تعرف على آداب النصح في الاسلام
تعلمنا من ديننا أن النصيحة دين نتعبد به، ودين نتقرب به للمولى عز وجل، وقد حفظنا حديثاً عظيماً رواه مسلم في الصحيح من حديث تميم الداري وله شواهد عند غير مسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وتقوم النصيحة على آداب وذوقيات، إذا اختفت هذه الآداب والذوقيات فقدت النصيحة روحها، وانعدم ربحها، وفقدت أثرها في صناعة التغيير، فالنصيحة لها أثر في نفس الناصح والمنصوح، إن لها أثراً كأثر الملح في الطعام، فالطعام يحتاج تركيزاً محدداً، فإذا زاد عن حده أو نقص فقد الطعام شهيته، وأمسكت النفس لتقبله وكذلك النصيحة.
وللنصيحة آداب، فإن لم يزنها الإخلاص لله فيكون النصح القصد به وجهه تعالى، لا حظ للنفس، وحظوظ النفس كثيرة.
وأما الأدب الثاني أن يسلك الناصح سبيل اللين والرفق، وأحسب أن هذا الأدب قد غاب في زمننا هذا خلافاً لهدي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في الاقتداء والتأسي.
ومن الجماليات التي تأسر المنصوح أن تكون النصيحة سراً خالية من التعريض والفضح والتشهير، فأخلاق المسلم تستعلي على الفجور والاستعلاء والكبر، فالمسلم راق بخلقه، ميال للستر في كل أحواله.
فمن المؤسف أننا أصبحنا نقلد الإعلام الهابط الذي لا هدف له سوى نشر الغسيل، ونشر الفضائح والترويج لسمومه بهتك أعراض البشر، والمسلم يتحرى نبل المقصد، فليتنا نتأسى بأخلاق سلفنا الصالح في النصيحة، فقد كانوا - رضوان الله عليهم - يَحرصون على النُّصح سراً؛ قال بعضهم: "من وعَظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومَن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبَّخَه".
أما من يتخذ من منابر الإعلام وصفحات الصحف منبراً لنصح إخوانه والتعريض على مواقفهم، حتى تصل الحال للتشفي والشعور بالغبطة لهزات مصائبهم، فهذا من المحال غير المستساغ عقلاً وديناً.
ومن الذوقيات الراقية في النصيحة أن الناصح عليه أن يتحرى الزمان والمكان والأحوال، ومن السوابق التي تهز الكيان أن يصدر من الصديق، أو من رجل يحسب لنصيحته نصائح شاردة، تضر بإخوانه في أمور قابلة للاختلاف لتعدد الاجتهاد فيها، فأن تقفز النصيحة على مآسي الأمة وآلامها، وأن ينصح المجلود والمغتصبة حقوقه والمهدورة كرامته فكيف نشعر بالارتياح والرضا والبشر، لما حل بإخواننا.
أحسب أن الناصح يحتاج لمراجعة حساباته، فقد أخطأ الرمي والتسديد، وأن ميزان بوصلته يحتاج لإعادة الضبط، ثم كيف أسوغ لنفسي النصح لإخواني التفريط في الحقوق الشرعية المكتسبة بدعوى عدم استكمال عناصر التمكين، كأن غيرها من التجارب قد استكملت شروط التمكين وامتلكت أهلية قيادة أنظمة وحكومات، وكيف لناصح يصف المنصوح بضحالة الفكر وقلة التجربة والجمود الفكري والتسلط الفكري؟ لو كنت مكان المنصوح لرفضت إسداء النصيحة لخروجها عن الجماليات والذوقيات، فأين القول اللين في النصيحة؟ قال الله تعالى: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً﴾ (طـه:44).