ننشر أسباب حكم عدم دستورية سلطة وزير الداخلية في منع التظاهرات
حصلت "الفجر" علي حيثيات حكم المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، اليوم السبت، بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة العاشرة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، وسقوط نص الفقرة الثانية من هذه المادة، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
وأقامت المحكمة حكمها على سند من أن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلاً بصون الحقوق والحريات العامة، وفى الصدارة منها الحق فى الاجتماع والتظاهر السلمى، كى لا تقتحم إحداهما المنطقة التى يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة وكان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبًا أساسيًّا توكيدًا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرًا لدورها فى مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها.
وعلى ذلك، فعلى خلاف الوثائق الدستورية السابقة على دستور 2012، نحى الدستور القائم منحى أكثر تقدمًا وديمقراطية فى صونه حق الاجتماع السلمى وما يتفرع عنه من حقوق، فسلب المشرع الترخص فى اختيار وسيلة ممارسة هذه الحقوق، وأوجب ممارستها بالإخطار دون غيره من الوسائل الأخرى لاستعمال الحق وممارسته كالإذن والترخيص، ولما كان الإخطار كوسيلة من وسائل ممارسة الحق، هو إنباء أو إعلام جهة الإدارة بعزم المُخطِر ممارسة الحق المُخطَر به، دون أن يتوقف هذا على موافقة جهة الإدارة أو عدم ممانعتها، وكل ما لها فى تلك الحالة أن تستوثق من توافر البيانات المتطلبة قانونًا فى الإخطار، وأن تقديمه تم فى الموعد وللجهة المحددين فى القانون، فإذا اكتملت للإخطار متطلباته واستوفى شرائطه قانونًا، نشأ للمُخطِر الحق فى ممارسة حقه على النحو الوارد فى الإخطار.
ولا يسوغ من بعد لجهة الإدارة إعاقة انسياب آثار الإخطار بمنعها المُخطِر من ممارسة حقه أو تضييق نطاقه، ولو اعتصمت فى ذلك بما يخوله لها الضبط الإدارى من مكنات، فالضبط الإدارى لا يجوز أن يُتخذ تكئة للعصف بالحقوق الدستورية، فإن هى فعلت ومنعت التظاهرة أو ضيقت من نطاقها، تكون قد أهدرت أصل الحق وجوهره، وهوت بذلك إلى درك المخالفة الدستورية.
بيد أن ما تقدم لا يعنى أن الحق فى الاجتماع أو التظاهر السلمى حق مطلق من ربقة كل قيد، ذلك أن هذين الحقين، وخاصة حق التظاهر السلمى، يمس استعمالهما، فى الأغلب الأعم بمقتضيات الأمن بدرجة أو بأخرى، وتتعارض ممارستهما مع حقوق وحريات أخرى، بل قد تنحل عدوانًا على بعضها، مثل حق الأفراد فى التنقل والسكينة العامة، وغيرها، وهو إخلال يُغَض الطرف عنه، وعدوان يجرى التسامح فى شأنه، تغليبًا لحقى الاجتماع والتظاهر السلمى بحسبانهما البيئة الأنسب لممارسة حرية التعبير والتى تمثل فى ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديموقراطية عنها، وتؤسس الدول الديمقراطية على ضوئها مجتمعاتها، صونا لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل تطوير بنيانها وتعميق حرياتها، كل ذلك شريطة سلمية الاجتماع والتظاهرات، وتوافقها وأحكام الدستور ومقتضيات النظام العام، وما دام العدوان على الحقوق والحريات الأخرى لم يبلغ قدرًا من الجسامة يتعذر تدارك آثاره، ومن ثم يكون محتمًا، التزامًا بالقيم الدستورية التى تعليها الدولة القانونية، أن يكون القضاء هو المرجع، فى كل حالة على حده، تلجأ إليه جهة الإدارة حين تروم، لأى سبب من الأسباب، ووقف سريان الآثار المترتبة على اكتمال المركز القانونى لمنظم الاجتماع أو التظاهرة، الناشئ من تمام الاخطار الصحيح، ليقرر، حينها، القضاء المختص، دون غيره، ما إذا كانت ثمة مصالح وحقوق وحريات أولى بالرعاية، تجيز منع الاجتماع أو التظاهرة السلمية أو تأجيلهما أو نقلهما أو تعديل مواعيدهما أو تغيير مسار التظاهرة، وذلك على ضوء ما تقدمه جهة الإدارة من دلائل وبراهين ومعلومات موثقة تقتضى ذلك وتبرره.
وكانت الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية قد خالفت هذا النظر، فمنحت وزير الداخلية ومدير الأمن المختص حق إصدار قرار بمنع الاجتماع أو التظاهرة المخطر عنها أو إرجائها أو نقلها، فإنها تكون بذلك قد مسخت الإخطار إذنًا، مما يوقعها فى حمأة مخالفة المواد (1/1، 73/1، 92/2، 94) من الدستور، ومن ثم يتعين القضاء بعدم دستوريتها .
وحيث إنه نظرًا للارتباط الذى لا يقبل الفصل أو التجزئة بين نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة العاشرة من القانون المار ذكره، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى عدم دستورية نص الفقرة الأولى من هذه المادة، فمن ثم يترتب على ذلك سقوط الفقرة الثانية منها، وهو ما يتعين القضاء به.
كما رفضت المحكمة ما نعاه المدعى من صدور القرار بقانون دون توافر الضرورة الملجئة لإصداره، تأسيساً على أن سلطة التشريع المخولة لرئيس الجمهورية بموجب الإعلان الدستورى الصادر فى الثامن من يوليو سنة 2013، الذى صدر القرار بقانون المعروض فى ظل سريان أحكامه، قد ناط سلطة التشريع برئيس الجمهورية المؤقت، وهى سلطة تشريع أصلية لا استثنائية، يترخص في ممارستها دون قيد، وهو ما التزمه القرار بقانون المطعون عليه . وفى شأن المادة الثامنة قررت المحكمة أن الدستور قد خول المشرع تنظيم الإخطار بالاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات، وأن تلك المادة التزمت فى تنظيم الإخطار بما قدرت أنه الأنسب لتحقيق مصلحة الجماعة، والأكثر ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، ومن ثم جاءت أحكامها فى إطار الضوابط الدستورية المقررة منضبة بتخومه.
ثانيًا: رفض الدعوى رقم 234 لسنة 36 قضائية " دستورية "، والتي انصبت على نص المادتين السابعة والتاسعة عشر من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، واللتان تنظمان جريمة المشاركة في تظاهرة دون إخطار الجهات المختصة، ترتب عليها تعطيل مصالح المواطنين وتعطيل حركة المرور، والعقوبة عليها.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن الجريمة المقررة فى المادة السابعة هى جريمة عمدية، ولا يجزئ فى التأثيم الخطأ مهما كانت صورته أو بلغت درجته، فلا تقع الجريمة إلا إذا ارتُكِبَ الفعل عن علم بطبيعته وإرادة إتيانه، واتجهت إرادة الجانى، متبصرًا، إلى العدوان على أحد الحقوق والحريات والمصالح الواردة حصرًا بهذه المادة، شريطة أن يتم العدوان فعلاً، وغنى عن البيان أيضًا، أن صياغة هذه المادة قد كرست شخصية المسؤولية، فلا يسأل عن الجريمة سوى من قارفها بالفعل، فالإثم شخصى لا يقبل الاستنابة. ولا يعذب عن ناظر أن المادة المطعون فيها تخاطب كل من شارك فى أى اجتماع أو موكب أو تظاهرة سلمية، سواء كان قد تم الاخطار عن تنظيمها قانونًا أم لا، بيد أن هناك فارقًا جوهريًّا بين من شارك فى تظاهرة مخطر عنها قانونًا وغيرهم، إذ أن الفئة الأولى، ما برحت متحصنة باستعمالها حق قرره الدستور، يستوجب ممارسته قدر من التسامح، لما يترتب على ممارسته، فى الأغلب الأعم، من مساس بحقوق وحريات أخرى، مثل حق الأفراد فى التنقل، وحقهم فى السكينة، وغيرها، ليضحى تحقيق التوازن بين الحقوق والحريات الدستورية وكفالة ممارستها، والتعايش بينها بغير تنافر أو تضاد غاية لكل تنظيم يسنه المشرع فى هذا الخصوص، كما هو حال النص المطعون فيه فى تناوله للحق فى الاجتماع بأشكاله المختلفة بحسبانها البيئة المثلى لممارسة حرية التعبير والتى تمثل فى ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديموقراطية عنها، وتؤسس الدول على ضوئها مجتمعاتها، صونًا لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل تطوير بنيانها وتعميق حرياتها. لما كان ذلك، فإن نص المادة السابعة من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية يكون منضبطًا بالضوابط الدستورية للتجريم، ولا يخالف المواد ( 54/1، 73، 92/2، 95) من الدستور.
وحيث إن العقوبة المقررة بمقتضى المادة التاسعة عشرة من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، لمن يخالف أحكام المادة السابعة منه، هى الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين، والغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجـــــــــاوز مائة ألف جنيه، أو إحـــــــــدى هاتين العقوبتين، ما يجعلها من العقوبات المقررة للجنح لا الجنايات، وهى عقوبات تتناسب مع خطورة وفداحة الإثم المجرّم فى المادة السابعة دون غلوّ أو تفريط، وقد أعطت هذه المادة للقاضى سلطة تفريد العقوبة واختيار العقوبة التى يوقعها على كل متهم على حده، بحسب ظروف الجريمة وظروفه الشخصية، فله أن يقضى بالحبس أو بالغرامة أو بكليهما معا، وهو حين يقضى بالحبس أو الغرامة يراوح بين حدّين أدنى وأقصى، كما لم تسلبه المادة خيار وقف تنفيذ العقوبة إن هو قدر ذلك. متى كان ما تقدم؛ فإن النص المطعون فيه لا يكون قد خالف المواد (54/1، 94، 95، 96/1، 184، 186) من الدستور.
ثالثًا: حكمت المحكمة:
أولاً : بعدم دستورية قرار وزير النقل رقم 521 لسنة 2003 بشأن تحديد مقابل الانتفاع بالتراخيص الممنوحة لمزاولة أعمال النقل البحرى والأعمال المرتبطة بها بالموانئ المصرية، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ثانيًا: بتحديد اليوم التالى لنشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية تاريخًا لإعمال أثــره.
وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن الهيئة العامة لميناء بور سعيد المنشأة بالقانون رقم 88 لسنة 1980، قد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 13 لسنة 1981 - إعمالاً للتفويض المقرر له بمقتضى نص المادة (3) من القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة - باعتبارها هيئة عامة اقتصادية، وهى تقوم على إدارة مرفق عام هو ميناء بور سعيد، الذى يبلور نشاطه تدفق حركة واردات البلاد وصادراتها وما يرتبط بذلك من مزاولة أعمال النقل البحرى والشحن والتفريغ والوكالة البحرية، ومن ثم فإن الضوابط التى تنبنى عليها قرارات هذا المرفق فى تحديد مقابل الانتفاع بالترخيص بمزاولة أعمال الوكالة الملاحية فى نطاق اختصاصه، إنما هى ضوابط اقتصادية تختلف عن تلك التى قررها الدستور لتقرير الرسوم، وهو ما يترتب عليه عدم خضوع مقابل الانتفاع بالترخيص المذكور للقواعد والإجراءات اللازم اتباعها لتقرير الرسوم، وتستقيم صحته - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بأن يكون تقريره صادرًا عن الجهة المنوط بها ذلك فى إطار التنظيم التشريعى للمرفق ذاته، والذى عين فى المادة (7) من القانون رقم 12 لسنة 1964 بإنشاء المؤسسة المصرية العامة للنقل البحرى السلطة المختصة المنوط بها تحديد هذا المقابل، بحيث يتم بموافقة مجلس الوزراء بناء على عرض وزير النقل والمواصلات، ليغدو انفراد وزير النقل بإصدار القرار المطعون فيه، انتحالاً منه لاختصاص غير منوط به، ومجاوزة منه لحدود صلاحياته القانونية، واعتداءً على الولاية التى أسندها القانون لمجلس الوزراء، باعتبارها القاعدة الضابطة للاختصاص بتحديد هذا المقابل، الأمر الذى يكون معه القرار المطعون فيه قد وقع بالمخالفة لنصوص المواد (117، 120، 144) من الدستور الصادر سنة 1971.
وحيث إن هذه المحكمة تقديرًا منها للأثر المترتب على القضاء بعدم دستورية قرار وزير النقل رقم 521 لسنة 2003 على النحو السالف بيانه، وأهمية تحقيق الاستقرار للمراكز القانونية التى نشأت عن تطبيقه، منذ تاريخ العمل به، وحتى تاريخ صدور هذا الحكم، فإنها تُعمل السلطة المخولة لها بنص المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وتحدد اليوم التالى لنشر الحكم فى الجريدة الرسمية تاريخًا لسريان أثره، وذلك دون إخلال باستفادة الشركة المدعية منه.