د. نصار عبدالله يكتب: يوميات ضابط فى حرب اليمن (1)
بوسعنا أن نعتبر كتاب» يوميات ضابط فى حرب اليمن» للأستاذ محمود مبروك، بوسعنا أن نعتبره كتابا فريدا فى أدب السيرة الذاتية التى يروى لنا فيها المؤلف جانبا مهما من تاريخ حياته، وبوسعنا أن نعتبره كذلك عملا تسجيليا يؤرخ فيه مؤلفه من خلال سرده للوقائع الحية النابضة فترة حافلة بالأحداث من تاريخ مصر والأمة العربية، وقد صدر الكتاب عام 2014عن الهيئة المصرية العامة للكتاب لكننى لم يقدر لى أن اقرأه إلا هذا العام، تحديدا فى الشهر الماضى حيث كتبت عنه لدى قراءتى إياه مقالا فى إحدى الصحف اليومية، لكننى أعاود الكتابة عنه لأكثر من سبب وأول تلك الأسباب وأهمها فى رأيى أن الكتاب فى حد ذاته يستحق أكثر من مقال، وثانيها أنه يتطرق إلى تلك الحرب الطاحنة التى شهدها اليمن الشقيق فى ستينيات القرن الماضى والتى شاء قدر مصر أن تشارك فيها وقوفا إلى جانب الثورة اليمنية التى كانت تستهدف إخراج اليمن من غياهب العصور الوسطى التى كانت لا تزال تعيش فيها إلى العصور الحديثة التى كانت أنوارها قد سطعت فى أغلب بلاد العالم لكنها كانت تجد دائما من يطفئها كلما تسللت إلى اليمن! وثالث تلك الأسباب أننا محتاجون إلى أن نتعرف على تاريخ وخبايا المجتمع اليمنى فى هذه الأيام بالذات بعد أن اشتعلت الحرب مرة أخرى فى هذا البلد الذى كتب عليه ألا يكون سعيدا (رغم أنه عرف تاريخيا باسم: «اليمن السعيد»)!! ...نقطة البدء المحورية فى كتاب الأستاذ محمود مبروك طبقا لما يرويه لنا تتمثل فى أنه فى بداية حياته العملية التحق بعمل مؤقت بالجناح الأمريكى بالمعرض الزراعى الدولى حيث تعرف على مجموعة من أسر المزارعين، ومن بينهم روكل هولكومب وزوجته عايدة من ولاية كونكتكت، ودعاهما إلى الغداء فى بيته حيث أعد لهما الأطباق الشرقية مثل الملوخية والمحشى، وقبل المشروب الساخن قدم لهما طبقا من الكنافة المصنعة منزليا التى أعجبتهما إلى الحد الذى جعل السيد هولكومب يتساءل فى اهتمام شديد عن طريقة صنعها وأماكن توافرها!، وفى النهاية يعرض عليه أن يتولى إدارة مشروع لتصنيع الكنافة فى أمريكا عرضا حيث إنه س يقوم بعد عودته إلى ولايته بزراعة خمسمائة فدان قمحا، وسوف يوفر له أفران الأشعة البنفسجية، وكل ما يلزم لإقامة المشروع، كما أنه سوف يقوم بحملة دعائية ضخمة يضمن بعدها منافسة الكنافة المصرية للبيتزا الإيطالية التى بدأت تغزو أسواق بلاده، ويوافق المؤلف بصفة مبدئية ويطلب من السيد هولكومب مهلة للتفكير والدراسة ويسأله عن إمكانية اصطحاب عدد محدود من الصنايعية ذوى الخبرة فيوافق هولكومب ويعطى المؤلف عنوانه ورقم تليفونه ويبدى استعداده لتوقيع العقود اللازمة وتسهيل التأشيرات بمجرد الاتفاق. ويبدأ المؤلف فى الاستعداد للسفر وأول ما كان يتعين عليه فعله هو استخراج جواز سفر، غير أن استخراج الجواز يحتاج إلى تقديم ما يثبت الموقف من التجنيد، ولما كان المؤلف من مواليد 1941، ولما كان اثنان من زملائه من مواليد ذلك العام قد أعفيا من التجنيد لأنهما لم يصبهما الدور، حيث أبرز كل منهما له شهادة إعفائه موضحا عليها السبب، ودلاه على زميل ثالث لم يصبه الدور أيضا لأنه من مواليد نفس العام، وعلى ذلك فقد توجه المؤلف مطمئنا إلى منطقة تجنيد الإسكندرية بمعسكرات مصطفى كامل واثقا من أنه سوف يحصل على شهادة الإعفاء، ولم يدر بخلده إطلاقا أن ذلك اليوم السبت 29ديسمبر 1962 سوف يكون يوما فارقا فى حياته وللحديث بقية.