د. رشا سمير تكتب: 3 روايات من عمان وسوريا وتونس

مقالات الرأي



ونحن على أعتاب عام جديد وعلى وشك أن نوصد الأبواب فى وجه عام 2016 بحلوه ومره، بهزائمه وأفراحه، ما زال الإبداع هو الشىء الوحيد الذى لا يموت مع عام رحل، أو يبقى سجين أسوار عام قديم.

الحقيقة أن الإبداع هو الشىء الذى يولد كل يوم، ويبقى للأبد فى ذاكرة الأعوام، هناك عدد كبير من الروايات التى صدرت فى عام 2016 وحققت نجاحا ساحقا، وروايات أخذت كُتابها لقمم النجاح وأخريات كتبت لكُتابها شهادة وفاة.

لكن إجمالا، صدرت فى 2016 مجموعة كبيرة من الأعمال الروائية التى تستحق أن نقف عندها، فمن روايات صبغتها العشق، وروايات فحواها الحرب، ومن أقلام كتبت لتسمو بالنفوس، إلى أقلام كتبت لتعبر عن واقع عشوائى.. يتوالى الإبداع.

هناك أيضا دور نشر استطاعت تحقيق النجاح بانتقاء أعمال مميزة وتقديم روائيين شباب للساحة، علاوة على احتضان نجاحات كُتاب لهم أسماؤهم اللامعة، ومن بين كل الأعمال التى صدرت هذا العام دعونى أصطحبكم فى جولة قصيرة لثلاث روايات متميزة، تركت بصمتها فى قلوب وعقول قرائها.

دعونى أبدأ جولتى معكم بأقلام عربية شقيقة، قبل أن أستكمل مشوارى معكم فى الأعداد القادمة بأقلام مصرية متميزة.. إنها جولة سريعة بين روايات «الأعتاب» للشاعر العُمانى محمد قراطاس، والتى صدرت عن دار الساقى للنشر، وأيضًا رواية «أن تبقى» للروائية التونسية خولة حمدى، والتى صدرت عن دار نشر كيان، وأخيرًا رواية «أصل العالم» للروائى السورى وليد السابق، والتى صدرت عن دار الآداب للنشر.


1- الأعتاب

كتبت كل الروايات العربية فى الفترة الأخيرة بأحبار أقلام تسطر الأمل والسعادة وتبحث عن الحلم وسط أشلاء البشر وبقايا المنازل المتهدمة من جراء قصف القنابل والمدافع.

ومع ذلك صدرت معظم الروايات العربية مؤخرا حالة من انعدام الثقة بالذات والمجتمع، هذا هو أيضا الحال فى رواية «الأعتاب» للشاعر العُمانى محمد قراطاس.. الصادرة حديثا من دار الساقى اللبنانية فى 252 صفحة من القطع المتوسطة.

الرواية تتناول الحياة فى المجتمعات القبلية الجميلة شكلا، على الرغم من أنها ما زالت تحتاج إلى إصلاح، إنها تمنحك السعادة وراحة البال لكنك إذا عشت فيها من دون حسب ونسب، تصبح الحياة أكثر وعورة وقسوة، وينقصها الإحساس بالكيان الحقيقى للأفراد.

تدور الرواية فى بلدة «ظفار» الموجودة فى جنوب عُمان على ساحل العرب، مدينة بقيت على حالها زمنًا طويلاً، مدينة قديمة لا ترتقى إلى حد التطور ولم تواكب المدن الحديثة بشكلها الخالص.

يصف الروائى بيوتها وشوارعها بقلمه الحالم، الذى انغمس مداه فى أحبار الشعر قبل الرواية، البيوت الطينية بنوافذها الصغيرة والأزقة الضيقة التى يتكدس فيها البشر لمجرد سيرهم فيها.

استعرض الكاتب فى روايته ثلاثة ألوان من اللغات التى يتحدث بها شعبها، مثل اللغة الشحرية والجبالية والمهرية، والحقيقة أن محمد قراطاس تأثر بآداب ومعالم هذه اللغات خلال نشأته، وهو ما أضفى على كتاباته شيئاً من الأناقة اللغوية والاستطراد السردى.

تبدأ الرواية بالبطل «مستهيل»، الشاب الثورى الاشتراكى، وبتفاصيل ثورة الرفاق الأحرار، انضمّ للثورة التى انطلــقت منتصف الستينيات هارباً من معايرة الأطفال له، إذ كانوا يلقبون والده بـ«جديحة بحر»، أى الشخص الذى لا أصل له ولا فصل، ما يعنى تشبيه بالأشياء التى تقـذف من البحر دون معرفة مصدرها، إذن هى ثورة تسقط فيها الأنساب تحت أقدام قسوة البشر.

يقود الشاب الصراع ضد حكومته الطاغية لمدة أربع سنوات بكفاح مسلح، متصورا أن معتقداته الدينية والإنسانية من السهل جدا أن تصل لكل الثوار من زملائه، ولكنه ما يلبث أن يستسلم ويكف عن الكفاح ويسلم نفسه للحكومة ويقرر العودة إلى مقاعد المتفرجين ليصبح مواطنا مسالما من جديد وسط أسرته.

الحقيقة أن الكاتب طرح هنا قيمة من قيم الفقد التى طالما اشتهر بها أدب يوسف إدريس، فالبطل يفقد إيمانه بفكرة الثورة ومدى قدرتها على تحقيق أحلام المؤمنين بها، كما فقد أيضا إيمانه بالمبادئ والقيم، ثم تبدأ رحلة «مستهيل» من مدينة ظفار إلى أوروبا وشرق إفريقيا، محاولا تحقيق ما يراه فى أحلامه بل وفى بعض الأحيان فى أحلام اليقظة.

أعجبنى وصف الروائى للأشياء من منظور حالم، وهو ماتفرضه عليه خلفيته الشعرية التى بدأ بها حياته بكتابة الدواوين، فكتب «الصحراء أنثى ثائرة لاتعرف الحُب لكنها تلده دون قصد».. ويخاطب العابرون بقوله «أيها العابر بأبواب السماء خذ قبضة من بذور الريح وأنت عائد»، ثم يغازل قراءه بكلمات مثل «كل هذه الدنيا خطوط متعرجة لا تستقيم إلا بحبك».

مع الوقت وحين يتنحى مستهيل عن فكرة الثورة ينتقل إلى مرحلة أخرى، وهى مرحلة إيمانه الخارجى لمرحلة إيمان ورضا نفسى، فالتحف بالصلاة والتضرع إلى الله ليتحول مع الوقت إلى شخص نورانى يعالج ببصيرته كل من يشكو إليه حاجته، وبعد رحلة بحث طويلة هى عن الذات قبل أن تكون بحثا عن المفقودات، يصل البطل إلى نسب جده الحقيقى الذى سبب له لقبه «جديحة البحر» عقدة نفسية طويلة.

فيجد البطل نفسه ونسبه حين وجد الله كامنا فى معتقداته وفى أغوارنفسه، أرى أن فكرة الوطن أو الأرض لها بصمة واضحة على أدب «قراطاس» ولغته وطريقة كتابته، وهو ما يميز أى أدب عربى، منظومةالأرض والبشر والحضارة، الغريب أن الشاعر محمد قراطاس فى الأصل دراسته عملية بحتة لأنه درس الهندسة واحترف الشعر ثم كتب الرواية.


2- أن تبقى

تبدأ الروائية خولة حمدى روايتها الأخيرة الصادرة عن دار كيان للنشر والتوزيع فى ٣٨٣ صفحة بإهداء حالم تلخص به رسالة روايتها «أن تبقى»، فكتبت: «أن تكون عاريا من الهوية حافيا من الانتماء فذلك أقسى أشكال الفقر.. إلى الفقراء الذين لم ايدركوا مدى فقرهم».

سردت الروائية رحلتها فى تفاصيل كثيرة وشخصيات أكثر لتضع القارئ فى حيرة شديدة، هل هذه الرواية هى جزء ثان لرواية «غربة الياسمين»، أم أنها رواية مستقلة التقطت بعض خيوط شخصيات قديمة لتشارك فى أحداث الرواية الجديدة.

تبدأ الرواية فى عام ٢٠٣٥ فى فرنسا، حيث تستعرض الروائية مجموعة رسائل وقعت فى يد المحامى خليل دانيال وهى رسائل كتبها أبوه نادر، الذى يصف فيها رحلة الموت التى تعرض لها حين نجا من الموت بأعجوبة من مارسيليا إلى ليون فى باريس.

ويصف نادر لحظات انهيار الحلم فى عينيه، حلم باريس التى يلهث وراءها الجميع حين رأى بعينيه الموت والتشرد والنشل حتى السجن والإدمان والجماعات المتطرفة،

الرواية تبدو منذ الوهلة الأولى تناقش مأساة الهجرة غير الشرعية، وما يتبعها من شباب يفقدون حياتهم او حتى حين يصلون للشاطئ الآخر يتكبدون مشقة الإذلال والتشرد فى وطن لا ينتمون له.

وتنتقل الرواية بثقة إلى كل المسائل الأخرى التى هى ضريبة الغربة، مثل التطرف الدينى الذى أصبح الرائحة الكريهة التى تلازم الدين الإسلامى وأتباعه فى كل مكان بأوروبا وأمريكا.

ولم تنس أن تلقى الضوء بذكاء شديد على فكرة العنصرية الأوروبية فى معاملة المغاربة والجزائريين والتوانسة وغيرهم، وهو بعكس ما يدعيه الغرب، ومن هذا المنطلق والمنظور تتطرق الرواية إلى الوجه الآخر لباريس، باريس التى لا تقف عند برج إيفيل الذى هو الوجه الراقى لفرنسا، ولكنها تنزل إلى الأحياء الشعبية والبلطجة الأخلاقية والتشرد الإنسانى وفقراء يفترشون الشوارع.

فرنسا التى يبحث زائرها عن الماركات باهظة الأسعار فى محال الشانزليزية ليست هى فرنسا التى تتحدث عنها رواية «أن تبقى»، وهذا هو عنوان اختلافها، من هنا أعتقد أن مصمم الغلاف جاءته فكرة اليد التى تغرق فى رحلات الهجرة غير الشرعية فى خلفية برج إيفيل وعمارات باريس الفارهة، ولكن من وجهة نظرى كقارئ يبحث عن العناوين الجاذبة والأغلفة المتميزة فوق الأرفف لا أجد الغلاف ناجحا بشكل كبير، فهو مباشر يفتقر إلى الغموض الذى يبحث عنه القارئ دائما ليقع فى غرام الرواية ويشتريها.

الشخصيات فى الرواية تصنع زخما حقيقيا وثريا، يخدم أحداث الرواية مثل شخصيات: خليل- نادر- سيلين- مريم- كارمن- ديانا وغيرهم، فى مرحلة ما فى منتصف الرواية يدرك القارئ أن أحداث تلك الرواية تتلاحم بشكل أو بآخر مع روايتها السابقة «غربةالياسمين»، من خلال شخصيتى عُمر ورنيم، وهذا ما أعتقد أنه كان يجب التنويه عنه بشكل أو بآخر، حتى يتسنى للقارئ قراءة الرواية السابقة مقدما والربط بين أحداثها وشخوصها.

تتأرجح القصة بين الماضى والحاضر فى سرد مؤثر.. وتظل الهوية هى الشىء المفقود الذى يبحث عنه أبطال الرواية طوال الوقت، وتظهر تلك المسألة فى وصف علاقة أبناء العرب المولودين بالخارج طوال الوقت بالأماكن التى حتى وإن أصبحوا جزءا منها إلا أنهم أبدا لا ينتمون إليها.

أكثر شخصية يمكن القول أنها عبرت عن مكنونها بحرفية، هى شخصية خليل دانى الالشاوى ذو الأصول العربية، التى يجهل عنها كل شىء، ويكتشف فجأة قبل إلقاء خطاب الترشح حقيقة والده الذى لم يعرف عنه الكثير، فتقع تحت يده الرسائل التى تبادلها والده مع والدته، وهكذا تنتقل الرواية بين الماضى والحاضر.

وتليها شخصية نادر الشاوى المهاجر من الجزائر هربا من ظروف حياته السيئة ويديرظهره لوطنه وماضيه وكيانه ليبحث عن الوهم الأجنبى، ولكن يأبى الوطن إلا أن يمنحه رصاصة تسكن رأسه للأبد لتذكره بأن قسوة الأوطان لا تموت بل تسكن الحنايا للأبد.

ويلتقى نادر ليليان وابنتها ديانا التى يرتبط بها، على الرغم من عجزها الجسدى، ثم ينجبان خليل الذى يصاب بمرض فتاك ويأخذ نادر قرار الموت فقط حين يرتضى أن يكون الموت بين أحضان وطنه وأهله.

ما زلت أشعر بالإرهاق من محاولة الربط بين عنوان الرواية ومحتواها، أعتقد أن البقاء هى فكرة من يحاولون الهروب من الأوطان ومن هنا أتى العنوان، العنوان دائما هو نقطة الاختلاف بين الروائى ودار النشر، فالروائى يبحث عن عنوان يحمل روح روايته والفكرة الرئيسية التى تدور حولها الرواية ودور النشر تبحث عن البيع والتوزيع، والعنوان الذى يستطيع اقتناص النقود من جيوب القراء، وهنا يحدث الاختلاف الذى أحيانا ما يضر بالرواية ذاتها.

على الرغم من أن هناك تطوراً حقيقياً للغة الروائية التى استخدمتها فى الكتابة، وهذا يبدو واضحا لكل من قرأ روايتها الأولى «فى قلبى أنثى عبرية»، وعلى الرغم من أن القصة تحمل فكرة حقيقية قوية استطاعت المؤلفة توصيلها لقرائها، إلا أننى لمحت دون تحيز فكرة تكررت فى رواياتها الثلاث فى شكل شخصيات مختلفة، ولكنها تحمل نفس القضية، وهى بحثها الدائم عن مفهوم كلمة «الهوية».

وتظل تلك القضية هى هاجس الكاتبة فى كل أعمالها، ولربما يعود ذلك إلى دراستها الأكاديمية، الرواية حققت نجاحاً متوقعاً بسبب رواياتها السابقة التى صنعت لها جمهورًا كبيرًا ينتظر أعمالها بشغف كبير.


3- أصل العالم

فى رواية لها طابع مختلف ومذاق متميز وألف وجه للصراع النفسى، يطل علينا الكاتب السورى وليد السابق من خلال صفحات روايته «أصل العالم» الصادرة عن دار الآداب فى ٢٢٢ صفحة.

الرواية تبدو مختلفة منذ اللحظة الأولى ويبدو نصها خارجا عن المألوف فى عالم الكتابة، تبدأ بشخصية يوسف، وهو البطل الحقيقى للرواية بل ويمكن أن نقول أنه البطل الأوحد.

يوسف شاب لم يكمل تعليمه، يبحث عن الماضى ويلتحف برداء الفرسان فى النضال فى مجتمع لم يسمح له بالاندماج فيه، لكنه فى العموم شاب متسق مع نفسه ومع ما يحدث له من مفاجآت طوال الوقت، على الرغم من أنه يعيش مهمشا فى عالم لا يشعر به.

يُقدم الروائى بطل قصته يوسف للقارئ من خلال جريمة قتل يرتكبها أو يظن أنه ارتكبها فى الصفحات الأولى من الكتاب ويفر هاربا من فرط خوفه على حياته، أن تبدأ الرواية بتلك الجريمة الغامضة له، وفى الحقيقة ذكاء من الروائى الذى استطاع أن يجذب القارئ منذ الوهلة الأولى ليغوص معه بين صفحات الرواية للمزيد من الإثارة.

وتستمر قصة يوسف، الشاب غير الواضح انتمائه، ولا يصلنا من تفاصيله سوى أنه يعمل حارسًا ليليًا فى مقبرة لبلدة بلا اسم، تبعد عن المدينة مسافة ساعة واحدة، يتغير مسار يوسف الذى لا يبدو واضحا منذ اللحظة الأولى حين يهرب إلى مدينة غريبة الأطوار، ينزوى أغنياؤها ويعانى فقراؤها.

تزيد المدينة حيرة يوسف، وتلقى بالمزيد من العذابات فى صدره لتزداد حياته ارتباكا، تنتقل الرواية إلى موت الشحاذ الذى منع يوسف من الاقتراب منه، ليدخل بعدها البطل فى حوار داخلى طوال الوقت وأحلام تبدأ هادئة وتنتهى بكوابيس.

أراد المؤلف أن يشير إلى فكرة كيفية أن ينعزل الإنسان من مجتمع لا يتآلف معه إلى داخله أى إنه ينعزل داخليا وليس خارجيا، استطاع «السابق» بحرفية أن يظهر أن الانزواء الإنسانى لا يعنى الانزواء فى ركن بعيد، بل يعنى فى أغلب الأحيان الانزواء إلى نفسه لينطوى على عذاباتها وهو أقصى أنواع الهروب على الإطلاق.

وهذا ما أراد الروائى لقارئه أن يخرج به من صفحات روايته، وهى ذات الطريقة التى أوضحت لنا كيف كان يوسف يعيش على الهامش، أى لم يشعر أحد بوجوده من عدمه، إلا المرأة نصف العارية، التى أخبرته أنها منذ رأته فى المقبرة عرفت أنه سيأتى إلى منزلها، وهى السيدة الوحيدة مجهولة الهوية التى تظهر بغموض كبير فى صفحات الرواية، واستطاع المؤلف أن يجعلها تطلع إلينا ثم تختفى ثم تعود، وكأنها عروس ماريونيت لا تحركها الأحداث بل هى من تحرك الأحداث.

يتطرق الروائى أيضا إلى قيمة الخوف أو معانيه المختلفة، من خلال حدث هنا وحدث هناك، يتجلى معنى الخوف الحقيقى الذى عاش بين ضلوع البطل منذ البداية وحتى النهاية، فى أكثر من موقف، فى غرامه لحبيبته لدرجة أنه أحبها بخوف أفقده شجاعة الاعتراف بذلك، أو الجهر به فى وجه الجميع، كما يظهر خوفه غير المنطقى أيضا حين تمسك بساعته الذهبية ورفض بيعها طوال الوقت، رغم أنه باعها فى النهاية.

فى الحقيقة الروائى قدم شيئا مختلفا عن سياق الروايات العادية، لأن الرواية بدءا بغلافها الغريب الذى يحصرها منذ النظرة الأولى فى منطقة الروايات الفلسفية الوجودية، هى عمل يبدو جديدا، والطريقة التى سطرها الروائى وليد السابق بقلمه هى طريقة مختلفة فى السرد، فهو متواجد بشكل دائم فى الجزء الرمادى الذى لا يستطيع القارئ معه أن يستمتع بدفىء الشمس ولا أن يستفيد من الظلام فى مواراة خطاياه.

استوقفنى وحيرنى كثيرا قلة الحوار بشكل كبير فى الرواية، بمعنى أن أغلب المشاهد هى سرد أولا لطبيعة المكان والأشياء التى تشكله ويغيب الحوار بين الأبطال عن المشهد، الحقيقة أنها جرأة من الروائى لأن الحوار يلعب على مشاعر القارئ ويقربه دائما بكلمات تخرج على لسان الأبطال، لتوضح حقيقة القضية التى يريد الكاتب أن يطرحها، فمثلا لو أراد الروائى أن يصف امرأة تعانى من قهر زوجها، لطرح ذلك من خلال حوار بين الزوج والزوجة، لتصف فيه الزوجة شعورها، ولتغضب ولتنفعل ولتنتقى كلمات تذبح ولا تقتل.

أما لو اكتفى بوصفه لامرأة تبكى وتنتحب فى ركن من الغرفة دون حوار أو كلمات تخرج من فمها لتعبر بها عما يعتريها، هذا بالطبع يجعل توصيل الفكرة أكثر صعوبة، ببساطة هذا ما أردت أن أقوله، الروائى لم يستعن بالحوار بالشكل الكافى ما جعل أغلب الفصول مجرد سرد لمكان أو لوقائع، وهذا ما أراه نقطة يجب أن يراجع بها الكاتب نفسه فى خضم كتابة أعماله القادمة.