عادل حمودة يكتب: خطة اليهودى المتشدد فى عائلة وإدارة ترامب
خريطة جديدة للشرق الأوسط ترسمها مصر وإسرائيل وأميركا
■ مؤتمرات إقليمية لتهدئة المنطقة وإعادة النفوذ الأمريكى إليها والقضية الفلسطينية آخر نقطة فى جدول أعمالها
■ جارولد كوشنر زوج ابنة ترامب يلغى قرارات صهره ويزيح من الفريق الانتقالى الذين سجنوا والده فى قضية تهرب ضريبى
■ رتب كوشنر لقاء نتنياهو وترامب قبل الانتخابات الرئاسية ووعد إسرائيل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس
لم تتردد إيفانكا ترامب فى التحول من المسيحية إلى اليهودية لتتزوج من تحب.
تزوجت ابنة الرئيس الأمريكى الجديد فى عام 2009 باليهودى بالأرثوذكسى المتشدد جارولد كوشنر فهو يلتزم بتعاليم السبت.. لا يشعل نارا.. ولا يقود سيارة.. ولا يشاهد تليفزيونا.. ولا يستخدم تليفونا.. ويتناول العشاء وسط أطفاله الثلاثة (أرابيلا وجوزيف وثيودور) وهو يروى لها أساطير أرض الميعاد التى تنتظر قدوم المخلص الذى سيعلن سيادة اليهود على العالم.
وهو حفيد جدين نجيا من المحرقة النازية.. تخرج فى مدرسة ليفينجستون اليهودية.. وتعهد بترميم معابد طائفته من أرباح شركته المؤثرة فى سوق العقارات.. وعندما رفضته جامعة هارفارد تبرع لها والده بنحو ثلاثة ملايين دولار فأصبح بتلك الفضيحة طالبا شهيرا تحت قبتها العريقة.. لكنه.. واصل دراسته فى جامعة نيويورك ليحصل على ماجستير فى البيزنس والقانون.
ويرتبط كوشنر بعلاقة صداقة متينة مع رئيس بلدية القدس نير بركات.. وزاره فى بيته عام 2014 عندما حاول شراء نصف أسهم شركة فينكيس هولنجز للتأمين مقابل 434 مليون دولار لدعم علاقته بدولة الرب بعد أن أهدى والداه 11.5 فدان و20 مليون دولار لمستشفى شار زيديك هناك فوضع اسميهما عليه.
ومنذ عشر سنوات يشارك والده أيضا فى صندوق استثمارى عقارى أمريكى إسرائيلى ساهم فى تأسيسه السفير الإسرائيلى السابق لدى واشنطن زلمان شوفال.
وهناك صورة لكوشنر وهو صبى صغير يجلس بالقرب من نتنياهو التقطت له خلال زيارة والده لبيت رئيس الوزراء الإسرائيلى.
ودعمت هذه الصورة علاقة كوشنر بسفير إسرائيل فى واشنطن رون ديرمر الذى علق قائلا: لا شك أن كوشنر يشعر بالتزام شديد نحو أمن إسرائيل ومستقبلها.
وخلال حملة ترامب الانتخابية لعب كوشنر دورا مؤثرا فى تغيير أفكار صهره تجاه اليهود فلم يتراجع ترامب فقط عن معاداة السامية بل وصل إلى حد إعلانه عن نقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل إلى القدس. وهو ما سيحدث غالبا بعد 35 سنة من إعلانها عاصمة موحدة وأبدية لبلاده.
كان البيت الأبيض طوال تلك السنوات يرى أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ينسف جهود السلام، كما يثير حفيظة الدول العربية والإسلامية ويزيد من هجمات الإرهاب ضد المصالح الوطنية فى الداخل والخارج.
وحسب تصريحات ثلاثة من مستشارى ترامب وهم يهود متشددون على رأسهم ديفيد فريدمان وجيسون جرينبلات فإن ترمب سينفذ قرار الكونجرس الصادر عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة موحدة للدولة العبرية.
لكن.. نتنياهو يرى أن الظروف الإقليمية مواتية لتنفيذ القرار.. فهناك - على حد قوله لبرنامج 90 دقيقة يوم 11 ديسمبر الجارى- تحالف جديد بين بلاده ودول عربية معتدلة ضد الخطر الشيعى والخطر الإرهابى.. وهو تحالف قد يدفع الفلسطينيين بقبول حل الدولتين.. وإن سبق أن سئل وزير دفاعه أفيجدور ليبرمان عن عملية السلام فأجاب: لا عملية ولا سلام.. حسب مراسل الشروق فى واشنطن محمد المنشاوى.
والأخطر.. أن البلاد العربية فى حالة ضعف وتفتت شديدين.. وكل منها منكفئ على نفسه يلعق جراحه ويرمم متاعبه.. بجانب الخلاف المعلن بين مصر والسعودية.. ما يعنى أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لن يواجه من جانبنا إلا بصخب إعلامى سرعان ما يخمد.
وربما لهذا السبب يقول نتنياهو: إذا لم تنقل السفارة فى هذه الظروف المواتية لإسرائيل فلن تنقل أبدا.
ونجح كوشنر فى ترتيب لقاء بين ترامب ونتنياهو فى سبتمبر الماضى بعد جمع تبرعات لإسرائيل من أثرياء اليهود على رأسهم شريكه شلدون أديلسون الذى يشاركه بيزنس العقارات فى نيويورك.
وحسب زميله فى هارفارد مارتن بيرتز مالك صحيفة نيو ربابليك فإن كوشنر يقسم وقته بين إسرائيل وأمريكا ويتابع قضيتها المزمنة مع الفلسطينيين ربما أقل من أرون ديفيد ميلر الخبير الأمريكى فى المفاوضات العربية-الإسرائيلية، وربما أقل من دينس روس الوسيط المساعد فى المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية.. لكن المؤكد أنه يعرف المنطقة أكثر من باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيرى.
وحسب بواز بيرموث محرر صحيفة إسرائيل اليوم فإنه سمع من ترامب أن كوشنر يعرف إسرائيل جيدا ويتابع ما يحدث فيها باهتمام فوق العادة.
ولا شك أن هذه الأسباب جعلت ترامب يختاره مبعوثا له فى الشرق الأوسط ووسيطا بين العرب وإسرائيل.
وكان ترامب يتمنى أن يكون صهره أحد رجال إدارته.. لكنه.. لم يستطع بسبب قانون المحسوبية الذى أصدره فى عام 1967 جون كيندى ويمنع الرئيس الأمريكى من تعيين أحد أقاربه فى منصب رسمى ولو دون راتب، كما اقترح كوشنر وإلا سجن الرئيس عامين.
لكن.. ذلك لن يمنع كوشنر من أن يكون الأكثر تأثيرا فى قرارات ترامب.. بل.. إنه أثبت قوته عندما جعل صهره يقيل كريس كريستى (حاكم ولاية نيو جيرسى) من منصب رئيس الفريق الانتقالى وتعيين مايك بنس نائب ترامب بدلا منه.
كان كريستى وهو مدع عام فيدرالى قد سجن تشارلى والد كوشنر عام 2008 بتهمة التهرب من الضرائب ودفع تبرعات غير قانونية فى حملات انتخابية.
بل إن كوشنر واصل انتقامه من كريستى بإقالة اثنين من حلفائه هما مايك روجرز مستشار الأمن القومى حينذاك وماثيو جرى وكان حلقة وصل بين قطاع الأعمال والحكومات الأجنبية.
وعندما استقبل أوباما ترامب كان كوشنر ثالثهما.
وعندما جاء رئيس وزراء اليابان للقاء ترامب وجد كوشنر فى انتظاره.
إن كوشنر الشاب الأشقر الذى لا يزيد عمره عن 35 سنة هو عقل ترامب ومهندس حملته الانتخابية باعتراف مديرها أريك سميث.. كتب كوشنر عددًا كبيرًا من خطاباته.. دس فى يده ورقة عليها نقاط المناظرات الثلاث مع كلينتون.. استغل شبكات التواصل الاجتماعى فى الدعاية لحماه.. ولم يكلفه أكثر من 70 مليون دولار دفعها من ماله.. وهو مبلغ متواضع إذا ما قورن بتكلفة حملة كلينتون التى وصلت إلى 600 مليون دولار.
وجمع كوشنر ثروته التى تصل إلى سبعة مليارات دولار مثل صهره من العقارات، ما سمح له بشراء صحيفة نيويورك أوبزرفر عام 2006 بما لا يزيد عن عشرة ملايين دولار باقتراح من قطب الإعلام روبرت مردوخ الذى سهلت زوجته السابقة ويندى دينج لصديقتها إفانكا ترامب الزواج من كوشنر واقنعتها بتغيير ديانتها.
وكسب كوشنر شهرة هائلة فى عالم البيزنس عندما اشترى نصف عقارات تايم سكوير.. ميدان المسارح والتسوق وشبكات التليفزيون فى نيويورك.
ومثل غالبية اليهود المؤثرين لا يميل كوشنر للوقوف أمام الكاميرات ويفضل العمل وراء الكواليس متجنبا الهجوم عليه.. فهو يصل إلى ما يريد دون أن يثير استفزاز أحد.. مسترشدا بقاعدة مؤسس إسرائيل ديفيد بن جوريون: اليهودى الصالح هو اليهودى المتآمر تحت الأرض.
وتطبيقا لتلك القاعدة أقنع كوشنر صهره بتجديد البنية التحتية فى البلاد باستثمارات تصل إلى 100 مليار دولار ليستفيد من نظرية كينز فى كسر الكساد بخلق وظائف لمحدودى الدخل تدر عليهم دخلا مناسبا ينفقونه فى زيادة الطلب على السلع والخدمات لتدب الحياة فى شرايين الاقتصاد من جديد.
وبسهولة نجح كوشنر فى إقناع أمير قطر باستثمار 20 مليار دولار فى البنية التحتية الأمريكية لينقذه من غضب ترامب الذى هدده بإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية فى قطر بعد أن ساهمت فى تمويل حملة كلينتون الانتخابية.
كالعادة استخدمت قطر دبلوماسية المال لحماية نظامها.. كما أنها ستكتفى فى الغالب بهجوم إعلامى على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس دون أن تفكر فى قطع علاقتها مع واشنطن.. وهو فى الغالب سيكون موقف غالبية الدول العربية الأخرى.
إن نجاح إسرائيل فى نقل السفارات الأجنبية إلى القدس أولى ثمار اللعب الخفى الذى مارسته فى المنطقة تحت حرب المجتمعات - حسب تسمية قيادة حلف الناتو.
لقد كشف تقرير لقيادة الأركان الأمريكية مرفوع إلى أوباما فى نهاية عام 2014 عن الخيارات فى الشرق الأوسط أن إسرائيل أشعلت حرب المجتمعات بتفجير النعرات الدينية والقبلية والجغرافية والثقافية فى الدول العربية المستهدفة لتفتيتها وتقسيمها وإضعافها.. واستخدمت لتحقيق ذلك أدوات مختلفة.. منها الاتصالات السرية مع الأطراف المتصارعة لإذكاء الفتنة بينها.. ومنها التقارير الأكاديمية المؤيدة والمعارضة فى قضية واحدة ليأخذ كل طرف منها التقرير الذى يثير غضبه ويحرضه على الطرف الآخر.. ومنها استخدام وسائل الإعلام العالمية التى تسيطر عليها لتحويل المشاكل الطارئة إلى أزمات وطنية.
وبهذه الحرب المبتكرة ولتحول اهتمام أوباما من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى انتزعت إسرائيل المنطقة من الولايات المتحدة ونقلتها من القدرة على الفعل إلى الاكتفاء برد الفعل.. وهنا يستطرد التقرير: إننا نتفهم أن مصلحة إسرائيل فى تفتيت المنطقة إلى دويلات إثنية وعشائرية وطائفية.. لكن.. ذلك يتناقض مع مصالحنا.
فالحرب التى دعمتها فى سوريا سلمت سوريا إلى روسيا.. وعندما اقنعت إسرائيل فرنسا وبريطانيا بالتدخل لقلب نظام القذافى فى ليبيا انتشرت الفوضى والإرهاب هناك.. ولإصرار إسرائيل على حل الجيش العراقى بعد سقوط صدام حسين سيطرت إيران على العراق وفقدت الولايات المتحدة مصالحها الاستراتيجية.
ويضيف التقرير: ليس فى الساحة من يستطيع خلق التوازن مع إسرائيل إلا مصر.. مصر يمكن أن تساهم فى إعادة الاستقرار للمنطقة بأن تتعاون مع الولايات المتحدة لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط مخالفة للخريطة التى تسعى إسرائيل وفرنسا وبريطانيا لفرضها.
لم يأخذ أوباما بذلك التقرير وإن أخذ به ترامب واعتبره خطة عمل جاهزة للتعامل مع المنطقة بدعم من العسكريين الأمريكيين الذين كان لهم نصيب ملموس عند اختيار مساعديه.. وعهد بالتنفيذ إلى كوشنر الذى استقبل فى واشنطن يوم 16 ديسمبر الجارى يوسى كوهين مدير الموساد لترتيب المستقبل - حسب ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت.
سيكون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عربونا لقبول إسرائيل بالتخلى عن حرب المجتمعات وتهدئة الصراعات فى المنطقة والتعاون مع دولها المعتدلة ومنها مصر فى مواجهة خطرى إيران والإرهاب، بما يعيد للولايات المتحدة تأثيرها المفقود فى حماية مصالحها.
وستجرى المفاوضات والترتيبات تحت غطاء مؤتمرات إقليمية تشارك فيها أطراف دولية لحل المشكلة الفلسطينية التى ستكون بالقطع النقطة الأكثر صعوبة فى جدول الأعمال.
لا تستهينوا بالشاب الوسيم الرشيق جارولد كوشنر فهو ثعلب مدرب على أن يتنكر لالتهام فريسته دون أن يترك نقاط دم تشير إليه.