"الطيب": الأديان اعتبرت الآثار مواطن للذكرى والاعتبار بالأمم السابقة
بعث
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، برسالة دعم إلى مؤتمر
"حماية التراث الثقافي المعرّض للخطر" والذي ينعقد في العاصمة الإماراتية
أبوظبي في الفترة من 2 : 3 ديسمبر الجاري تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية
والثقافة اليونسكو.
وقال
شيخ الأزهر: في هذه الرسالة، لقد سعدت أيما سعادة بتلك المبادرة الكريمة التي تجسد
المعنى الحضاري والقيمة الإنسانية للقاء يجمع بين الشرق والغرب من خلال هذا المؤتمر
الذي يهدف إلى إصلاح ما أفسدته بربرية الإرهاب، وما أحدثه المتطرفون من دمار استهدف
القضاء على الهوية الحضارية، وطمس معالم ثقافية، وتراث إنساني هو ملك للأجيال المتعاقبة،
وحق للجميع لا يملك أحد المساس به.
وأضاف
الإمام الأكبر: لقد جاءت الأديان السماوية لتعزز مكارم الأخلاق وتأخذ بيد الإنسانية
نحو معارج الرقي والتحضر، وقد نشأت في ظلال هذه الأديان حضارات إنسانية متنوعة، تحمل
في مفرداتها ورموزها شهادة لماض عريق، وتقديرا لصناع التاريخ عبر العصور المختلفة،
موضحا أن كل الأديان اتفقت على ضرورة تكامل تلك الحضارات، باختلافاتها الدينية والعرقية
واللغوية، في حلقات من التواصل المبدع دون تربص أو عداء وتصادم، حتى ينهل من بعضها
البعض وتكتشف من القواسم المشتركة بينها دعائم لتحقيق السلام الإنساني والثراء المعرفي.
وشدد
الإمام الأكبر على أن ما يحدث الآن على يد عصابات الشر من الاعتداء الآثم على التراث
الإنساني الخالد على وجه الزمان، جريمة أخلاقية وحضارية لا تقرها الأديان ولا الأعراف
ولا الذوق الإنساني العام، وإنما الذي أقرته الأديان هو النظر لهذه الآثار على أنها
مواطن للذكرى والاعتبار بالأمم السابقة.
وأوضح أن الأزهر وشريعته، وقد ارتفعت مآذنه وحفلت أروقته
بتدريس علوم الإسلام منذ أكثر من ألف عام، تحيط به معالم الآثار الفرعونية والقبطية
والإسلامية، ولم يسجل التاريخ أن عالما واحدا مس هذه الآثار بسوء أو أفتى بتدميرها،
بل على العكس من ذلك، سجل التاريخ أن صحابة رسول الله الذين جاءوا إلى مصر، وعلى رأسهم
القائد المعروف عمرو بن العاص، لم يتعرضوا لهذه الآثار بشيء من الأذى لا من قريب ولا
من بعيد، ولم تصدر عنهم فتوى واحدة تبعث على كراهية هذه الآثار ، فضلا عن هدمها.
وأردف
شيخ الأزهر، قائلا: إنني شخصيا ولدت ونشأت في قرية "القرنة" غرب الأقصر ،
وسط الآثار الفرعونية الشهيرة بمعابدها وتماثيلها، وكان تعليمي في معاهد الأزهر الدينية،
ودرست على أيدي شيوخ أزهرين أجلاء، ولم نشعر، نحن الطلاب، من كلامهم وسلوكهم بشيء يدعو
إلى الإضرار بهذه الآثار، وكثير منهم كان يحرص على زيارة الآثار الفرعونية ويبدي إعجابه
بها وتقديره لها.
وأعرب
الإمام الأكبر عن تقديره الكبير لهذه المبادرات الإنسانية والحضارية لعقد مؤتمر دولي
من أجل وضع أسس لحشد دولي لصالح حماية هذا التراث، تلك المبادرة التي تأتي من بلدين
كريمين لا يمكن لمنصف أن ينكر جهودهما في الاهتمام بالتراث الإنساني والحفاظ عليه،
ففرنسا بلد الأدب والثقافة والفكر الحر والفن، ودولة الإمارات العربية المتحدة بلد
العروبة والأصالة لا تألوا جهدا في تعزيز الجهود من أجل الارتقاء بالإنسان والحفاظ
على هويته الثقافية والحضارية.
وأعرب
الإمام الأكبر عن دعم الأزهر الشريف لهذا المؤتمر، موضحا أن الأزهر بدعمه هذا إنما
يؤكد على أن الآثار التاريخية هي إرث إنساني يجب الحفاظ عليه وعدم الإضرار به، وأن
ما تقوم به بعض التنظيمات الإرهابية من تدمير للتراث الحضاري وطمس لتاريخ شعوب بأكملها
أمر يرفضه الإسلام جملة وتفصيلا ويعتبره جريمة كبرى في حق العالم بأسره.
وأشار
شيخ الأزهر إلى أنه إذا كان هؤلاء الإرهابيون يقومون بهذا التدمير وهذا الهدم الموروث
الثقافي والحضاري باسم الدين، فإنني أؤكد ـ وأنا الذي قضيت عمري في الأزهر الشريف أدرس
العلوم الإسلامية وأدرسها، أن الإسلام لا يدعو إلى شيء من هذا ولا يحض عليه، بل إنه
على النقيض من ذلك يدعو الناس جميعا إلى السير في الأرض لينظروا إلى آثار السابقين
نظرة التأمل والاعتبار، ولا شك أن التجارب الماضية للإنسانية تساهم مساهمة عظيمة في
إثراء خبرات البشر وتصحيح مسارهم وتحقيق مصالحهم.
وفي
ختام رسالته، تقدم الإمام الأكبر بالشكر للقائمين على هذه الجهود الطيبة، معربا عن
تمنياته في أن يكلل هذا المؤتمر بنجاح وأن نتعاون جميعا على مواجهة ووقف هذه السلوكيات
البربرية التي تهدد الأمن البشري والتراث الثقافي للحضارة الإنسانية.