منال لاشين تكتب: نيران صديقة تضرب فى عظم مصر
■ الصناعة عظم مصر تتعرض لحملات ممنهجة من الدولة والإخوان معا
■ من المثير أن المنتجات المستوردة لا تتعرض لأى حملات تشويه
■ هاينز كادت أن تذهب للتحكيم الدولى وفرجللو دعا المواطنين إلى الذهاب للمصنع بعد تعرضه لحملة شائعات وفزع بعد اتهام «البورصة» بالأخونة
أعترف بأن درجة ثقتى منخفضة فى نسبة من كبار رجال الأعمال، يزايدون فى أرباحهم، ويتطلعون إلى الحصول على كل شىء مجانا أو بأقل سعر، أراض لبناء المصانع.. غاز.. كهرباء، مياه، بعضهم يتهرب من الضرائب أو يتلاعب فى تقديم أرباحه.
وكان العصر الذهبى لهم هو عصر مبارك وتحديدا الـ15 سنة الأخيرة فى حكم مبارك. حيث كانت التسهيلات لرجال الأعمال على قدم وساق بما فى ذلك الإعفاء الضريبى الذى تمتع به رجال الأعمال والمستثمرون لأكثر من عشرين عاما.
كل ذلك صحيح وأكثر، ولكن فى تلك الفترة حققت الصناعة الوطنية قفزة مهمة فى الجودة والتنوع وعبرت الحدود لتخترق أسواقا كبيرة وأجنبية وتنافس منتجات دول كبيرة وراسخة.
ربما لا تنطبق هذه القاعدة على كل الصناعات المصرية، لكنها بالتأكيد تشمل معظم الصناعات المصرية. وقبل ثورة 25 يناير كان معدل التصدير فى تصاعد. ولذلك تجب التفرقة بين موقفنا من رجال الأعمال أو معظم رجال الأعمال من ناحية والصناعة الوطنية من ناحية أخرى.
وما يحدث فى مصر الآن ضرب للصناعة الوطنية بشكل مؤسسى، نيران صديقة تضرب الاقتصاد خاصة فى الصناعة. هذه النيران يلتقى فيها إخوان ومسئولون بالدولة ومواطنون بحسن نية. ربما عن غيظ من ارتفاع الأسعار الجنونى، وربما عن عدم ثقة فى أهل البيزنس، وربما وربما. ولكن النتيجة واحدة نيران صديقة تؤثر على الصناعة من صناعة العصير والصلصة إلى صناعة المطاعم إلى صناعة الصحافة.
فى كل مجال من هذه المجالات يكفى أن تضرب نموذجا أو اثنين من الكبار لكى يتحقق الهدف. لو تصورت أن الخاسر هو الصناعة الوطنية فأنت واهم. القضية الأهم والأخطر والخاسر الأكبر هو أنت. لأن الصناعة الوطنية هى الحل والإجابة والمفتاح. إذا تطورت الصناعة وحققنا الاكتفاء الذاتى فسوف نوفر مليارات الدولارات، وإذا تفوقت الصناعة وصدرت منتجات فقد كسبنا مليارات أخرى من الدولارات. وبذلك سينخفض سعر الدولار ومن ثم تنخفض أسعار السلع.
1- اختيار خبيث
أتابع بدقة ظاهرة تشويه المنتجات المصرية. الملاحظة الأولى والخطيرة: إنه لا توجد حملات تشويه أو شائعات عن المنتجات المستوردة. دائما ودوما الحملات تخص صناعات مصرية حتى لو كانت العلامة الأجنبية فهى تخص مصانع مصرية. الملاحظة الثانية: إن معظم المنتجات التى تعرضت للحملات هى منتجات يتم تصديرها. وتخص فى الغالب أكبر الشركات والمصانع والأسماء فى مصر.
الملاحظة الثالثة: إن الخيط الأول أو المصدر الأول للشائعات مجهول. تبدأ القصة ببوست مجهول على الفيس أو إحدى وسائل التواصل الاجتماعى. صورة من أى مصنع. صور مقززة، وتصيبك بالغثيان، وزيادة فى الحبكة أو المؤامرة ستجد رابطا، وإذا فتحت الرابط لن تجد لا مستنداً ولا أى إثبات أن هذه الصور للمصنع الذى ذكره البوست. بعد انتشار البوستات يتطوع محام إما عن حسن نية أو رغبة فى الشهرة، ويتقدم ببلاغ ضد المنتج. وكلما زادت الحملة كلما تسرعت الحكومة المرتعشة والضعيفة فى اتخاذ إجراءات مشددة. القبض على مدير المصنع أو المسئول عن الشركة. وفى الغالب تتخذ الإجراءات قبل إثبات أن المنتج بالفعل فاسد.
فى حالة (هاينز) حدثت إضافة خطيرة. وهى عرض فيديو فى برنامج تليفزيونى على إحدى الفضائيات. وزعم البرنامج أن الفيديو من داخل مصنع هاينز.
وهاينز شركة عالمية لها 190 مصنعا حول العالم. ولذلك سارع كبار المسئولين بها بالمجىء لمصر. وذلك لمعرفة ماذا يحدث للشركة. ما لم يعرفه الكثيرون أن هذه الأخبار أثرت على سمعة كل مصانع الشركة. ولأن الشركة كانت على ثقة من إجراءات الرقابة بها. فقد هددت بأن ترفع ضد الحكومة المصرية دعوى تحكيم دولى للإساءة لسمعتها. بجانب التهديد ظل كبار مسئولى الشركة يسألون كل مسئول قابلوه فى مصر، سؤالاً ممزوجاً بالدهشة (هو حصل إيه. احنا غلطنا فى إيه بالضبط؟)
وأخيرا بعد أكثر من أسبوعين أكدت هيئة الرقابة الصناعية أن منتجات هاينز مطابقة للمواصفات القياسية خاصة مواصفات السلامة والأمن الصحى.
خلال أزمة هاينز ظهرت حملة تشهير محدودة بإحدى أكبر شركات المياه الغازية فى مصر. الحملة التى لم يكتب لها النجاح لحسن الحظ (جابت من الآخر) وزعمت أن الشركة اعترفت بوجود مادة سامة فى منتجاتها. وأن هذه المادة دخلت للمنتج على سبيل الخطأ. ومع الخبر أو بالأحرى الشائعة رابط. تفتح الرابط فلا تجد شيئا.
قبل هاينز تعرضت شركات ومصانع فرج عامر (فرجللو) لحملة تشويه بشعة. هذه الحملة جاءت بعد أن حققت المنتجات مستوى رفيعا فى مجال التصدير. وبعد أن أعلنت الشركة عن وصولها لمعدل تصدير مليار علبة عصير. فى حالة (فرجللو) عرضت الشركة على المواطنين أن يقوموا بزيارة الشركة للتأكد من سلامة وجودة المصانع. بشكل شبه دورى تتعرض شركة جهينة لمثل هذه الحملات، جهينة تصدر منتجاتها للخارج. وبنفس الطريقة تتعرض معظم سلاسل المطاعم للحملات.
ومنذ أسبوع شاركت الدولة فى ضرب أحد الاستثمارات فى صناعة الصحافة. فقد اتهمت لجنة مصادرة أموال الإخوان فجأة مصطفى صقر رئيس مجلس إدارة الشركة التى تصدر جريدتى البورصة وديلى نيوز بالأخونة وتم وضع أموال الشركة قيد التحفظ. فجأة يجد الرجل والمؤسسة نفسهما متهمين دون أن تكلف اللجنة نفسها عناء إبلاغهما بالأسباب التى بنى عليها القرار. والنتيجة شائعات بأن المطلوب القضاء على الشركة. والكارثة أن الجريدتين تقومان بالترويج للاستثمار لمصر وللمشروعات القومية، كما أن المؤسسة المتهمة بالأخونة تصدر طبعات باللغة الإنجليزية للترويج للاقتصاد المصرى.
2- حلول ذكية
نحن أمام ظواهر تهدد الاقتصاد سواء من خلال الصناعة أو الاستثمار. ظواهر تتطلب حلولا سريعة وذكية للتغلب على حملة إخوانية خبيثة جدا. هذه الحملة تجد عونا من المواطنين الذين ينشرون مثل هذه الشائعات.
وبالمثل فإن تدخل الحكومة يساهم فى إصابة الاقتصاد بدلا من أن يحمى الاقتصاد. فإجراءات التأكد والرقابة والفحص على السلع والمنتجات محل الشكاوى تتأخر كثيرا. وإجراءات الرد على هذه الشائعات تسير بسرعة السلحفاة. مثلا فى حالة (هاينز) الإجراءات استغرقت أكثر من أسبوعين وهى مدة طويلة ومدمرة لأى صناعة. وسلاح البلاغات فى مصر يستخدم دون ترشيد أو تروٍ.
ولذلك نحن نحتاج إلى تدخل تشريعى سريع وحاسم. هذا التدخل يتطلب سرعة تعديل قانون حماية المستهلك. وقصر حق تقديم البلاغات على جهاز حماية المستهلك أو جمعيات حماية المستهلك. وهو نظام معمول به فى بعض الدول. لأن كلا من الجهاز والجمعيات لديهما خبرة فى هذا المجال. ويدركان وسائل وتقاليد حماية المستهلك.
التعديل الآخر يتصل بتحديد مدة قانونية لانتهاء الفحص فى المنتجات محل الشكاوى أو البلاغات. بحيث لا تترك هذه المدد إلى أهواء شخصية أو وظيفية. ولا يتطلب الأمر فى كل بلاغ أو شكوى تدخل الوزير للإسراع فى الإعلان عن النتائج.
الحل التشريعى الثالث هو الإسراع فى إقرار قانون هيئة الرقابة على الغذاء فى مصر. فبدون هذا القانون تقع الصناعة تحت سيطرة أو خناقة عشرات الجهات. وبالمناسبة هذا القانون وصل إلى مجلس النواب.
أما عن حالة الاتهام بالأخونة والتى أصابت مصطفى صقر ومؤسسته، فإن هذه الحالة أصابت الكثير بالذعر. فمن غير المقبول أن تتهم لجنة الأخونة فجأة مواطنا أو مستثمرا بالأخونة ويتم التحفظ على أمواله، وذلك دون أن تكلف اللجنة نفسها إثبات صحة انتمائه للإخوان وتقديم الأدلة التى استندت إليها فى هذا الاتهام الخطير. ولذلك أطالب بتعديل تشريعى يلزم اللجنة بإظهار الأدلة التى استندت عليها فى اللجنة فى اتهام مصطفى صقر أو غيره بالأخونة. فالتحفظ على أموال الشركات يمكن أن يدمر الشركة وسمعة الشركات ليست لعبة.
مرة ثانية وثالثة وعاشرة يجب أن نضع قواعد صارمة وحاسمة تحمى المواطن والمستهلك دون أن تظلم الشركات. إذا أخطأت شركة أو مصنع تحاسب فورا. ولكن لا تسمحوا لأعداء مصر أن يذبحوا شركاتنا أو اقتصادنا. فكروا ألف مرة قبل أن تنشروا خبرا أو بالأحرى شائعة لم تتأكدوا منها. لمصلحتنا جميعا. صناعة واستثمارا واقتصادا.