إسلام بحيرى.. المتطرف المودرن

العدد الأسبوعي

إسلام بحيري
إسلام بحيري

يمارس نفس أساليب «الإخوان الدواعش» فى التمسك بآرائه واعتبارها الصحيح وأن غيرها خطأ

لم نتردد لحظة واحدة فى الدفاع عن الباحث إسلام بحيرى، واعتبرنا حكم حبسه انتكاسة للحريات ومصادرة للرأى وقتلا للقدرة على الإبداع أو تحريك المياه الراكدة فى بحر تجديد الخطاب الدينى، وتغاضينا كثيراً عن كونه غير متخصص فى الفتاوى ولا فى علم الحديث أو أصوله، أو عدم دراسته للأديان المقارنة، كل ما نعرفه عنه أنه ما قاله عن نفسه بأنه باحث متخصص فى شئون الحركات الإسلامية، ثم عاد وقدم نفسه مرة أخرى باعتباره متخصصا فى الشئون الإسلامية.

لم ولن نقف عند توصيف إسلام بحيرى، أو ماذا يفعل ولن نبحث كثيراً فى ملفاته وكيف قدمته إحدى الصحف الزميلة، باعتباره باحثاً متخصصاً، أو باعتباره الباحث المجدد حسب تقديم إحدى القنوات الفضائية، ولم نعترض فى الحالتين لأن الرجل لديه ما يقدمه، أو على الأقل لأنه يلقى حجراً فى بحر التراث الدينى الميت وينبه إلى خطورة تقديس الكتب الصحاح فى الحديث والمذاهب الفقهية العتيقة التى لا تصلح ولا تتماشى فى كثير من قضاياها مع العصر، وللقارئ أن يندهش إذا علم أن طلاب الأزهر لا يزالون يدرسون المسائل المختلفة والمتعلقة بالعبيد والجوارى وما يشبهها من قضايا.

وطالما أن الأزهر الشريف، المؤسسة الدينية الأكبر فى مصر والعالم الإسلامى، لم ولن تتحرك فى مسائل تجديد الخطاب الدينى، رغم دعوات الرئيس عبد الفتاح السيسى، صراحة وعلى رءوس الأشهاد لها أكثر من مرة وفى أكثر من مناسبة بضرورة العمل على تجديد الخطاب الدينى، ولكن لأسباب كثيرة يعلمها المقربون من المشيخة العالمون بما يدور فى كواليسها لن يستطيع الأزهر الإقدام على تلك الخطوة مرة واحدة لوجود موروثات ثقيلة، وعقول غليظة داخل المؤسسة تتعامل مع التراث وكتب الصحاح على أنها من المقدسات التى لا يجوز المساس بها نهائياً.

هناك بعض مشايخ الأزهر من حمل على عاتقه مسألة التجديد وتحمل مسئولية كلامه وفتاويه أمام الرأى العام من أمثال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، والدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر، وإن كانت دار الإفتاء هى المؤسسة الوحيدة من المؤسسات الإسلامية التى تعمل تحت إشراف الأزهر، استطاعت أن تجدد من نفسها من النواحى التقنية وقدمت فتاوى تتعاطى مع ظروف العصر، بشكل مختلف ولكنها لم تصل ولن تقترب من قريب أو بعيد من كتب التراث أو غيرها.

ولم يستطع الدكتور أسامة الأزهرى، المستشار الدينى للرئاسة الاقتراب من فكرة التجديد ولا كتب التراث ولم يقدم حتى الآن أى مشروعات أو أفكار تخدم الفكرة.

كانت تلك النقاط التى دخل منها إسلام بحيرى وقدم نفسه باعتباره المجدد وهو من يحمل العلم والفقه وأنه الباحث، فى ماذا.. الله أعلم، وما هى العلوم التى درسها.. لا نعلم، هل هو مجرد شخص قرأ كثيراً أمهات الكتب ثم خرج لينقحها ويصحهها لا أحد يعلم.،

لا شك أن حبس إسلام بحيرى، قضية وجد فيها جمهور السوشيال ميديا، مادة خصبة ودسمة للنقاش، ثم وجد نفس الجمهور فى قرار الإفراج عنه بعفو رئاسى مادة أخصب للحديث عنها، ولكن أن يستغل إسلام بحيرى فكرة حبسه، ويخرج علينا شاهراً سيف المجدد فى وجه المجتمع، ويعتبر أن ما يقوله هو الصحيح، وكلام غيره باطل، فيجب أن تكون هناك وقفة له ومعه، لأننا إذا كنا ننتقد تطرف الدواعش والسلفيين والإخوان وغيرهم من المتشددين الشرهين للدم لأنهم يعتقدون أن أفكارهم هى الصواب وما دونها خطأ وضلال، فمن الأولى أن نلفت انتباه بحيرى إلى أن مواقفه بعد خروجه من السجن لا تختلف كثيراً عمن يحذر المجتمع من أفكارهم، خاصة التى ظهرت خلال المناظرة التى جرت بينه وبين الدكتور سعد الدين الهلالى، المحسوب على المجددين خاصة أنه باحث بالفعل ومجدد معروف.

وأصر إسلام فى المناظرة على موقفه فى مسألة «أنه لا حرمة على قاتل النصارى» والتى اختلف فيها الفقهاء الأربعة المعروفين، وقال إن كلامهم لا يجوز العمل به ويجب أن يلقى به فى المحيط، وبغض النظر عن صحة موقف بحيرى إلا أن طريقته الانفعالية الشديدة فى عرض أفكاره باعتبارها الحق معناها أنه لا يسعى لتجديد الخطاب الدينى وإنما هناك أغراض فى نفسه.

لم يكن إسلام وهو يواجه الهلالى، نموذجاً للباحث الذى يقبل بالرأى الآخر، خصوصاً أن الأخير كان يسبق بحيرى بخطوات أكبر ويطرح أفكاراً متماسكة بشكل واقعى شامل، ولكن كان إسلام متوتراً يردد جملا محددة طوال ساعات المناظرة، ويدور حولها ولا يتعاطى مع الأفكار التى يطرحها الهلالى التى كانت واضحة وناضجة وتعلم ما الواقع وما يدور فيه.

كان يريد أن ينتزع من الهلالى اعترافا بأنهم أخطأوا بينما كان الهلالى قد وصل إلى أمر أفضل وأبعد من عقل إسلام المشغول بنفسه، قال الهلالى، إن جميع الفقهاء كانوا يخطئون أنفسهم قبل أن يخطأهم الغير، وأن فتاويهم مجرد آراء للمسلم أن يأخذ بها باعتبارها اجتهادا بشريا، أو يرفضها لأنها لا تمثل الإسلام فى شىء، ولكن تمثل أصحابها فقط.

كنا أكثر الداعين إلى تجديد الخطاب وفتحنا صفحاتنا دوماً لنقد التراث، لطرح رؤية أخرى أمام القراء، ولكننا لا يمكن أن نغمض أعيننا ونحن نرى أحد الداعين إلى نفس الفكرة وهو يقوم بنفس الممارسات التى ننتقدها ونرفضها، وهى اعتبار رأى بعينه هو عنوان الحقيقة، خاصة أن الإسلام يعتمد على الرأى والرأى الآخر، واختلاف الرأى حول مسألة بعينها لا يبطلها ولا يحرمها، وأنه القادر على تجديد الخطاب الدينى هو الأزهر بعلمائه الدراسين المستنيرين الذين يعلمون قواعد الاختلاف من دينهم وليس من المتطرفين المودرن.