مى سمير تكتب: الاعترافات الأخيرة لـ«صدام حسين»

مقالات الرأي



■ الرئيس العراقى انعزل عن الحكم فى سنواته الأخيرة.. وانشغل بكتابة الروايات

■ دخل فى نوبة بكاء عند الحديث عن بناته.. واعترف بأن له ابنا سريا اسمه «على»


فى 29 ديسمبر القادم يصدر كتاب «استخلاص المعلومات من الرئيس: التحقيق مع صدام حسين» عن دار نشر «ترانس وورلد ديجيتال» لضابط المخابرات الأمريكى السابق «جون نيكسون»، والذى يرصد تفاصيل جديدة عن عملية مطاردة الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، وإلقاء القبض عليه، ومحاكمته بعد الغزو الأمريكى للعراق.

انفردت جريدة «نيويورك دايلى نيوز» الأمريكية بعرض أجزاء من الكتاب، الذى يعرض قصصاً مثيرة أثناء الغزو الأمريكى للعراق، وحينها كان «جون نيكسون» يشغل منصب محلل للمعلومات فى المخابرات المركزية الأمريكية، حيث قضى العديد من السنوات فى دراسة وتحليل المعلومات المتعلقة بصدام حسين.

المطاردة والقبض على صدام

بعد عملية مطاردة وصفها الكتاب بأنها أكبر وأخطر مطاردة شهدها التاريخ، نجح الجيش الأمريكى فى إلقاء القبض على صدام حسين فى منطقة بالقرب من مسقط رأسه فى تكريت، ولكن بسبب الشائعات المتعلقة بأن هناك مجموعة من الرجال المطابقين فى الشكل لصدام حسين، والتحذيرات غير الصحيحة بشأن قرب إلقاء القبض عليه طوال تسعة شهور من المطاردات، كان الرئيس الأمريكى يحتاج لدليل حاسم يؤكد أن الشخص الذى ألقى القبض عليه فى «حفرة تحت الأرض» هو بالفعل الرئيس العراقى وذلك قبل أن يخرج ويعلن للعالم نجاح أمريكا فى العثور على صدام حسين.

فى تلك الأثناء تم استدعاء «نيكسون» من أجل المساعدة فى التأكد من هوية صدام حسين، فطرح «نيكسون» أسئلة لا يستطيع الإجابة عنها سوى صدام حسين.

وبحسب «نيكسون» الذى كان أحد القلائل الذين تمكنوا من استجواب صدام حسين، فإن هذه التحقيقات أكدت أن أمريكا أخطأت فى فهم حقيقة الرئيس العراقى.

وباعتباره أول من قام باستجواب صدام حسين، يقدم «نيكسون» فى كتابه نظرة ثاقبة عن مرحلة مهمة من تاريخ الشرق الأوسط، ويكشف تفاصيل جديدة عن كيفية تفكير الرجل الذى تعتبره أمريكا واحداً من أهم أعدائها على مدار التاريخ.

فى مقدمة كتابه يؤكد «نيكسون» أنه يحاول إلقاء الضوء على الكثير من الأفكار الخاطئة التى تسيطر فى كثير من الأحيان على صناع القرار السياسى فى واشنطن، مؤكداً أن صدام حسين لم يكن قريباً من الصورة التى رسمتها واشنطن له، ويضيف: إن كتابه ليس اعتذاراً عما حدث ولكنه محاولة لتصحيح الصورة.

وشم صدام

بعد القبض على صدام حسين، اعتمدت الإدارة الأمريكية على «نيكسون» من أجل استجواب الرئيس العراقى والتأكد من شخصيته، ليكن هو أول محقق يواجه الديكتاتور المزعوم بأسئلة صعبة.

كان نيكسون ضابط المخابرات فى موقف لا يقل صعوبة عن موقف صدام حسين، بعد أحداث 11 سبتمبر، دخلت أمريكا فى حرب ضد الإرهاب وبدأت فى مطاردة صدام حسين الذى تم اتهامه من قبل أمريكا بامتلاك أسلحة دمار شامل ودعم التنظيمات الإرهابية.

كان الهدف الرئيسى من عملية الاستجواب الأولى التى قادها «نيكسون» هو التأكد من شخصية صدام، فاعتمد نيكسون على مجموعة من العلامات الجسدية للتأكد من شخصية صدام، العلامة الأولى عبارة عن أثر لجرح قديم، وعلامة لإصابة قديمة برصاصة ، وأخيراً اثنين من رسومات الوشم القديمة الخاصة بقبيلته.

أسئلة وإجابات

وإلى جانب تلك العلامات الجسدية، كان «نيكسون» يدرك أن هناك مجموعة من الأسئلة التى لا يمكن لشخص آخر غير صدام الإجابة عنها.

أول سؤال تم طرحه على صدام حسين، «متى كانت آخر مرة التقى فيها بأبنائه؟» وكان رد صدام يتناسب مع شخصيته الشهيرة، حيث قال « من أنتم؟»، ثم أضاف، «هل أنتم مخابرات عسكرية؟» قبل أن يطلب من «نيكسون» أن يعرف نفسه.

بعد إبلاغ صدام حسين أن نيكسون هو من سيقوم باستجوابه، هدأ الرئيس العراقى الذى أصر على تقديم شكوى بشأن بعض الإصابات والجروح التى لحقت به أثناء عملية إلقاء القبض عليه.

طوال أيام الاستجواب الذى استمر لفترات طويلة، كان صدام ثرثاراً ومراوغاً، على حد وصف الكتاب، وعندما تعرضت الأسئلة لقضايا الفساد فى حكمه كان صدام يتحول إلى شخصية ديكتاتورية.

رفض صدام حسين الإجابة عن سؤال متعلق بـ»سحب الغاز المميت» التى أطلقت على بلدة «حلبجة» الكردية أثناء الحرب الإيرانية العراقية فى عام 1988، وهى العملية التى تؤكد أن صدام كان فى مرحلة ما من حكمه يمتلك أسلحة دمار شامل.

وكتب «نيكسون» أن صدام صرخ فى وجهه وهو يرفض الإجابة عن هذا السؤال، وكان رفضه مخيفاً لحد كبير، على الرغم من أنه كان مقيداً بالأغلال الحديدية.

تم منع «نيكسون» من طرح أسئلة متعلقة بالإرهاب، فقد كانت المباحث الفيدرالية تستعد لبناء قضية جنائية ضد صدام حسين بعد أخذه لسجن تابع لهم فى بداية عام 2004.

بحسب عرض جريدة «نيويورك دايلى نيوز»، فإن صدام حسين لم يكن على اتصال بالواقع العسكرى للعراق فى سنوات حكمه الأخير، وأكد نيكسون أن صدام كان مشغولاً بكتابة الروايات، ولم يكن يتولى إدارة الحكومة العراقية. وفى عبارة أخرى، وبحسب الكتاب، لم يكن هذا الرجل المجنون كما وصفته واشنطن يستعد للهجوم على الدول المجاورة له أو شن أى هجوم على أمريكا أو على أوروبا.

وكتب «نيكسون» إن صدام كان جاهلاً بما يحدث داخل العراق، تماماً مثل أعدائه الأمريكان والبريطانيين، قائلاً: إنه لم يكن على علم بما تفعله حكومته، ولم يكن لديه خطة حقيقية من أجل التحضير للدفاع عن العراق.

أثناء هذا الاستجواب أشار صدام حسين إلى أن عدم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، جعله يعتقد بعدم إمكانية شن هجوم من أى دولة عدو.

كما أصر صدام حسين على أنه لم يخطط على الإطلاق من أجل محاولة اغتيال الرئيس الأمريكى «بوش الأب» فى أعقاب حرب الخليج، مضيفاً إنه توقف عن التفكير فى بوش الأب بمجرد خروجه من البيت الأبيض بعد هزيمته فى انتخابات الرئاسة الأمريكية وفوز بيل كلينتون.

أثناء عملية الاستجواب، كانت أصوات الانفجارات تثير فرح صدام الذى كان يعتقد أن قوات التحالف تواجه أوقاتاً عصيبة فى إحكام سيطرتها على العراق، وقال صدام لضابط المخابرات الأمريكية إن أمريكا سوف تفشل، قائلاً: «سوف تكتشفون أنه من الصعب حكم العراق».

شئون عائلية

تطرق هذا الاستجواب لبعض القضايا المتعلقة بعائلة صدام حسين، ولكن الرئيس العراقى لم يكن يفضل التطرق لمثل هذه الشئون العائلية، فكانت سجدة زوجة صدام الأولى ابنة رجل سياسى ساعد «صدام» فى صعوده لرأس السلطة العراقية، ولكن أسفر زواج صدام من زوجته الثانية سميرة شهبندر عن خلافات عائلية كبيرة لعب بطولتها ابنه عدى الذى كان قريباً للغاية من والدته «سجدة» إلى درجة قيامه بقتل خادم والده المسئول عن جلب النساء لفراش الرئيس العراقى.

وبحسب الكتاب، فإن صدام رفض الحديث عن عائلته، ولكنه اعترف أن «عدي» كان يشكل مشكلة له، وكتب نيكسون أن «عدي» كان ينظر إليه باعتباره مريضاً نفسياً، وكان من وجهة نظر أبيه مشكلة تحتاج لمن يجيد التعامل معها.

المثير أن «نيكسون» سأل صدام عن حقيقة الشائعة المتعلقة بإنجابه من زوجته الثانية سميرة لطفل اسمه على، وقد رد صدام على هذا السؤال بأنه إذا أجاب بـ«نعم» على هذا السؤال، فإن هذا قد يعنى أن الأمريكان سوف يقومون بقتله مثلما فعلوا مع عدى وقصى.

ولكن فى النهاية وبعد الضغط عليه، أجاب صدام، قائلاً: توجد حكمة فى العالم العربى تقول إن الزوجين إذا أنجبا أصبحا بالفعل زوجين، ولكنهما إذا لم ينجبا فإنهما لم يتزوجا بعد، ثم أضاف: إنه وسميرة كانا زوجين، وكانت هذه الإجابة كافية لنيكسون لكى يتأكد من أن صدام أنجب بالفعل طفلاً من سميرة.

ويكشف الكتاب عن حالة من المشاعر الجياشة اجتاحت صدام عند الحديث عن بناته رنا ورغد، حيث امتلأت عيناه بالدموع وتحشرج صوته بمجرد التطرق إليهما أثناء الاستجواب، حيث أكد افتقاده الشديد لهما، وأكد صدام لضابط المخابرات الأمريكية أن حباً كبيراً جمعه ببنتيه.

هذه الاعترافات ما هى إلا جزء صغير من الكتاب الذى سيصدر مع نهاية هذا العام، ومن المؤكد أنه سيتضمن مزيداً من التفاصيل المثيرة.