من الحضانة إلى الثانوية.. خصوصيات المراحل التعليمية التي يمر بها التلميذ
للمراحل المدرسية التي يمر بها التلاميذ أهمية كبير، حيث لكل واحدة منها تحدياتها ومعاييرها في النجاح، فهي مراحل متصلة ببعضها البعض، تتدرج المواد فيها من البسيط إلى الوسط ثم إلى الصعب، ولا سيما المواد العلمية مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء، إضافة الى قواعد اللغة.
والتلميذ الذي لم يعانِ ثغرات تعلّمية، فإنه ينتقل بين المراحل الدراسية بسهولة، ونادرًا ما يواجه صعوبات، فيما التلميذ الذي لم يساعده أحد في سد الثغرات، فإن تراكمها سيسبب له صعوبة، ويصبح مقصرًا في المادة وبالتالي يتراجع أداؤه الأكاديمي.
وفي المقابل، يسبّب الانتقال من مرحلة دراسية إلى أخرى قلقًا للأهل والتلميذ على حد سواء، بل ربما يكون منسوب القلق عند الأهل أعلى مما هو عند التلميذ. فكيف يمكنهم تسهيل هذه المرحلة الانتقالية على ابنهم!.
أولًا.. من الحضانة إلى المرحلة الابتدائية:
انتهى وقت التساهل والمرح في الحضانة وتغيّرت الأمور بالنسبة الى الطفل الذي سوف يجد نفسه أمام تحديات جديدة غالبًا ما يغالي الأهل في أهميتها. ويظن بعضهم أنه إذا أخفق طفلهم في أمر بسيط، فإن أداءه المدرسي مهدّد بالفشل. ومن المؤكد أن الطفل يشعر بقلقهم هذا، فالانتقال إلى المرحلة الابتدائية ليس مسألة سهلة، إذ من المعروف أنها بداية تغيّرات سوف يواجهها الطفل، فهي المرحلة التي عليه فيها تعلّم القراءة والكتابة.
فمن المعلوم أن مرحلة الحضانة تختلف عن المرحلة الابتدائية. إذ إن المطلوب من الطفل الجلوس على مقعده برصانة والتركيز لساعات طويلة، كما لم يعد لديه الحق في أن يدور في الصف لينشّط حركة رجليه كما كان مسموحًا له في العام المنصرم.
فهو عندما يريد الذهاب إلى الحمام مثلاً، عليه الانتظار ساعة الفسحة، ولن يرافقه أحد إلى الحمام ليساعده في فك أزرار سرواله.
وفي المقابل، يحار الأهل في طريقة تعليم طفلهم ويحاولون بشتى الوسائل من أجل أن يبدأ هذه المرحلة بنجاح. وكي يساعدوه على تجاوز صعوبات هذه المرحلة، يمكنهم اتباع الإرشادات الآتية:
طمأنة الطفل وتشجيعه والتأكيد له أنه سوف ينجح. فالطفل يتعجل في تعلم القراءة والكتابة والعدّ، لذا من المهم جدًا أن يعزّز الأهل ثقة الطفل بنفسه وعدم إظهار توترهم.
حضور اجتماعات الأهل التي تعقدها إدارة المدرسة مع بداية العام الدراسي. فهذا الأمر يظهر للطفل مدى جدّية اهتمام الأهل بدخوله المدرسة.
مساعدته من أجل الاستقلال الذاتي والاتكال على نفسه. كأن يغتسل دون مساعدة أحد ويرتب غرفته. فهكذا يتعلم أن يأخذ على عاتقه تحمل أعباء المدرسة.
الاهتمام بما ينجزه والاطلاع على دفاتره وتهنئته عندما يتلقى تقديرًا من المعلمة، وتوقيع الأوراق المدرسية التي يُطلب منه توقيعها، ففي هذه السن يعمل الطفل جاهدًا كي يسعد والديه، ويخجل من الشعور بأنه "خارج عن المألوف".
عدم تمديد فترة القراءة عند حلول المساء، فيوم الطفل كان طويلاً ومتعبًا، ويجب تفادي اعتماد أسلوب جديد في القراءة، كإرغامه مثلاً على التهجئة إذا لم يكن مستعدًا لذلك بعد. فهذا الأمر يربكه.
منحه وقتًا للاستجمام كالسماح له بممارسة الرياضة كي يطلق مكبوتاته، شرط عدم الإكثار من النشاطات خارج إطار المدرسة. فالطفل في حاجة إلى الراحة، وإلى وقت الفراغ الذي يشعره بالحرية.
ثانيًا.. من الابتدائي إلى المتوسط:
يتطلّع الأهل والتلميذ إلى الانتقال إلى المرحلة الدراسية المتوسطة بفارغ الصبر، فهي خطوة كبيرة تتطلب الاستعداد النفسي والأكاديمي للتكيّف مع متطلباتها، إذ يدرك الأهل والتلميذ الاختلاف بين المرحلتين الابتدائية والمتوسّطة، وفي بعض الأحيان يعيشون هذا الحدث كما لو أنه انتقال إلى مدرسة جديدة.
فالاختلاف الذي ينتظر التلميذ لا يقتصر على الصعيد النفسي، بل يشمل مواد مدرسية جديدة لا تخلو من صعوبة تقتضي فروضًا مدرسية إضافية في المنزل، والتعامل مع أساتذة جدد، وارتياد مبنى مدرسي جديد، هذا فضلاً عن زملاء وربما أصدقاء جدد.
كل هذا يشكّل قلقًا عند التلميذ، فتختلط عليه المشاعر، وتتفاوت بين الشعور بالحماسة لدخول مرحلة مختلفة، والقلق من المسؤوليات الجديدة التي تُلقى على عاتقه.
إضافة إلى هذا، يتأثر التلامذة بخبرات من سبقهم إلى هذه المرحلة وما سمعوه عنها، فمثلاً عندما يكون للتلميذ أخ سبقه إلى المرحلة المتوسطة وواجه صعوبة، قد يعاني قلقًا من هذه المرحلة، خصوصًا إذا أبدى الأهل تشدّدًا في ضرورة أن يدرس بشكل مكثّف لأنها مرحلة دقيقة، ويذكّرونه بذلك في كل مرّة يريد فيها مثلاً أن يقوم ببعض النشاطات التي اعتاد عليها سابقًا.
فأحيانًا كثيرة يردد الأهل على مسمع التلميذ "أنت في مرحلة دقيقة ولا يمكنك التهاون فيها، ذهب وقت اللعب وبدأ مشوار الجد"، فهذه العبارة توتر التلميذ، وتزيد قلقه، وقد تعيق تقدّمه العلمي.
خلال مرحلة الانتقال من الابتدائي إلى المتوسط:
يتغيّر معطى مهم عند التلميذ، ففي المرحلة الابتدائية وكما كل الأطفال، كان التلميذ يخضع لرغبة أهله، وأساتذته فينّفذ كل ما يُطلب منه، أما مع بداية المرحلة المتوسطة، فيميل إلى المطالبة بتحمّل مسؤولية القيام بواجباته وحده، وهذا طبيعي جدًا.
ولكن هذه الحرية لا تمنح، بل تكتسب، ومن دون ذلك ليس لها قيمة. فمن الضروري الأخذ في الاعتبار وجهة نظره، ومنحه حرية التصرّف، ولكن في الوقت نفسه من الضروري أن يستمر الأهل في الاهتمام بواجباته المدرسية وتجنب القول له: «واجباتك المدرسية مسؤوليتك وحدك من الآن فصاعدًا». فهذه العبارة تجعله يشعر بالإهمال، إذ ليس سهلاً أن نجعل التلميذ مسؤولاً عن كل ما يقوم به دفعة واحدة، خصوصًا من اعتاد على المتابعة المكثفة من أهله.
وهذه نصائح للأهل الذين يستعد أبناؤهم للانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة:
- لقاء المدرّسين في بداية العام الدراسي للتنسيق معهم ودعم التلميذ خلال المرحلة الأولى من الفصل الدراسي.
مشاركة الأهل الأبناء في التخطيط للدخول إلى هذه المرحلة والتفاعل معهم، لأن التأثر بالأتراب أقوى في هذه المرحلة، لذا فإرشاد الأهل ضروري.
- التركيز على ما هو مشترك بين المرحلتين السابقة والمقبلة، كالرفاق القدامى الذين انتقلوا مع التلميذ إلى المرحلة نفسها، والمواد الرئيسة والنشاطات اللامنهجية، وذلك للتخفيف من الضغط الذي يسببه الانتقال إلى مرحلة جديدة.
- التركيز على قدرات التلميذ لتمكينه من التكيّف ومواجهة تحديات المرحلة الجديدة، مما يؤدي إلى تخطّيها بنجاح.
- تشجيع التلميذ على استخدام معارف ومهارات جديدة والتأكيد له أن انتقاله إلى هذه المرحلة مؤشر لنجاحه ونضجه الفكري.
- الاستفادة من الخبرات السابقة السلبية والإيجابية معًا، وذلك بإرشاده إلى تجنب السلبي والبناء على الإيجابي، والتأكيد للتلميذ أن الإخفاق السابق نتعلّم منه دروسًا، أما الإنجازات فنبني عليها للقيام بإنجازات جديدة على الصعيدين الأكاديمي والشخصي.
- تقسيم المهمات الكبرى إلى مهمات صغرى، لحلّ الصعوبات التي قد تنجم عنها.
- على الأهل الاستماع الى أبنائهم وتجنّب نقدهم أو توجيه اللوم اليهم، بل عليهم إرشادهم ومحاولة مساعدتهم، فالأبناء في هذه السن يسعون إلى الاستقلال عن ذويهم.
ثالثًا.. من المتوسط إلى الثانوي -خطوة نحو المستقبل الغامض-:
عندما ينتهي التلميذ من المرحلة المدرسية المتوسّطة وينتقل إلى المرحلة الثانوية، يواجه تحديًا من نوع آخر، فهو يدخل المرحلة التي يؤثر النجاح فيها أو الرسوب في دراسته الجامعية، وبالتالي مستقبله العملي.
فالانتقال إلى المرحلة الثانوية يعني بلوغ مرحلة من مراحل تكوّن شخصية المراهق، تتخذ خلالها تنشئة المراهق الاجتماعية منحى جديدًا وحاسمًا، يتبلور في تحوّل الأدوار الاجتماعية لديه.
فهذه المرحلة هي الأكثر صعوبة بالنسبة إلى المراهق، لأن عليه خلالها التركيز على قدراته الفكرية، مما يُحدث تناقضًا بين التغيرات الجذرية في جسده، وعلاقاته مع الآخرين، وبحثه عن هويته المقبلة، وضرورة بذل جهد كبير للحفاظ على مستوى معيّن من العلم كي يتمكن من التوجّه إلى المهنة التي يريدها في المستقبل.
فالتغيرات البيولوجية التي تصاحبها تغيرات ذهنية تجعل المراهق يشعر بالقلق والتوتر، وهذا طبيعي، فقد بدأت علامات النضج تظهر عليه، وبات ينظر إلى العالم من حوله بشكل مختلف، فهو لم يعد ذلك الطفل الصغير الذي عليه النوم باكرًا، أو يكتفي بعلاقاته مع والديه والعائلة أو الأقران الذين يكونون في غالب الأحيان مقبولين إلى حد كبير من الأهل، أو هم الذين حدّدوا له صداقته بهم.
لقد بدأ هذا المراهق بالتعرّف إلى معنى الصداقة بعيدًا عن مقاييس الأهل، وبدأ يسأل عن معنى الوجود ويحاول تحديد هويته ويسعى للاستقلال، كما أصبح المظهر أمرًا خاصًا به يعكس شخصيته هو، فيحاول بشتى الوسائل الإعلان عن وجوده ككيان مستقل. يخرج من دون أن يطلب الإذن، وتتحوّل غرفته إلى مساحة خاصة به يفعل فيها ما يحلو له، فإما ان يغيّر ديكورها ويرتبها، أو يترك الفوضى تعمّ فيها.
وللأهل دور في مساندة المراهق في المرحلة الثانوية، ويمكن اتباع النصائح الآتية:
- تقديم الدعم النفسي، والاجتماعي، والأكاديمي من خلال تركيز الاهتمام على نقاط القوّة لدى المراهق، واهتماماته والنشاطات التي يفضّلها.
- الاطلاع على ما ينتظره في هذه المرحلة لناحية المنهج الدراسي، والمعلمين، ونظام التعليم.
- مشاركته في وضع أهداف يسعى إلى تحقيقها تنسجم مع مسؤولياته الدراسية، وحياته الاجتماعية.
- الاستماع إلى شكواه ومشاركته في حل المشكلات التي يواجهها.
- تشجيعه على القيام بنشاطات لا منهجية "لا صفّية".
- المحافظة على التواصل معه، ومواكبته في ما يحتاجه، وتقديم الدعم والمساعدة عند الحاجة.
- مساعدته في الاتصال بمن مرّوا بهذه المرحلة، والتحدّث عن خبرتهم.
- تقديم الدعم الدراسي في حال تعثّره في مرحلة مبكرة. فمثلاً إذا واجه صعوبة في فهم مادة معينة، يمكن تعيين أستاذ خصوصي يساعده في فهمها.
- التنسيق مع إدارة المدرسة والمعلّمين للاطلاع على ما هو متوقّع منه في هذه المرحلة، ومشاركته في وضع خطة للدرس.
- التعامل معه كراشد، وإظهار أنهم يدركون التحوّل الذي يحصل له.
- التخفيف من المواقف السلطوية، والسماح له بالتعبير عن آرائه.
- عدم الاستهزاء بأحلامه أو أمنياته، خصوصًا في ما يتعلّق بدراسته الجامعية أو مهنته المستقبلية.
- ألاّ يبالغوا في لوم ابنهم اذا فشل، وألا يحاولوا الحط من خياراته، أو يستغلوا الأمر وكأنه نقطة ضعف، بل عليهم مساعدته على تخطي الفشل، فالهدف هو بناء شخصية المراهق لا هدمها.
النشاطات اللاصفية ضرورية في كل المراحل:
يشدّد التربويون، واختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق، على أهمية النشاطات اللاصفية للتلميذ بغضّ النظر عن المرحلة الدراسية التي هو فيها. فجميع التلامذة في حاجة إلى متنفس يفرّغون من خلاله مكبوتاتهم، وتوترهم الذي قد يسببه الواجب الأكاديمي. لذا فعلى الأهل ألا يمنعوا ابنهم من ممارسة نشاط لا صفي، سواء كان رياضيًا أو فنيًا، ولا سيما إذا كان في سن المراهقة. فبعض الأهل يستبعدون النشاطات اللاصفية بحجة أن ابنهم في مرحلة تتطلب منه بذل جهد أكاديمي أكثر كي ينجح، في حين يؤكد الاختصاصيون أن ممارسة التلميذ نشاطًا رياضيًا أو فنيًا تساهم في تخفيف التوتر الذي يعيشه. فمن المعلوم أن هذا النوع من النشاطات يحفز على إفراز هورمونَي السيروتونين والأندورفين المسؤولَين عن شعور الإنسان بالسعادة والاسترخاء.
فهورمون السيروتونين يسمّى في بعض الأحيان هورمون السعادة، فهو يُعدِّل المزاج ويمنع الاكتئاب ويمنح الشخص احساسًا بالسعادة، ويمكن أن يحصل عليه الجسم من طريق التعرض لضوء الشمس، أو تناول الأطعمة الغنيّة بالكربوهيدرات او ممارسة التمارين الرياضية، فيما هورمون الأندورفين يمنح احساسًا جيدًا ويقلل الشعور بالقلق والألم، ويمكن الشخص تحفيز هذا الهرمون من طريق التمارين الرياضية.