فؤاد معوض يكتب: زينب خليل محفوظ الشهيرة بـ"سامية هانم"

مقالات الرأي



المناسبة ذكرى مرور 22 عامًا على رحيلها (11 ديسمبر عام 1994) بينما لقائى الأول معها كان فى عام 1971 عندما طلب منى الراحل العظيم رجاء النقاش رئيس تحرير «الكواكب» وقتها بإجراء الحوار معها.

العثور عليها أو لقائها للدردشة معها صعب جداً.. صعب أن تجدها فى البيت.. ليس لوجودها فى الحمام وإنما دائمًا خارج البيت.. عند الكوافير.. ذهبت للخياطة.. خرجت لزيارة إحدى صديقاتها.. فى النادى للفسحة مع «قسمت» ابنة رشدى أباظة.. لم أيأس.. تركت لها «مع الشغالة» اسمى ورقم تليفونى للاتصال بى عند عودتها.. فجأة دق جرس التليفون فى مكتبى.. و..


- آلو.. مين؟!

- أنا.. س... س... سااامية جمااال «نطقها للاسم وكأنه مقدمة لقطعة موسيقية»!

- أهلاً.. أهلاً.. أنا كمان بقول التليفون بيرقص ليه..

- هاها.. هااااه..

من بعد ابتسامتها اتفقنا على موعد اللقاء..

الرابعة والنصف تمامًا بالدقيقة والثانية - حسب توقيت ساعة جامعة القاهرة - كنت عندها!..

سامية جمال أمامى جالس قبالتها فى صالون شقتها بعمارة ليبون بالزمالك.. التطلع لتقاطيع وجهها من الوهلة الأولى أعادنى لأن أتذكر شكل بنت الجيران التى كانت تسكن قبالة منزلنا فى شبرا وارتبطت معها ذات يوم بقصة حب هو الحب الأول فى حياتى.. نفس الملامح.. الخالق الناطق نسخة منها أو «توأمها» بالتحديد.. فولة وانقسمت نصفين كما يقولون.. التقاطيع المسمسمة.. القوام الفارع.. حتى فى لون البشرة الاثنتان تتمتعان بـ«السمار» الخفيف الذى هو فى لون باكو الشيكولاته غير المغلف عندما يسطع عليه ضوء القمر!.. هل تعلم - عزيزى القارئ - إن الصدفة أيضًا جمعت بينهما حتى فى الاسم بحروفه الهجائية «س.. ا.. م... ى.. ه» كنت أحلم معها أن نمتلك بيتًا وعربة أطفال نضع فى داخلها - عند الخروج - طفلينا.. ولد وبنت.. اتفقنا أنا وبنت الجيران أن نطلق على الولد اسم «عهد» والبنت «غرام».. عهد فؤاد.. وغرام فؤاد.. للأسف لم يكتمل حلم ما تمنيت فقد افترقنا «كل واحد فى طريق» بالرغم من أننى مازلت أذهب إلى شارعهم هناك «مريت على بيت الحبايب من أشتياقى» أقف متطلعاً «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل عسى أن أراها متمنيًا للماضى أن يعود لكن دون عودة!..

شدت القصة انتباه سامية جمال عن بنت الجيران شبيهتها التى رحت أحكى لها عنها بل سرحت أثناءها وتنهدت أكثر من مرة ربما كانت تسترجع فيها أحداث قصة حب عاشتها مع «حبيب العمر للأسف لم تكتمل أيضاً وهو ما جعلها تواسينى أو تواسى روحها معى بكلمة واحدة لم تزد من بعدها بكلام آخر قائلة: هذا هو المقدر والمكتوب! يا أستاذ.. و..

■ المقدر والمكتوب هو الذى قادها ذات يوم - كما راحت سامية جمال تحكى لى - هو الذى قادها - عندما جاءت من بلدتها فى الصعيد - إلى السير على الأقدام من محطة مصر حتى ميدان الأوبرا.. تائهة فى الميدان كما ريفى ساذج جاء من الباجور منوفية للبحث عن مولد سيدى الحلى بروض الفرج!.. الأوبرا على يمينها.. حديقة الأزبكية على يسارها إذن أين كازينو بديعة مصابنى وهو المكان الذى تبحث عنه؟! سألت رجلاً «بائعاً متجولاً على عربة فول سودانى يقف مندهشًا يتأمل تمثال إبراهيم باشا.. تعرفش كازينو بديعة فين يا عم؟! لم يلتفت لها الرجل فقد كان هو الآخر مشغولاً بتوجيه سؤال إلى أحد المارة: هو الراجل ده يقصد إبراهيم باشا عم بيشاور لى بـ «صباعة» عايز سودانى؟! كازينو بديعة أهوه قدامك يا بنتى «أشارت لها سيدة طيبة ناحيته».. كان عثورى على مكان الكازينو- والكلام مازال على لسان سامية جمال- يعادل عثورى على خاتم سليمان.. الست بديعة التى أقف أمامها الآن وكانت شهرتها تفوق الوصف سألتنى: اسمك إيه يا حلوة؟!

- اسمى زينب خليل إبراهيم محفوظ!

قالت لى الست بديعة مستنكرة: زينب ده اسم واحدة بتبيع «كرشة» فى المدبح.. من هنا ورايح اسمك سامية جمال.. فاهمة؟!..و...

■ المقدر والمكتوب والكلام مازال على لسان سامية جمال - هو ما جعلنى أتمنى أن أصبح راقصة فى شهرة تحية كاريوكا.. ثلاثة جنيهات فى الشهر «قررت الست بديعة أن تكون أجرًا لى.. «مبلغ له قيمته وقتها.. صعدت على خشبة المسرح لأول مرة «كومبارس» وسط مجموعة من الفتيات نلتف حول تحية كاريوكا وأنا لا أعرف شيئًا عن اليمين من الشمال فى الرقص.. رقصى وقتها كان مشابه تمامًا لـ«عجين الفلاحة».. فى اليوم التالى لظهورى بـ «عجين الفلاحة» هذا طلب منى المدرب الخواجة «إيزاك ديكسون» أن يعلمنى الرقص على أصوله.. و«أمسكتوا عشرة جنية تتعلم كل خاجة مضبوط يا خبيبى»!

لم يكن والكلام مازال على لسان سامية جمال فى مقدرتى وقتها أن أدفع له المبلغ كاملاً.. طلبت منه أن يعاملنى كما نظام شركة «شاهر» والدفع على أقساط قيمة كل قسط لا تزيد على الخمسين قرشًا.. مرسيه يا خواجة ديكسون بعد أن وافق على العرض الذى تقدمت به إليه.. وبدأت معه التدريبات حتى جاءت الليلة التى سأقف فيها وأقدم رقصاتى.. موعد لقائى بالجمهور وحدى وليس وسط مجموعة فتيات كما كان من قبل.. سترك يارب.. وبدأت دعوات ونصائح زميلاتى تصل إلى مسامعى.. إنشاء الله تنجحى يا رب.. ما تخافيش يا حبيبتى.. خللى «ودنك» مع المزيكة.. إلى أن أمسك مدير الصالة بالميكريفون.. و..«سيداتى سادتى يسر إدارة ملهى بديعة أن يقدم لكم سمراء النيل سامية جمال.. إنزل.. إنزل.. قالها أكثر من واحد لأن اسمى لم يكن معروفًا فى ذلك الحين مطالبين بتحية كاريوكا بدلاً منى بل بعضهم أمسك بـ«أطباق المزة ترمس وفول سودانى» يقذفوننى بها وبعضهم هدد بتحطيم الملهى إذا لم ترد لهم ثمن التذاكر.. و.. رقص أونطة هاتوا فلوسنا!

اختفيت بعدها شهرًا- والكلام مازال على لسان سامية جمال- فى الحجرة التى أستأجرتها فوق السطوح بحى العشماوى القريب من مكان كازينو أوبرا.. رحت أتدرب كل ليلة على موسيقى تلك الأسطوانة المشروخة التى اشتريتها من بائع روبابيكيا وهات يا رقص أمام مراية الدولاب.. كنت أتمنى أن أصبح فى مقام كاريوكا فقد كانت هى مثلى الأعلى من أيام ما كانت شقيقتى الكبرى «بهيجة» تمنحنى القرش صاغ لأشترى لها الفول والطرشى فأدخل السينما ساعتها وأعود بـ«السلطانية» فارغة دون فول أو طرشى من أجل الفرجة على رقص كاريوكا والهتاف لها مع جمهور الترسو.. كاريوكا يا مدرسة رقص وفن وهندسة.. ياه.. ياه .. «تنهدت وهى تواصل قائله» أيام يا أستاذ فؤاد.. و..

■ المقدر والمكتوب والكلام مازال على لسان سامية جمال «رحت أعاود المحاولة فى الوقوف مرة أخرى على خشبة المسرح وحدى.. ومن تانى راح مذيع الكازينو يمسك بالميكريفون يقدمنى للجمهور.. وسيداتى سادتى يسر إدارة ملهى بديعة أن يقدم لكم سمراء النيل سامية جمال.. هيييه.. هيييه.. راح الجمهور يهلل - هذه المرة - مبتهجًا بظهورى.. بل صفق أكثر من مرة مرحبًا عندما نطق المذيع باسمى وصفق بحرارة أكثر عندما شاهدنى أرقص.. أصبحت راقصة معترفًا بها.. خمسة وخميسة فى عين الحسود.. ارتفع أجرى من بعدها إلى 18 جنيهًا فى الشهر.. الجنيه أيامها كان يساوى المائة من جنيهات هذا الزمان!

انتشر الاسم «سامية جمال» لدرجة أن الكثير من أصحاب الكازينوهات عرضوا علىَّ أجرًا أكبر.. ثلاثون جنيهًا فى الشهر وهو ما جعلنى أغادر كازينو بديعة لألتحق بـ«ملهى الدولف» لمدة سنة كاملة ومنه إلى ملاهى أخرى زادت من شهرتى.. إلى جانب ذلك استدعيت للعمل فى فيلم «رصاصة فى القلب» مع محمد عبد الوهاب و«الحب الأول» مع جلال حرب ورجاء عبده.. رقصت حافية القدمين فى هذا الفيلم.. أصبحت معروفة داخل الوسط الفنى بلقب «حافية القدمين» ليس بسبب وجود أزمة مادية تمنعنى من شراء الأحذية فقد كان بإمكانى فى ذلك الوقت أن اشترى بما امتلك من نقود كل الأحذية الموجودة فى كل فروع محلات «باتا» أو محلات أحذية أخرى! بعدها قمت ببطولة فيلم «تاكسى حنطور» مع محمد عبد المطلب و«البنى آدم» مع بشارة واكيم و«أحمر شفايف» مع نجيب الريحانى.. مواهبى وحدها فى الرقص والتمثيل هى التى كانت تؤهلنى لبطولة كل هذه الأفلام وليس بسبب علاقات أخرى كما قد يتبادر إلى ذهن البعض «تذكرت بالمناسبة قصيدة لشاعر عامية يقول فيها.. «اجرى يا حلوة على القطاع الخاص.. تلتقى المنتج شيخ عجوز بصباص.. جنب منه مخرج يشبه البلاص.. بس تتبسمي.. بسمة ولهانة.. ثم بعنيكى نظرة نعسانة.. بعد كام سهرة.. تبقى فنانة.. توصلى وخلاص»!.. و..

■ المقدر والمكتوب- والكلام لا يزال على لسان سامية جمال- زادت شهرتى أكثر بعد سلسلة أفلام قدمتها مع فريد الأطرش حبيب العمر.. عفريتة هانم.. آخر كدبة.. ماتقولش لحد.. تعال سلم الذى غنى لى فريد الأطرش أغنيته الشهيرة سافر مع السلامة.. ترجع لنا بالسلامة.. يا خوفى بُعده ليطوَّل.. وقلبه عنى يتحول بعد أن قررت وقتها البعد عنه والسفر إلى إيطاليا للتمثيل فى الفيلم العالمى «الصقر» مثلث أيضًا أمام «روبرت تايللور» فى فيلم «وادى الملوك» و«فرنا نديل» فى فيلم «على بابا والأربعين حرامى» نسيت أن أقول لك إن المناظر الخارجية لهذا الفيلم قرروا تصويرها فى مراكش وسرعان ما استقليت الطائرة إلى هناك ومعنا كان «فرنانديل» الممثل الكوميدى المشهور الذى راح يمطرنا طوال الرحلة بفكاهاته.. خذ واحدة منها.. و.. وقف رجل دجال فى أحد الميادين يبيع إكسيرا طبياً «حبوب لونها برتقالى» يقول إنها تطيل العمر أثناءها صاح وسط الجماهير التى التفت حوله قائلاً: انظروا إليّ.. إننى بصحة جيدة ونشاط لا يوصف رغم أن عمرى 300 سنة! فسأل أحد أفراد الجمهور مساعد الدجال قائلاً: أصحيح إن عمر هذا الرجل 300 سنة؟! فأجابه المساعد فى بساطة وهدوء: لا أعرف بالضبط لأننى لم أعمل معه إلا من مائتين وخمسين سنة فقط!.. هاااه.. هاااه.. و..

■ المقدر والمكتوب - والكلام ما يزال على لسان سامية جمال - هو الذى جعنلى التقى مصادفة بـ«رشدى أباظة» فى بلاتوه استديو مصر من ساعتها الصداقة ابتدت بيننا أولاً ثم بـ «الغزل» من بعدها «هناك كلمة مأثورة بهذه المناسبة قالها مارك توين.. و.. «غزل الرجل للمرأة ما هو إلا حوار ظريف إما أن يؤدى إلى قسم البوليس أو إلى المأذون».. غزل رشدى أباظة قادنا نحن الاثنان إلى الشيخ حسن مأذون الزمالك.. تزوجن فى 21 سبتمبر عام 1962 ومن وقتها قررت أن أكون زوجة فقط.. الفنان لابد وأن يقدر مسئوليته تجاه حياته الشخصية حتى تستمر بلا مناكفات «صاحب بالين كداب» كما يقولون!.. بعد الطلاق من رشدى أباظة عدت من جديد إلى الأضواء.. تسألنى - يا أستاذ فؤاد - أيهما أفضل العمل فى السينما كممثلة أم راقصة أجيبك قائلة: بالنسبة لى خير الأمور «الوسط» أى ما يجمع بين التمثيل والرقص هذا ما أقصده بـ«الوسط» وليس بـ «الوسط» وحدة !.. أسعد لحظات حياتى عندما التقى بالجمهور وجها لوجه فى الشارع أو مول تجارى واسمع منهم وحشتينا يا سامية هانم.. آخر فيلم قمت بتمثيله اسمه «بنت الحتة» وإن كنت غير راضية عن دورى فيه وهو ماجعلنى أقرر الاعتزال من جديد! تسألنى عن رأيى فى الراقصات الموجودات حاليًا؟! فريدة فهمى الوحيدة التى تعجبنى شياكة رقصها! ناهد صبرى وسهير زكى ونجوى فؤاد زميلات فاضلات! أرجوك بل أعمل معروف لا تجرنى إلى التجريح فى أى واحدة منهن.. تذكرت بالمناسبة بيت شعر فارسى على ما أظن يقول. احفظ رأسك من ضربات اللسان.. فقد يؤذى لسانك رأسك فى بعض الأحيان! ما معناه ما تجيبش وجع الدماغ لروحك!..

وبس إلى هنا انتهى الحوار.. يا خسارة!