من حقوق الزوجة على زوجها في الاسلام !
لقد اقتضتْ حكمة الباري - تبارك وتعالى، ولا رادَّ لحُكمه - أن يجعل قصة الحياة والأحياء على ظهر هذا الكوكب من ذكر وأنثى، وجعل - سبحانه - لكلٍّ منهما ميلًا فطريًّا للآخر، فإليه يسكن، وبه يأنس؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
ولضمان حصول المودَّة والرحمة، وتحقق وجود السكينة؛ جعل الله لهذه العلاقة قانونًا يحكمها بين الزوجين، وفرض على كلٍّ منهما حقوقًا يؤدِّيها للزوج الآخر، كما أن له حقوقًا، فبعد أن يتم الزواج، ويلتقي الزوجان؛ لا بد لكل منهما أن يفي بحقوق الآخر، فالعلاقة بين الزوج وزوجته ليست كأيِّ علاقة؛ فلها حقوق وواجبات، مما يتسبَّب في كثيرٍ من المشكلات عندما يتم جهلها وإغفالها، مما ينتج عنها أمورٌ تخالف حكمة الزواج، والتي لربَّما أقلُّها سوء العِشرة، وعدم التفاهم بين الزوجين، والتي في نهايتها تنتهي بالطلاق؛ ممَّا يتسبَّب في: ضياع الحقوق، وتشرُّد الأسرة، وتفكُّك رباط العلاقات الاجتماعيَّة.
لهذا كان من اللازم توفر حقوق لكلٍّ منهما؛ لتقوم حياة سعيدة قائمة على التقوى والتعاون، وتدوم المحبَّة والألفة، وحُسن العِشرة، وليدوم الصفاء والنقاء، الذي لا تشوبه شائبة، فالعلاقة الزوجيَّة هي علاقة رُوحيَّة معنويَّة أكثر منها علاقة حيوانيَّة بهيميَّة، وهذا ما حضَّ عليه الشرع، ووصَّى به؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
ومن هذا الباب سطَّرتُ بعضًا من الحقوق التي للزوجة على زوجها، فكما أن للزوج حقوقًا، فعليه حقوقٌ؛ وما ذلك إلا لتنظيم الحياة الزوجية، وتعمير البيوت لداوم المحبة والصفاء، ومن أجل أن يخرج النسل الصالح - بإذن الله تعالى - أسأل الله - تعالى - أن أكون قد وفِّقت في طرحي، وأسأله - تعالى - أن ييسر لنا للكتابة في الحقوق التي على الزوجة لزوجها.
حقوق الزوجة على زوجها:
أولا: حُسن عِشرة ومعاملة الزوجة:
إن حُسن العشرة والمعاملة له نظم رائق، وله ذوق رائع بين الزوجين؛ فقال - تعالى -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].
وهذا ما يجب على الزوج لزوجته: من إكرامها، وحسن معاشرتها، وأن يعاملها بالمعروف، وهذا يؤدِّي إلى تأليف قلوبهما، وهذا الحق إذا أداه الرجل كما أمر الشرع؛ سيزيد من الألفة والاجتماع.
ومن الحقوق: إعطاء حقوق الزوجة، وأن يحسن إليها، وألا يظلمها؛ لهذا لا بد من الزوج أن يحسن علاقته مع زوجته، وأن يرفق بها، ويقدم ما يمكن تقديمه إليها؛ مما يؤلِّف قلبها، تطبيقًا لقوله: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].
وثبت هذا الحق في السنة النبوية الشريفة، بمعاملة النساء خيرًا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((استوصوا بالنساء))[1]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))[2].
وحسن العِشرة لفظ جامع ترجع إليه جميع الحقوق [3].
ثانيًا: أن يعلمها أمور دينها، ويحثها على الطاعة:
كما أن للزوجة حقَّ حسنِ العِشرة والمعاملة، التي تتطلَّب تلطف الزوج مع زوجته، لكن هناك أمور لا يجب أن يتوانى فيها، ولا يفتر عن تعليمها، وحثها على طاعة الله - تعالى، تطبيقًا لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
ويكون ذلك بالنصح والتأديب، وروي أن عمر قال حين نزلت: يا رسول الله، نَقِي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((تَنْهَوهن عما نهاكم الله عنه، وتأمروهن بما أمركم الله به، فيكون ذلك وقاية بينهن وبين النار))[4].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رَحِم الله رجلًا قام من الليل فصلَّى، وأيقظ امرأته فصلَّت...))؛ الحديث [5].
ثالثًا: أن يعدل بينها وبين ضرتها إن كان لها ضرة:
إن من الحقوق الواجبة للزوجة على زوجها أن يعدل بين الزوجات؛ لقوله - تعالى -: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3].
وإن لم يستطع الرجل العدل، أو خاف ألا يعدل؛ فيقتصر على واحدة؛ لقوله - تعالى -: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾، وهذا العدل لا يشمل العدل القلبي؛ فإن هذا غير مستطاع؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 129]، لكن يجب عليه العدل: في المَبِيت، والنفقة، وغير ذلك من الأمور المستطاعة.
رابعًا: أن يغض الطرف عن بعض أخطائها ما لم يكن فيه إخلال بشرع الله:
أن يغضَّ الطرف عن بعض أخطائها، ما لم يكن فيه إخلال بشرع الله، وهذا لا يكون إلا من خلال الموازنة بين حسناتها وسيئاتها، فإن رأى منها ما يكره؛ فإنه يرى منها ما يعجبه ويحبه.
وإلى هذا يشير النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله - ويرشد الرجال في ذلك-: ((لا يَفْرَك [6] مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا، رضي منها خلقًا آخر))[7].
خامسًا: ألا يؤذيها بضربها في وجهها أو تقبيحها:
فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((.. ولا تضرب الوجه، ولا تقبح.. ))[8]، وقال: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم))[9].
إن ضرب الزوجة مشروع إذا نَشَزت الزوجة، وتركت طاعة زوجها على النحو الذي في قوله - تعالى -: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].
ولا بد من ضوابط للضرب، يبتدئ أولاً بالوعظ بكتاب الله وتذكيرهن بما أمرهن الله به، ثم الهجران؛ قال ابن عباس: هو أن يولِّيَها ظهره على الفراش، ولا يكلمها، وقال الشعبي ومجاهد: هو أن يهجر مضاجعتها، ثم الضرب غير المبرِّح؛ قال ابن عباس: أدبًا مثل اللكزة، وللزوج أن يتلافَى نشوز امرأته بما أذن الله له، مما ذكره الله في هذه الآية: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ﴾، فيما يلتمس منهن ﴿ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾؛ وقال ابن عباس: "فلا تتجنوا عليهن العلل"[10].
سادسًا: أن يجلس مع زوجته يحدثها ويستمع إلى حديثها:
أن يجلس مع زوجته يحدثها ويستمع إلى حديثها، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس مستمعًا إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عندما كانت تقص عليه حديث النسوة اللاتي جلسن وتعاقدن على ألا يكتمن من خبر أزواجهن شيئًا - وهو حديث أم زرع المعروف - وهو حديث طويل، ومع ذلك لم يمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عائشة وهي تحدِّثه؛ والحديث عند البخاري ومسلم.
سابعًا: أن يأذن لها إذا استأذنته في الخروج:
من الحقوق الواجبة على الزوج لزوجته: أن يأذن لها في الخروج إن استأذنته في ذلك، وألا يمنعها من الخروج إلا إذا لم يأمن من ذلك الخروج؛ كتعرضها للفتنة، وكذلك ألا يمنعها من الخروج لشهود الجماعة، أو زيارة الأقارب.
ثامنًا: ألا يهجرها، وإن هجرها هجرها في البيت:
ألا يهجر الزوج زوجته إلا في البيت، إلا أن تكون هناك مصلحة شرعية في الهجر خارج البيت، كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أزواجه شهرًا في غير بيوتهن[11].
تاسعًا: أن يتزين الرجل لزوجته كما تتزين له:
قال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله - تعالى - يقول: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]؛ أي: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن، مثل الذي عليهن لهم من الطاعة فيما أوجب الله - تعالى - ذكره له عليها [12].
عاشرًا: أن يعفها:
يجب أن تنال الزوجة من زوجها اللذة كما ينال منها[13]، فيلبي الزوج رغبة الزوجة الفطرية؛ من أجل أن يغض طرفها عن الحرام، ويحصِّنها من الوقوع في الزنا، ويصونها ويحفظها من كل ما يخدش شرفها، ويثلم عرضها، ويمتهن كرامتها؛ ولذا أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن مظعون إلى ما لأهله عليه من الحق، لما انقطع عنهم إلى العبادة، فقال - عليه السلام -: ((وإن لأهلك عليك حقًّا))[14].
ووطءُ المرأة واجبٌ في أظهر أقوال العلماء، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة وأحمد، واختاره شيخ الإسلام[15]، ويكون حد الوجوب بما يشبع حاجتها وكفايتها، وبقدرة الزوج بحيث لا ينهك بدنه، ويشتغل بذلك عن معيشته، ولا عبرة مما قال به الفقهاء من أن الوطء الواجب هو مرة كل أربعة أشهر، بل حده قدرة الزوج وكفاية المرأة.
لكن يسقط هذا الحق إن سافر الرجل عن زوجته لعذر وحاجة [16].
الحادي عشر: التلطُّف بالزوجة وملاعبتها وتقديرها:
يجب على الزوج أن يتلطف مع زوجته، وليكن له في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة في ذلك؛ فقد حدثت السيدة عائشة أم المؤمنين، قالت: "كان الحبش يلعبون، فسترني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنظر، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو" [17].
وقالت أم المؤمنين أيضًا: "كنت ألعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل ينقمعن منه فيسرِّبهن إليَّ فيلعبن معي" [18].
الثاني عشر: أن يحسن الظن بها:
يجب على الإنسان بشكل عامٍّ أن يحسن الظن بالآخرين، وهذا من واجبات الدين، وأن يبتعد عن سوء الظن؛ لما يؤدي إلى فساد وظلم للآخرين، وينشر الضغينة بينهم، لهذا حرص الإسلام على غرس هذا الخلق في المجتمع.
وإذا كان هذا فيما بين الناس، فمن باب أولى ألا يسيء الإنسان بشريكة حياته، والتي يسكن هو وهي تحت سقف واحد، من أجل أن تستمر الحياة الزوجية على أكمل وجه، وإن الحياة الزوجية إن قامت على الشك والريبة فيما بين الزوجين، فإن هذا لا يؤدي إلى حياة مستقرة وهنيئة، وهذا تطبيقًا لقوله - تعالى -: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ [النور: 12].
وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات: 12].
فهذا نداء من الله للمؤمنين الذين صدَّقوا الله ورسوله، باجتناب الظن.
في نفس الوقت الذي يجب على الزوج أن يحسن الظن فيه بزوجته، ينبغي عليه أن يتحفظ ويحتاط ويبتعد عن مسبِّبات الفساد، وما يؤدِّي بها إلى المخالفات الشرعية.
الثالث عشر: ألا ينشر سرها:
على الزوج أن يحفظ أسرار زوجته، وألا يُطلِع على أسرارها أحدًا، كما أن هذا الحق يجب على الزوجة كذلك، ويجب عليه أيضًا ألا يذكر عيوبها؛ لأن ذلك يؤدِّي إلى سوء العلاقة بين الزوجين.
الرابع عشر: متاع البيت:
والمقصود بـ "متاع البيت" هو ما يعده الزوج لزوجته من اللوازم التي يحتاجها البيت، من مستلزمات وأغراض المبيت.
الخامس عشر: عدم الإضرار بالزوجة:
وهذا من أصول الإسلام، وإذا كان إيقاع الضرر محرمًا على الأجانب؛ فإنه يكون محرمًا إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى.
عن عُبَادة بن الصامت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن ((لا ضرر ولا ضرار))[19]، ومن الأشياء التي نبه عليها الشارع في هذه المسألة: عدم جواز الضرب المبرِّح.
السادس عشر: النفقة، والكسوة، والسكن بالمعروف:
أيضًا من الحقوق الواجبة على الزوج: النفقة، والكسوة، والسكن بالمعروف مع زوجته، والمقصود بالنفقة: هي ما ينفقه الزوج على زوجته وأولاده؛ من الطعام، والكسوة، والسكن، وغيره، وهذه النفقة واجبة على الزوج بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول[20].
النفقة:
وهذه النفقه تجب عند ملك النكاح[21]، أما الأدلة فمن ذلك:
1- من الكتاب: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]؛ أي: لينفق على المولود والده، أو وليه، بحسب قدرته[22].
وقوله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].
قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي: وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف؛ أي: بما جَرَت به عادة أمثالهن، من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره وتوسطه وإقتاره". اهـ
2- ومن السنة:
حديث جابر في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا الله في النساء؛ فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))[23].
3- من الإجماع:
اتفق أهل العلم على وجوب نفقة الزوجة على زوجها[24].
4- من المعقول:
فبما أن المرأة محبوسة على الزوج، يمنعها من التصرف والاكتساب لتفرغها لحقه؛ فكان عليه أن ينفق عليها [25].
الكسوة:
تجب الكسوة للزوجة على زوجها إذا مكَّنته من نفسها على الوجه الواجب عليها؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].
وهذه الكسوة تجب على الزوج كالنفقة باستمرار، وأجمع أهل العلم على أنه يجب أن تكون الكسوة كافية للمرأة، وهذا يختلف باختلاف الأحوال، كاختلاف طولها وقصرها، وسمنها وهزلها، وذلك أيضًا باختلاف البلاد التي تعيش فيها الزوجة [26].
السكنى:
والسكنى واجبة للزوجة على زوجها باتفاق أهل العلم؛ وذلك لأن الله - تعالى - جعل للمطلَّقة الرجعية السكنى على زوجها، فوجوب السكنى للتي هي صلب النكاح أولى في ذلك؛ ولأن الله أوجب المعاشرة بالمعروف بين الأزواج، ومن المعروف المأمور به أن يسكنها في مسكن تأمن فيه على نفسها ومالها، وكما أن الزوجة لا يمكنها أن تستغني عن هذا السكن من أجل أن تستتر عن عيون الناس وحفظ المتاع، والاستمتاع وغير ذلك، لهذا كانت السكنى حقًّا للزوجة على الزوج[27].
وفي الحديث عن المسكن، يجب أن يكون هذا المسكن مسكنًا شرعيًّا، وأن يكون سكنًا معتبرًا، ومن سَعَة الزوج، ويقدر بقدر المنفعة، وهذا ما ذهب إليه الجمهور.
والأصل إن كان للزوج أكثر من زوجة، أن يكون لكل منهن بيت، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ [الأحزاب: 53].
وهذا يعني أنها بيوت، وليست بيتًا واحدًا، أما إذا رَضِيَتا جاز له ذلك؛ لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه[28]، وإن جمعهما في بيت واستطاع؛ فذلك يكون أفضل حتى يجمع بين أولاده، فيكون في ذلك خير، والله أعلم.
في الختام:
أقول: إن هذه العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تقوم على أساس التفاهم والتعاطف والفهم، إن الفهم هو أساس هذه العلاقة الزوجية، وبدون الفهم لا يمكن أن تسير تلك العلاقة على ما يرمي إليه الشرع من ذلك الزواج؛ ولأن مشاعرهم تختلف عن بعضهم البعض، وكذلك اتجاهاتهم، ولكنهم فيما يتذكرون الله الذي خلق لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودع في نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعل في تلك الصلة سكنًا للنفس، والعصب، وراحة وهدوءًا للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح، ومن أجل الطمأنينة للرجل والمرأة.
ولنتفكَّر في تعبير القرآن في قول الله: ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ [الروم: 21]، وقوله: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]؛ فهذا التعبير الرقيق يصور هذه العلاقة، وكأنما يلتقط صورة من أعماق القلب والحس.
وما أجمل تلك الآيات: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وكأن الله خص أهل الفهم الصحيح السليم في ذلك، حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين ليوافق كل زوج زوجه الآخر، من أجل تلبية الحاجات الفطرية؛ من نفسية، وعقلية، وجسدية، وبهذا يكون السكن، والاكتفاء، والمودة، والرحمة، من أجل إنشاء حياة جديدة، تتجسد واقعًا في أجيال جديدة، ووالله لن ينشأ هذا المجتمع المسلم الذي أراده الإسلام لعمارة هذه الأرض إلا من خلال تطبيق هذا واقعًا في حياة المسلمين.