنْ كنتِ تَجدين من نفسكِ الحيويَّة الجنسيَّة، فاعرفي بحَدْسكِ الأُنثويّ إن كان هذا الرَّجل يناسبكِ حِسيًّا وجِنسيًّا أم لا، وهو أمر يَسهُل اكتشافه بعد عَقْد النِّكاح إذا طالت مُدَّته، وتذكَّري أنَّي لا أقول: إن كان يناسبكِ لعشر سنوات، بل ما بقي من عُمركما.
ثالثًا - من النَّاحية الاجتماعيَّة:
في الغالب يكون الرَّجل مُتزوِّجًا ولديه أبناء، فالمُشكِلات التي قد تظهر هي نفسها المُشكِلات التي قد تظهر إثر الزَّواج من رجلٍ مُتزوِّج، بغضِّ النَّظر عن عُمْره، وقد أشبعَت الأستاذة "أريج الطَّبَّاع" هذا الموضوعَ، وأوضحتْ مُلابساته في استشارة "الزَّواج من زَوْج مُتزوِّج"؛ فلترجعي إليها.
أيضًا قد يكون له أبناء ألصقَ بقلبه منكِ، وقد يكون له أبناء في عُمركِ أو أصغر منكِ بقليل، فإن لم تكن لدى المرأةِ الحَصانة الدِّينيَّة، والطَّهارة القلبيَّة والعِفَّة، فقد يحملها الحنينُ إلى الشَّباب على مركبٍ من الحَرام، وأقلُّ ما في الحَرام العِشْق الحَرام.
أيضًا من الآثار الواضحة على السُّلوك الاجتماعيّ:
أ - انخفاض التَّفاعُل الاجتماعيّ.
ب - الاستئناس بالوَحْدة عن الأنشطة الاجتماعيَّة.
ت - لا يَدَعون حظَّهم من العُزْلة الاجتماعيَّة.
رابعًا - من النَّاحية العقليَّة والفكريَّة:
أ - كثرة النِّسيان.
ب - تصلُّب الآراء، وصُعوبة تغيير الاتجاهات والمبادئ والآراء.
ت - مُحادثة النَّفس بما تبقَّى من العُمر؛ إن كان يكفيها لتحقيق ما لم يتحقَّق.
ث - كثرة التَّفكير في الموت، والخوف على مُستقبل الأبناء والزَّوجات.
وقد نثر الشَّاعر "صلاح عبدالصَّبور" مشاعِرَ هذه المرحلة في كتابٍ له بعنوان "على مَشارِف الخمسين"، فانظري فيه.
خامسًا - من النَّاحية النَّفسيَّة:
تُعدُّ هذه المرحلة مرحلةَ تقويمٍ ومُراجعةٍ لِما فات، وقد يُحدِث ذلك صِراعًا يختلج في الصُّدور بين ما مَضى وما سيأتي، فيؤثِّر ذلك على الاستقرار النَّفسيّ.
كما قد يُعاني بعض الرِّجال من أزمة مُنتصف العُمر، والتي تبدأ عادةً في سنِّ الأربعين حتى سنِّ الخامسة والخمسين، أو حتى مَشارِف السِّتين، وقد شرحها الدُّكتور "أحمد خيري حافظ" - أستاذ علم النَّفس بجامعة عين شمس - بتفصيلٍ جميل في كتابه القيِّم "أزمة مُنتصف العُمر"، وكلامي هنا كالاختصار لهذا الكتاب، فارجعي إليه؛ فستَجِدين الكلام في نفسيَّة رجل الخمسين مَبْسوطًا مُسْتَقْصًى.
كما أنصحُكِ بقراءة كتابٍ لا يقلُّ عنه فائدةً عنوانه "أزمة مُنتصف العُمر الرَّائعة" من تأليف الأمريكيَّة "إيدا لوشان"، وترجمة "سُهير صبري"، كتبته المُؤلِّفة وهي في سنِّ الثَّامنة والأربعين من واقع خبرةٍ شخصيَّة، فهو كالتَّسجيل الخَطِّي لسيرتها الذَّاتيَّة، وليس الخبَرُ كالمُعايَنة، فلا تفُتكِ مُطالعته.
سادسًا - من النَّاحية العاطفيَّة:
عاطفة الرَّجل في الخمسين كالخَمْر التي عُتِّقَتْ زمانًا حتى عَتُقَتْ، فهي أعلى جودة، وأغلى ثمنًا؛ لأنَّ الرَّجل في هذه السِّن قد مارس الدَّهر، وأحكمَتْه التَّجارب، فنجده مالكًا لثروة عظيمة من الخِبرات التي لا يحملها الشَّباب في سنِّ العشرين في فنِّ التَّعامل مع المرأة، تُمكِّنه من فهم احتياجاتها النَّفسيَّة والعاطفيَّة، وتمكِّنه من التَّعبير عن عواطفه ومشاعره على نحوٍ أفضلَ مما كان عليه في سنِّ العشرين، كما يساعده الاستقرارُ الماليّ والوظيفيّ على التَّركيز على عواطفه؛ ما يجعل رجل الخمسين أكثر دفئًا وحنانًا ورومانسيَّة من غيره، وهذا الكلام مُسجَّل في دراسات علميّة موثَّقة، يقول نِزَار:
لاَ تَقْنَطِي أَبَدًا مِنْ رَحْمَةِ الْمَطَرِ
فَقَدْ أُحِبُّكِ فِي الْخَمْسِينَ مِنْ عُمُرِي
وَقَدْ أُحِبُّكِ، وَالأَشْجَارُ يَابِسَةٌ
وَالثَّلْجُ يَسْقُطُ فِي قَلْبِي، وَفِي شَعَرِي
أخيرًا:
أوصيكِ بالاستخارة؛ فقد تُصيبنا بعضُ الاستشارات بالنَّدم، ولكن حتمًا لا ندمَ يأتينا مِن وراء استخارة، فاستَقْدِري الله خيرًا، وارْضي به، وعسى الله أن يُوفِّقكِ، ويُلهمكِ الرُّشد، ويرزقكِ زوجًا صَالِحًا يحبُّكِ ويُرضيكِ، آمين.
والله أعلم بالصَّواب.
وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي لِجَلاَلِهِ
وَلِحِلْمِهِ تَتَصَاغَرُ الأَحْلامُ
سُبْحَانَهُ مَلِكٌ تَعَالَى ذِكْرُهُ
فَلِوَجْهِهِ الإِجْلاَلُ وَالإِكْرَامُ