"العرب" اللندنية: قضية تيران وصنافير.. جدل بانتظار الحسم في 2017
تشكّل قضية جزيرتي تيران وصنافير أحد أهم الأحداث التي شهدتها مصر خلال العام 2016، وستمتد تداعياتها إلى العام المقبل، بين رفض شعبي قطعي للاتفاقية عموما، ومساع حكومية لإنهاء هذه القضية وسط حديث عن عودة التقارب المصري السعودي، والذي سيتجسد بشكل كبير في 2017 بعد سنة مليئة بالشد والجذب بين الحليفين التقليديين.
منذ أن تم الإعلان عن توقيع اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسعودية في شهر أبريل الماضي، لم تهدأ وتيرة الجدل السياسي والقانوني المثار بشأنها، سواء كان ذلك على المستوى الداخل المصري أو على مستوى العلاقات مع السعودية.
وصل الجدل ذروته مع قيام الحكومة المصرية، الخميس، بإحالة الاتفاقية إلى البرلمان في الوقت الذي يستعد فيه القضاء المصري لإصدار حكم نهائي بشأنها، من الناحية القانونية.
وأشار مراقبون إلى أن الحكومة أضحت في موقف صعب للغاية، فهي من ناحية لا تريد تدهورا أكبر في العلاقات مع السعودية. ومن ناحية أخرى تحاول أن تستمر في تهدئة الأجواء السياسية بالداخل بعد أن انفتحت على العديد من القوى السياسية في وقت تأخذ فيه حزمة من الإجراءات الاقتصادية الصعبة.
وتأخذ قضية تيران وصنافير منحنيان رئيسيان في الوقت الحالي، الأول سياسي ويتعلق بمصير العلاقة مع الرياض والتعامل مع الرفض الشعبي المتوقع حال إقرار الاتفاقية من البرلمان، وفي تلك الحالة فإن مجلس النواب سيكون أمام عوائق كبيرة قد تهدد مشروعيته، ويرتبط بذلك المنحى الذي ستأخذه العلاقات المصرية السعودية والتي تعد ركيزة أساسية للعديد من الملفات العالقة في المنطقة.
حسابات إقليمية
قال عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ"العرب" اللندنية، إن إحالة القضية للبرلمان من شأنها وقف تدهور العلاقات المصرية السعودية. لكن الحكومة ستواجه العديد من العقبات القانونية في سبيل تحقيق ذلك الأمر، ما سيؤدي إلى اضطرابات سياسية غير محسومة العواقب بالداخل.
وكثر الحديث مؤخرا عن إجراء سلسلة من المشاورات والزيارات السرية بين البلدين أثمرت على ما يبدو عن حلحلة للأزمة.
وأضاف هاشم أن بعض بنود الاتفاق تشير إلى مشاركة مصرية في عملية التأمين، بحيث لا تخرج أي من الجزيرتين عن سيطرتها بشكل مطلق، كما أن ذلك يخدم السعودية من خلال الاستفادة السياحية من المنطقة، بعيدا عن التعقيدات المرتبطة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعلى صعيد الشق القانوني والدستوري، ثار نقاش واسع عن توقيت إقرار الحكومة للاتفاق وإرساله للبرلمان، استباقا لحكم القضاء الذي سوف يكون ملزما للجميع، كما أن تعارض أحكام القضاء مع مواقف البرلمان، يضع الحكومة المصرية في أزمة أخرى تتعلق بالنزاع بين السلطات.
ويبدو أن الشق القانوني الأكثر جدلا في الوقت الحالي، بعد أن أصدرت محكمة القضاء الإداري (مختصة في النزاعات الإدارية)، في يونيو، حكما غير نهائي ببطلان الاتفاقية، قبل أن تطعن الحكومة على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا.
وفي الثامن من نوفمبر رفضت المحكمة الإدارية طلب الحكومة بوقف تنفيذ حكم بطلان الاتفاقية، ما يعني أن الحكم بالبطلان لا يزال ساريا إلى أن تصدر المحكمة الإدارية العليا حكمها النهائي.
ومن المنتظر أن تحكم المحكمة الإدارية العليا (أعلى جهة للطعون الإدارية)، في طعن هيئة قضايا الدولة (الممثل القانوني للحكومة المصرية) على حكم القضاء الإداري، ببطلان الاتفاقية في جلسة 16 يناير 2017.
وقال النائب مصطفى بكري، عضو مجلس النواب المصري، لـ”العرب”، إن البرلمان هو صاحب الاختصاص الرئيسي في تحديد مصير المعاهدات الدولية، وفقا للمادة 151 من الدستور المصري والمادة 197 من اللائحة الداخلية للبرلمان. وكان يتوجب على الحكومة أن ترسل الاتفاق منذ التوقيع عليه في أبريل الماضي إلى البرلمان، لكنها لم تفعل ذلك.
وتنص المادة 151 من الدستور المصري على أن “يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصادق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور، وتجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أي معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة”.
وتلزم المادة 197 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب رئيس البرلمان، بعد إحالة أي اتفاقية أو معاهدة إليه، بإرسالها إلى اللجنة التشريعية للبرلمان، وتقوم بدورها بإعداد تقرير في شأن طريقة إقراراها.
ويرجع بكري سبب تأخر إرسال الاتفاقية إلى البرلمان إلى “اتخاذ إجراءات أمنية تتعلق بالجزيرتين، كان من المفترض الانتهاء منها قبل إحالتها للبرلمان”.
وأشار إلى أن علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، سيحيل القضية إلى اللجنة التشريعية والدستورية والتي بدورها ستأخذ وجهات نظر أطياف سياسية وقانونية وتاريخية متعددة قبل التصويت النهائي عليها.
يبدو أن الحكومة المصرية لم تعد قادرة على الدفاع عن قرارها السابق بالتوقيع على الاتفاقية؛ وفي هذا الإطار يرى مراقبون أن العودة للبرلمان في هذا التوقيت بالذات ترجع إلى محاولة إلقاء الكرة في ملعب القضاء والبرلمان ليقررا مصيرها، كما أنها تعد خطوة سياسية تبعث برسالة إيجابية إلى السعودية، مفادها أن الحكومة عازمة على اتخاذ خطوات تنفيذية تمهد لتسليم الجزيرتين.
وشهدت خطوة إرسال الاتفاق من الحكومة إلى البرلمان جدلا متصاعدا في مصر، إذ اعتبر البعض أنها لا تجوز قضائيا ودستوريا، بحجة أنها أضحت باطلة، بعد قرار محكمة القضاء الإداري بإلغائها، ولا تحق للبرلمان مناقشة الاتفاقية إلا بعد قبول الطعن على حكم إلغائها.
غير أن الدكتور صلاح الدين فوزي، عضو لجنة الإصلاح التشريعي، أكد لـ”العرب”، أن الجهة التنفيذية تملك إحالة المعاهدة إلى البرلمان، طالما لم يصدر القضاء حكما نهائيا بشأنها، كما أن الدستور لم يحدد وقتا معيّنا لإرسالها وإنما تخضع لمواءمات سياسية بعينها. ولفت فوزي إلى أن مجلس النواب لديه ثلاثة خيارات بشأن مناقشتها، الأول يوافق على الاتفاق من خلال تصويت الأغلبية، والثاني رفضها تماما، والثالث يؤجل النظر في المعاهدة لمدة لا تتجاوز 60 يوما.
وأضاف أن الظرف السياسي والقضائي الحالي ينبغي أن يصاحبه تأجيل لمناقشة الاتفاق، انتظارا لرأي القضاء النهائي بشأنها، إذ أن تعارض مواقف الطرفين يؤدي إلى جدل قانوني لا طائل منه، وقد يفتح الباب أمام العديد من المشكلات بين السلطات المختلفة، وأن الأصل في الأمور أن أحكام القضاء ملزمة للجميع.
وبحسب الدستور المصري، فإن البرلمان لا يستطيع إدخال تعديلات على الاتفاقية، وبالتالي فإن الاتفاقية إما أن يتم تطبيقها على وضعها الحالي برمتها وإما أن يتم رفضها.
ويرجع جوهر النزاع القانوني القائم حاليا إلى تصنيف اتفاقية ترسيم، إذ أن الحكومة المصرية ترى أنها معاهدة، وبالتالي فهي تُعتبر من أعمال السيادة ولا تجوز مناقشتها أمام البرلمان، بينما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما ليس نهائيا بأن الاتفاق يُعد بمثابة قرارات إدارية من جانب الشق الحكومي، والقاضي وحده هو صاحب الحق في تصنيفها وليس المشرع.
مواجهات وتظاهرات
أشار قانونيون إلى أن ما يزيد الأمور تعقيدا بالنسبة إلى البرلمان أن هيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية التي تنظر في الحكم منتصف الشهر المقبل، كانت قد رفضت من قبل طعنين مقدمين من الحكومة المصرية، على حكم صادر في يونيو الماضي يقر بمصرية الجزيرتين، وهو ما يمثل إشارة على اتجاه الحكم في القضية.
وأكد فوزي، الذي شارك في وضع الدستور المصري الأخير، أن الحكومة تعتمد في طعنها على أن المحكمة ذاتها وبنفس تشكيلها سبق وحكمت بأن اتفاقية تعيين الحدود المصرية القبرصية جزء من أعمال السيادة، مشيرا إلى أن الحكومة اتخذت قرارا خاطئا بإحالة القضية إلى البرلمان في الوقت الحالي، قبل انتهاء الجدل القانوني المثار حولها.
ولفت دستوريون آخرون إلى أن اتفاقية تعيين الحدود لا تعد ضمن معاهدات الصلح والتحالف، وبالتالي فإن البرلمان لن يكون مضطرا لعرضها على الاستفتاء الشعبي، كما أن المحكمة الدستورية ليس من حقها التدخل في هذا الشأن وفقا للدستور ولا يمكن اللجوء إليها إلا في حالة وجود حكمين قضائيين متناقضين بشأن القضية.
وذهب البعض إلى التأكيد على أن المشكلة الأكبر التي ستواجه الحكومة المصرية حتى في حال موافقة القضاء والبرلمان على الاتفاقية، هو أن ذلك سُيحدث شرخا وانشقاقا واسعين بين الشعب والسلطة، وقد يؤدي إلى فقدان ثقة البعض في مؤسسة القضاء التي تحافظ على استقلاليتها بصورة كبيرة.
ومن المتوقع أن يعيد هذا الإجراء المظاهرات المعارضة للاتفاقية إلى الشارع مرة أخرى، بعد أن أكد طارق العوضي، عضو هيئة الدفاع عن تيران وصنافير، تقدمه بطلب لوزارة الداخلية المصرية للحصول على تصريح بالتظاهر، في وقت أدخلت فيه مصر تعديلات جوهرية على قانون التظاهر قلّصت بموجبها سلطات وزارة الداخلية في رفض التظاهرة أو إلغائها.